شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الجملة العصبية المركزية

 

بقلم: خالص جلبي

 

يقول الخالق العليم: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). إن القلب المعني به هنا هو الدماغ، مركز التفكير في الإنسان، وهذا الجهاز هو موضع بحثنا الآن، فما هو تركيبه يا ترى؟ وما هي مكوناته وعمله الفيزيولوجي؟ وما هي أسراره المحيرة التي لم يكشف النقاب إلا عن القليل منها؟ لنسمع إلى الطب وهو يحدثنا عن بعض هذه الأسرار.

يعتبر الدماغ بالنسبة إلى الجسم بمثابة الحكومة العاقلة العالمة المخلصة التي تتحكم في كل الجسم على الإطلاق تحكما مطلقا، ويعتبر الجسم بمثابة الشعب المتفاني في الطاعة، وتتكون الجملة العصبية من اجتماع عدة عناصر تتعاون في ما بين بعضها البعض، كما أنها تتعاون من جهة أخرى مع باقي غدد الجسم وأخلاطه، وحتى نأخذ فكرة مبدئية عن الأمور نقول إن الجملة العصبية في الإنسان هي هم جزء في البدن، حيث تمثل قيادة الجسم من الناحية المادية والفكرية، وهي تتكون من المخ والمخيخ والجذع الدماغي الذي يتكون بدوره من ثلاث قطع، هي الساق المخية وهي مزدوجة والحدبة الحلقية وتسمى بجسر (فارول)، أيضا نسبة لمكتشفها، وثالثها وهي البصلة، وهناك النخاع الشوكي وهو موجود في قناة عظمية تحفظه من كافة الجوانب، وتتفرع من النخاع أعصاب عديدة تسري في الجسم كسريان أسلاك البرق والهاتف، وهكذا ترى أن عناصر الجملة العصبية هي سبعة، وهي تمثل مركز القيادة الذي يتلقى الأخبار ويرسل الأوامر، ولكن كيف يتم هذا الأمر؟ إن هذا كله سنتعرض له بالتفصيل بعد قليل، ولنبدأ بأبسط الأشياء حتى نصل إلى الأشياء المعقدة.

 

الخلية العصبية

الشيء الأول الذي نريد أن نفهمه هو السؤال التالي: ما هي الأعصاب؟ يقول الطب إن حجر الأساسي أو اللبنة الأساسية في تكوين الجهاز العصبي هو العصبون أو الخلية العصبية، أي كباقي الأجهزة التي تشكل الكائن الحي الراقي، ولكن تختلف الخلية العصبية عن باقي خلايا الجسم بمميزات هامة وعظيمة، هي التي جعلت هذه الخلايا تتمتع بمركز القيادة، بينما تعتبر باقي الخلايا تحت حكم الأولى. الخلية العصبية تمتاز بشكلها الساحر المعقد والذي يشبه الأخطبوط بأرجله، أو الشجرة كثيرة الأغصان التي لا تحمل أوراقا، حيث إن الخلية العصبية تتخذ من ناحية شكلها الجسمي شكلا كرويا أو مغزليا أو نجميا أو بيضيا، ومن هذا الجسم تخرج من طرفه استطالات كأغصان الأشجار، ومن الطرف الآخر يخرج ما يشبه جذع الشجرة، أي محور غليظ طويل ولقد سميت الأغصان أو الاستطالات بالاستطالات الهيولية، وسمي الجذع بالمحور الأسطواني. والسؤال الذي يهمنا في هذا الصدد هو: ما هو السر الذي يكمن في هذه الخلية حتى تكون مقرا للإدراك والتفكير والمحاكمة والتصور والخيال والإبداع والذكاء والإرادة والشخصية، وهي خلية كباقي خلايا الجسم تتغذى بنفس المواد وتتفاعل كما يتفاعل باقي الخلايا ولها نفس التركيب الداخلي، أي هيولي خلوية ونواة وكروموسومات؟ فأي سر عجيب تحتويه هذه الخلية السمعية البصيرة الناطقة المفكرة؟ إن الطب بالطبع لا يجيبنا عن هذا السؤال، ولكن مع المستقبل قد نكشف له أسرارها.

