طارق نجل عبد الله إبراهيم: والدي حافظ على روح الدعابة إلى آخر رمق في حياته
أولاد خدام الدولة

اجتمع في عبد الله إبراهيم ما تفرق في غيره، فهو معلم وأديب ومفكر وسياسي مغربي ذو ثقافة عالية. ولد بمدينة مراكش يوم 24 غشت عام 1918 بحي المواسين درب حمان، لأسرة من الشرفاء الأدارسة. كان أبوه يشتغل في تجارة الجلود.
عبد الله إبراهيم.. المعلم الذي أصبح رئيسا للوزراء
كباقي أقرانه في تلك الفترة، فقد دشن عبد الله مساره التعليمي بالمسيد حيث القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة الباشا الكلاوي، مع حرصه على تعلم اللغة الإنجليزية بواسطة تاجر بريطاني في حي المواسين مسقط رأسه.
التحق بجامعة ابن يوسف العتيقة بمراكش، والتي تخرج منها عدد من قادة الحركة الوطنية، كمحمد البصري، ومحمد بن سعيد أيت إيدر، وعبد السلام الجبلي، وأسماء أخرى يضيق المجال لسردها. من هذه الجامعة سينال عبد الله شهادة العالمية.
عانى من مضايقات الباشا الكلاوي من أذناب المستعمر الفرنسي، حيث تعرض للاعتقال والنفي والتضييق.
هاجر عبد الله إبراهيم إلى فرنسا وانضم لجامعة السوربون لدارسة الآداب والتاريخ والاقتصاد، هناك سينشط على المستوى الطلابي وسيعمل على تأطير العمال المغاربة المهاجرين داخل تنظيم حزب الاستقلال.
حين عاد إلى المغرب أسندت له قيادة الحزب رئاسة تحرير جريدة “العلم”، علما أنه كان من الموقعين على وثيقة 11يناير 1944 للمطالبة بالاستقلال.
بعد استقلال المغرب، انضم عبد الله لأول حكومة مغربية سنة 1955، في منصب كاتب للدولة مكلفا بالأنباء وأول ناطق رسمي للحكومة، وفي النسخة الثانية من حكومة امبارك لهبيل سيعين وزيرا للشغل والشؤون الاجتماعية، قبل أن يعين في دجنبر 1958 رئيسا للحكومة.
وخلال فترة قيادته للحكومة، باشر الرجل ما أسماه بالاستقلال الوطني، منها استبدال عملة الفرنك بالدرهم، وتم تم إنشاء مصفاة البترول بالمحمدية وتأسيس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وغيرها من المشاريع.
وفي 23 ماي سنة 1960 أنهى محمد الخامس مهام حكومته، وتولى الملك شخصيا رئاسة الحكومة بمساعدة ولي عهد آنذاك الأمير مولاي الحسن.
في مؤلفها “عبد الله إبراهيم: تاريخ الفرص الضائعة” تصف الصحافية زكية داوود هذا الرجل، بـ”أيقونة النضال السياسي”. معتبرة أن الظرفية السياسية لم تسعفه لانتشال البلاد من أزماتها.
بعد أن بلغ من الكبر عتيا، انكب عبد الله إبراهيم على الكتابة والقراءة، وحين علم الملك محمد السادس، عن طريق أحد مستشاريه، بوجود عبد الله على فراش المرض، كلف أحد المقربين من البلاط بتفقد أوضاعه الصحية ومساعدته على تجاوز محنته، خاصة وأن الأمر يتعلق برجل دولة سابق كان رئيسا للحكومة مع بداية الاستقلال.
يحكي عبد اللطيف جبرو عن هذه الواقعة: ” أمر جلالته بوجوب الاهتمام بالحالة الصحية لمولاي عبد الله وأعطى تعليمات دقيقة وواضحة في الموضوع وكلف بذلك رشدي الشرايبي”.
اعتزل عبد الله إبراهيم السياسة وعاش آخر أيامه يداري المرض بالمطالعة وسماع الموسيقى الكلاسيكية، إلى غاية 11 شتنبر 2005 حيث لقي ربه ودفن بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء.
عبد الله إبراهيم يختار زوجته في حملة محو الأمية
رافقته في رحلة الاعتزال زوجته التي التقاها خلال قيامهما معا بحملة لمحو الأمية على مستوى مدينة مراكش، وحين تعرف عبد الله على والدها، وهو أحد الوطنيين المشهود لهم بالنضال ضد المستعمر، قرر الزواج والقرب من هذه العائلة المكافحة خاصة وأن زوجة المستقبل تتقاسم معه نفس الهموم، وحين أعلنا زواجهما حضر نفر كبير من أفراد الحركة الوطنية وباركوا هذا الارتباط النضالي.
