حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفنفسحة الصيف

 الرادار.. ودرس صغير من طائر الخفاش

تلك الاختراعات التي نحيا بها

راودت الإنسان منذ القديم فكرة محاولة الكشف عن وجود الأشياء ورصدها واستطلاعها من مسافة بعيدة، وكانت دائما فكرة ما يسمى الآن بالرادار مستوحاة من نظام التعقب بالصدى الذي تستخدمه الخفافيش في الطيران في جنح الظلام، الذي أطلق عليه في ما بعد اسم الرادار الطبيعي.

لقد لاحظ الإنسان أن هذه الحيوانات التي ظلت منذ زمن بعيد مثار استغراب وخوف لدى البشر تمتلك بشكل طبيعي نظام رادار متطور تستطيع من خلاله أن تبصر في الظلام ليس بواسطة عينيها كما هو مألوف في غيرها من الحيوانات ولكن بأذنيها. فهي ترسل موجات فوق صوتية وتستقبل صداها، ما يمكنها من تحديد الأهداف من حولها والطيران في الكهوف الأكثر عتمة، وتتبع حركات الحشرات واصطيادها في سرب من الخفافيش التي تطير معا دون حدوث أي اصطدام بينها.

ويكمن أساس هذا النظام المعقد في أذن الخفاش التي تمتلك قدرة فائقة في استقبال الموجات المرتدة وإيصالها مباشرة إلى الدماغ لتكون فورا صورة عن العالم المحيط بها وتحديد وتتبع أهدافها بسهولة. استطاعت فكرة الرادار أن تنبثق من هذه الملاحظة الأولى والمبكرة لدى الكثير من العلماء والمخترعين عبر مراحل متعددة.

ومن أهم المحاولات التي سارت في هذا الاتجاه ما قام به المهندس الألماني Christien Hulsmeyer سنة 1904 حيث استطاع التوصل إلى تحديد وجود الأشياء على مسافة محددة وسجل براءة اختراعه. لكن المخترع العبقري الصربي نيكولا تيسلا كان أول من وضع طريقة استخدام نظام الترددات للكشف عن وجود السيارات وتحديد مساراتها ومراقبة سيرها. ثم توالت اختراعات كثيرة من قبل الفرنسي Emile Girardeau سنة 1934 والأمريكي Robert Page والمهندس الروسي Oschepko.

 

واطسون وات والنسخة المتكاملة للرادار

 

كان الأسكتلندي روبرت واطسون وات (1892-1973) Robert Watson Wat الذي كان يعمل في المكتب البريطاني للأرصاد الجوية المكلفة بتتبع أحوال الطقس والتنبؤ بتقلباته وتغيراته، هو من استطاع في البداية منذ سنة 1917 أن يصمم أجهزة مبتكرة تساعد في تحديد مواقع العواصف الرعدية وتغير الأحوال الجوية.

وتم تعيينه في ما بعد مديرا للبحوث المتعلقة بأشعة الراديو في المختبر الفيزيائي الوطني البريطاني حيث تمكن من اختراع نظام متطور لما سمي بالرادار قادر على تحديد موقع الطائرات والحصول على براءة اختراعه الذي يعتبر النسخة المتكاملة للرادار في شكله الحالي سنة 1935 وعرضه على وزارة الطيران البريطانية التي أعجبت كثيرا باختراعه وجعلته سلاحا سريا سيضمن لها التفوق في حروبها المقبلة.

كانت أوروبا تعيش أجواء ما قبل الحرب العالمية الثانية وكان الصراع على أشده بين ألمانيا النازية ودول الحلفاء وكان كل واحد من الأطراف يعد نفسه للحرب الوشيكة والعلماء في كلا الجانبين منهمكون في أبحاثهم التي يأملون من خلالها التوصل إلى أسلحة فتاكة تضمن لهم النصر، ومن بينها الشائعة التي كانت رائجة عما كان يسمى بشعاع الموت الألماني التي كانت محض خيال علمي أو فكرة مسبقة عن أشعة الليزر التي سوف تستكشف فيما بعد، لكنها كانت تثير الكثير من القلق لدى الدوائر الحكومية لدى دول الحلفاء.

لذلك، جعلت بريطانيا اختراع الرادار سرا من أسرار الدولة واعتبرته جزءا أساسيا في منظومة الدفاع البريطانية التي تبين لها من خلال وقائع الحرب العالمية الثانية أنه قد حماها من الهجمات المكثفة للطيران النازي على الجزر البريطانية.

 

 الرادار من الجانب العسكري إلى السلمي

 

ولد العالم روبرت واطسون وات في مدينة “بريشين” بأسكتلندا، وتخرج من جامعة “سانت أندروز”. عمل مهندس إلكترونيات وكان مخترعا متميزا ففي سنة 1919 اخترع شكلا أوليا لجهاز لاسلكي لتحديد الاتجاه عندما كان يعمل في مكتب الأحوال الجوية البريطاني، وساعد أثناءها في تطوير الرادار كما هو معروف بشكله الحالي.

وفي سنة 1935 سجل روبرت واطسون وات براءة اختراع الرادار الذي بإمكانه الكشف وتتبع طائرة في الجو على مسافة بعيدة وبذلك كان هذا الرادار يستخدم بالدرجة الأولى لأغراض عسكرية واضحة. فالرادار نظام يستعين بموجات كهرومغناطيسية للتعرف على بعد وارتفاع واتجاه وسرعة الأجسام الثابتة والمتحركة كالطائرات، والسفن، والعربات، وحالة الطقس، وشكل التضاريس من جبال وتلال ومنخفضات .

وتتمثل فكرة عمل الرادار في أن جهاز الإرسال يبعث موجات لاسلكية تنعكس بواسطة الهدف فيتعرف عليها جهاز الاستقبال من خلال شاشة تسجل حركة الهدف أو ثباته والاتجاه الذي يتخذه في مساره، وإذا كانت الموجات المرتدة إلى المُستقبل ضعيفة، فإن جهاز الاستقبال يعمل على تضخيم تلك الموجات مما يسهل عملية تمييز الموجات المرسلة عن بقية الموجات الأخرى كالموجات الصوتية أو الضوئية. أصبحت تقنية الرادار منذ اختراعها الأول والتطوير الذي خضعت له على يد مخترعين آخرين، أن تتحول على مدار السنين إلى تكنولوجيا مهمة جدا في مجال الاستشعار عن بعد وشكل من أشكال المراقبة على المدى البعيد.

إضافة إلى ذلك الجانب العسكري المهم للرادار فإن استخداماته اليوم متعددة ويكاد لا يستغني عنه الإنسان، له استعمال كبير في مجال الأرصاد الجوية لمعرفة حجم تشكل السحب واتجاهاتها لتحديد موعد هطول الأمطار وكمية التساقطات المرتقبة، والمراقبة الجوية حيث يعمل المراقبون على تتبع مسار الطائرات ومدى تقيد ربابنتها بهذه المسارات، تجنبا لأي حوادث اصطدام خطيرة بين العدد الهائل من الطائرات المحلقة في السماء.

والآن هناك أشهر وظائف الرادار التي تتمثل في مراقبة الطرق من قبل الشرطة وأجهزة الأمن للكشف عن السرعة الزائدة للسيارات حفاظا على السلامة الطرقية وتجنبا لحوادث السير، حيث أصبح الرادار اليوم أمرا مألوفا ومعتادا في حياتنا المعاصرة. لكن في الأصل لم يكن الرادار في البدء سوى درس صغير من طائر الخفاش.

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى