
مراكش: عزيز باطراح
استغرب عدد من الحقوقيين والمتتبعين للشأن المحلي بجماعة سيدي عبد الله غيات بضواحي مراكش، كيف شارك حزب العدالة والتنمية، الذي يرأس المجلس الجماعي، في تنظيم حفل تكريمي لفائدة الرئيس السابق للجماعة ذاتها، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، بالرغم من إدانته بسنتين حبسا نافذا من طرف غرفة الجنايات بمراكش، بعد متابعته من أجل التزوير في محررات رسمية وتبديد أموال عمومية.
وبادرت جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي وأعوان جماعة سيدي عبد الله غيات بإقليم الحوز، إلى تنظيم حفل التكريم لفائدة الرئيس السابق المدان من طرف المحكمة، بشراكة مع المجلس الجماعي الذي يرأسه حزب العدالة والتنمية.
ومن بين الكلمات التي قيلت في حق المحتفى به، والتي تتناقض تماما مع صك الاتهام الموجه للرئيس السابق، أن «كل ما يحتاجه الإنسان حتى يرقى إلى مصاف الأنبياء هو ضمير حي، وقلب محب، وإخلاص في العمل. وقد توفرت جميعها فيكم، وهو ما تستحقون عليه الحفاوة والعرفان من الجميع»، وزادت الكلمة ذاتها: «إننا اليوم، إذ نتوجه بالتكريم إليكم، إنما نتوجه إليكم بتحية التقدير والاحترام لمرحلة من مراحل عطائكم التي تميزت بالتضحية ونكران الذات في سبيل أداء الأمانة»، وهو ما يتناقض تماما مع التهم الجنائية التي تابعته من أجلها النيابة العامة بمحكمة جرائم الاموال.
هذا وتساءل عدد من الحقوقيين، في اتصالهم بـ«الأخبار»، عن الرسالة التي يحاول حزب العدالة والتنمية إرسالها عبر هذا الحفل التكريمي، وعن الجهات المعنية بها، في الوقت الذي تمت إدانة الرئيس السابق من طرف محكمة جرائم الأموال من أجل التزوير وتبديد أموال عمومية بسنتين حبسا نافذا، ولازال الملف أمام غرفة الجنايات الاستئنافية.
وفي تصريح صحفي، أوضح الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية أن قرار تكريم الرئيس السابق للمجلس تم اتخاذه من طرف حزبي «البيجيدي» و«البام»، مؤكدا موافقته ودعمه لتكريم الرئيس السابق للجماعة على المجهودات التي بذلها طيلة فترة تدبيره. وهو ما يتنافى تماما مع الانتقادات التي كان يوجهها أعضاء «البيجيدي» للرئيس السابق للجماعة المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، والمتمثلة أساسا في سوء تدبيره لشؤون الجماعة.
وكان محمد بلواد، الرئيس السابق لجماعة سيدي عبد الله غيات، قد قدم استقالته من الجماعة إلى السلطات الإقليمية، خلال شهر شتنبر الماضي، مبررا هذه الاستقالة بدواعي المرض، بعدما ترأس هذه الجماعة لثلاث ولايات متتالية، اثنتان منها باسم حزب الاستقلال والثالثة والأخيرة باسم حزب الأصالة والمعاصرة.
وكانت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بمراكش قد أدانت الرئيس السابق للجماعة بسنتين حبسا نافذا، بعدما تابعته النيابة العامة، في حالة سراح، إلى جانب نائبه الأول السابق وتقني بالجماعة ووكيل المداخيل بها بالإضافة إلى أحد المقاولين، من أجل جنايتي التزوير في محررات رسمية وتبديد أموال عامة وجنحة الغدر والمشاركة.
وتعود تفاصيل متابعة بلواد ومن معه، من طرف الوكيل العام بمحكمة جرائم الأموال، إلى مطلع سنة 2015، عقب صدور التقرير السنوي للمجلس الجهوي للحسابات، والذي وقف على العديد من التجاوزات والاختلالات المالية والتدبيرية للجماعة خلال الفترة الممتدة ما بين 2009 و2012، وهي الاختلالات التي اعتبرتها النيابة العامة ترقى إلى أفعال جنائية.
وكشفت أطوار التحقيق مع محمد بلواد، المتهم الرئيسي في القضية، حسب قرار الإحالة لقاضي التحقيق بتاريخ 28 أكتوبر الماضي، أن رئيس الجماعة أسند أشغال حفر وتعميق 17 بئرا بمختلف دواوير الجماعة، لفائدة شركة «أيوب كونتوار»، على امتداد سنوات 2009، 2010 و2011، وذلك عبر ثلاثة سندات طلب قارب مجموعها حوالي 60 مليون سنتيم، غير أن التحقيقات التي باشرها قاضي التحقيق، وكذا التقارير الصادرة عن المجلس الجهوي للحسابات، كشفت أن أبناء هذه الدواوير المستفيدين من الآبار، هم من تكفلوا بتعميق تلك الآبار بواسطة جمعيات محلية أدت أتعابهم. فضلا عن أن الجمعيات نفسها هي من قامت بكراء الآليات والمعدات لأشغال تهيئة هذه الآبار، عكس ما ادعاه رئيس الجماعة، الذي مكن الشركة المذكورة من قرابة 60 مليون سنتيم عن أشغال لم تنجزها.
وبحسب قرار الإحالة لقاضي التحقيق، فإن رئيس الجماعة الذي كان يشغل، أيضا، مهام رئيس الفضاء الجمعوي بالمنطقة، والمنضوية تحت لوائه عشرات الجمعيات، عمد (الرئيس) إلى تمكين هذه الجمعيات من مبالغ مالية بلغ مجموعها قرابة 200 مليون سنتيم، بدعوى إصلاح الطرقات والمسالك بالعديد من المناطق بتراب الجماعة، وهي الأشغال التي لم تنجز بشأنها أية محاضر رسمية تثبت أن تلك الأشغال أنجزت فعلا، كما لم يتم العثور لدى الفضاء الجمعوي المذكور على الوثائق التي تبين المساطر التي جرى سلكها لكراء الآليات والمعدات وطرق صرف تلك المبالغ، ما اعتبره قاضي التحقيق والمجلس الجهوي للحسابات تبديدا لأموال عامة.