“كان والدي، رحمه الله، يحثها دائما على أن تكون لها مواقفها المستقلة من كل القضايا السياسية والاجتماعية المطروحة آنذاك، كما كان يشجعها على أن تبلور مواقفها وتعبر عنها من خلال مقالات في بعض الصحف، وبالمناسبة فإنني لازلت أحتفظ ببعض الرسائل التي كان يكتبها لها من داخل السجن، والتي تتضمن مشاعر قوية. لكنها كانت كذلك عبارة عن دروس في التاريخ والوطنية والسياسة”. يقول الابن طارق الذي فكر في نشر هذه الرسائل في كتاب.
عبد الله يختار “طارق” اسما لابنه تيمنا بطارق بن زياد
قال طارق نجل عبد الله إبراهيم، وقد أطلق عليه اسم طارق تيمنا بالقائد طارق بن زياد، كان والده يعامل أبناءه على قدم المساواة، موضحا أن الوالد ظل متتبعا لما يجري داخل الساحة السياسية إلى آخر يوم في حياته. “وقد كانت له مواقف جد إيجابية من السياسة بشكل عام، بحيث كان يقول لنا دائما: إذا لم تكن تمارس العمل السياسي فهو يمارس عليك”.
وأضاف: “كانت لوالدي مواقفه الخاصة من الحياة السياسية والمشاركة فيها، وقد كان دائما يعبر عنها بوضوح وشفافية، لكن ذلك لم يمنعه من أن ظل متتبعا لما يجري وحاضرا بقوة إلى آخر دقيقة من حياته، بل أكثر من ذلك فهو لم يكن يكتفي بالتحليل فقط، بل كان يساهم في طرح حلول بديلة كلما دخلت الحياة السياسية في بعض المنزلقات، أو وصلت إلى طريق مسدود”.
غضب ابنه طارق من بعض الحوارات التي أجريت مع والده وهو على فراش المرض، تضمنت بعض المواقف، “لقد عبرت عن موقفي في بعض الصحف، وقلت إن هناك أشياء صحيحة وأخرى مغلوطة. لقد كان والدي تحت تأثير بعض الأدوية التي كان يتناولها، وليس بهذا الشكل نكافئ مناضلا”، يضف طارق تصرفات بعض الصحافيين.
في حوار سابق مع جريدة “المساء” كشف طارق عن بعض تفاصيل حياة رئيس الحكومة السابق، خاصة في أيامه الأخيرة:
“رغم اعتزال والدي للعمل السياسي، فإنه ظل وفيا لمبادئه الوطنية الصادقة ومتتبعا لما يجري من حوله من قضايا وأحداث فكرية وسياسية، لكن كل هذه الانشغالات لم تبعده عنا نحن أبناؤه، سواء من صلبه أو من طلبته، ولم تنسه حبه الموسيقى الكلاسيكية والغربية، ولم تقتل بداخله روح الدعابة إلى درجة أنه ظل حتى آخر أيام حياته لا يتوانى عن إضحاك من هم حوله”.
ويضيف طارق متوغلا في شخصية والده: “أثناء أسفارنا لم يكن يفوت فرصة إلا وأعطانا لمحة عن تاريخ المنطقة التي نتواجد فيها، وكمثال على ذلك فخلال زيارتنا لمدينة غرناطة حدثنا عن حكم المسلمين في الأندلس وسقوط هذه الإمارة. لقد كان يرفض أن نبقى مكتوفي الأيدي دون أن نفعل شيئا، وكان يحثنا على استغلال كل دقيقة للقيام بعمل مفيد”.
حين قررت مجموعة من الشخصيات البارزة، سنة 2016 بمدينة مراكش، تأسيس مؤسسة جديدة تحمل اسم الراحل عبد الله ابراهيم، الزعيم التاريخي، وقع الاختيار على سياسين بارزين للانضمام للمؤسسة، أمثال: امحمد بوستة، وامحمد الخليفة، ومحمد بنسعيد آيت يدر، ومولاي عبد السلام الجبلي، والحبيب بنموح، وعدد مهم من النخب المراكشية، كما تقرر أن تسند رئاسة هذه المؤسسة التي ستحمل اسم “مؤسسة عبد الله ابراهيم للثقافة”، الى ابن الراحل، طارق ابراهيم. علما أنه في سنة 2006 أعلن عن تأسيس مؤسسة عبد الله إبراهيم للفكر والثقافة والسياسة في الرباط.