 

مادة رمادية

إن الخلية العصبية لها لون رمادي، ولذا تعطي المناطق التي تقطن فيها اللون الرمادي، وهو ما نشاهده في الطبقة السطحية القشرية الخارجية للمخ والمخيخ، حيث تجتمع الخلايا العصبية، بينما هي في النخاع داخله في المركز، أي بعكس توزع الخلايا في المخ، وهي تبلغ في تعدادها رقما خياليا إلى مائة مليار خلية عصبية. ولنتصور الآن ترابط هذه الخلايا كلها دفعة واحدة في العمل، من أجل المحافظة على سلامة الكينونة الإنسانية، أن هذه الخلايا العصبية تقوم بعمل مدهش فذ وبشكل متناسق ومتكامل وموحد، حتى أن العالم «جودسون هريك» ألقى محاضرة، في معهد التاريخ بنيويورك، في دجنبر عام 1957، أراد أن يعطي تشبيها للدماغ فقال لو إننا جمعنا كل أجهزة العالم من التلفون والتلغراف والرادار والتلفزيون، ثم حاولنا أن نصغر هذه الكومة الهائلة من الأجهزة المعقدة، حتى استطعنا وبمجهود جبار أن نوصلها إلى مثل حجم الدماغ، فإنها لا تبلغ في تعقيدها مثل الدماغ.. وصدق، لأن الدماغ بلغ من التعقيد حدا يعجز الدماغ عن فهمه! وأكثر من ذلك ليس هو الرقم، بل التشابك والترابط، فالرقم حينئذ يقفز إلى رقم هو أكبر من كل جزيئات الكون، أي ما فوق الجوجول الذي يتعامل به الناس اليوم في عالم النت، أي عشرة مرفوعة إلى مائة، مع العلم أن كل جزيئات الكون هي في حدود عشرة مرفوعة إلى قوة 83.

إن الخلية العصبية لا تعمل بشكل مفرد، بل تتعاون مع باقي الخلايا، والفضل في هذا يعود إلى تفصل الخلايا مع بعضها البعض، وذلك عن طريق هذه الشبكة الهائلة من الاستطالات الهيولية، حتى لقد وجد أن بعض الخلايا متصل بما يقرب من 1800 خلية أخرى وفي المخيخ إلى أكثر من 200 ألف ارتباط، وهكذا نصل إلى شيئين، ذلك الترابط الوثيق بين الخلايا العصبية، والثاني عدد الممرات التي يمكن أن تنشأ من خلال هذا الترابط الهائل، وخاصة بين 100 ألف مليون خلية عصبية.

والخلية العصبية كما قال جون بفاير في كتابه «العقل البشري»: «هي عبارة عن سلك حي يولد وينقل نبضات كهربائية سريعة، إنها تحتفظ بنفسها مشحونة وجاهزة للعمل بمساعدة بطارية في داخلها تعمل بواسطة خليط من الأكسجين والسكر وتشحن أوتوماتيكيا وهي تدور، أي أنها ترسل ما يقرب من بضع مئات من النبضات في الثانية حينما تصل إليها نبضات غامزة من أعضاء الحس، أو من خلايا عصبية أخرى.. وتقوم ألياف الاستقبال للخلية الواحدة باتصالات دقيقة بألياف الإرسال لحوالي خمسين خلية عصبية أخرى، وهكذا تنقل الإشارات من خلية إلى أخرى، وهي تمر داخل الجهاز العصبي».

 

نافذة:

تتكون الجملة العصبية من اجتماع عدة عناصر تتعاون في ما بين بعضها البعض كما أنها تتعاون من جهة أخرى مع باقي غدد الجسم وأخلاطه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى