
من أكثر ما يهدد بموت ما تبقى من السياسية بالمغرب، الشعبوية القاتلة ودغدغة العواطف وتوزيع الوعود المعسولة دون أدنى مؤشرات حول إمكانية تنزيلها على أرض الواقع، وخداع الضمير الذي يمارسه جلنا بالصياح والعويل اليومي حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي السياسي الذي نعيشه، وبعدها نعود إلى منطقة الراحة والنوم، وانتظار ذاك المنقذ الخارق الذي لن يأتي أبدا ليحل لنا مشاكلنا التي نتخبط فيها من فشل التربية والتعليم وانتشار البطالة والعنف والسرقة وتراجع نسبة الزواج، والتحولات المجتمعية المتسارعة التي أصبحنا نكتفي بمراقبتها ونقرأ اللطيف دون دعم والمشاركة في بناء استراتيجية واضحة لمواكبتها والتحكم نسبيا في حاضرنا ومستقبلنا.
إن مستوى الخطاب السياسي للأحزاب، يمنح مؤشرات واضحة حول مدى قدرة الأخيرة على التأطير والاستقطاب وتشجيع الشباب على الانخراط في العملية السياسية، لأنه بدون نجاح في التسليم الآمن للمشعل لجيل المستقبل، لا يمكن تحقيق الاستقرار المنشود ولا تطوير العملية السياسية لتصبح منتجة وتساهم في التنمية، عوض المسخ السياسي الذي نعيشه في حاضرنا ويريد البعض التغطية عليه بهرطقات ومبررات فارغة والنزول بالخطاب السياسي إلى الحضيض.
لو كُتب للقيادات الحزبية المغربية التي قامت بتأسيس أحزاب تاريخية، وانتقلت إلى رحمة الله، العودة مرة أخرى لتأسفت وفزعت من حال الخطاب الحزبي اليوم ونزوله إلى قاع بدون قرار، وتيه أشباه القيادات الذين يفترض فيهم حمل صفة رجال الدولة وهم أبعد من ذلك في ساحات المعارك الخطأ، في حين نتابع كيف تصنع الشعوب الأخرى أمجادا بالاستغلال الذكي لأزمات العالم وحروبه الطاحنة حول المصالح ولاشيء غيرها، عوض البكاء على تبعات الأزمنة الرديئة التي تساهم جل القيادات الحزبية لدينا في جرنا لنعيشها رغما علينا بممارسة الشعبوية القاتلة وحرق الحقل السياسي بتمييع كل قرار جدي استراتيجي.
من أولى الأولويات في التحديات المطروحة الآن أمام المغاربة جميعهم في الداخل والخارج، استثمار النجاح الدبلوماسي بقيادة الملك محمد السادس، في نقل ملف الصحراء من مرحلة الدفاع إلى المبادرة، والدفع في اتجاه إنهاء النزاع المفتعل في أقرب الآجال الممكنة، بتنزيل قرار الولايات المتحدة الأمريكية فتح حوار جدي على أساس الحكم الذاتي كحل وحيد لملف الصحراء المفتعل تحت السيادة المغربية.
إن القيادات الحزبية التي لا تواكب رؤية المملكة لمغرب 2030، لا تصلح لشيء سوى فرملة التنمية وتضييع المزيد من الوقت بممارسة الشعبوية التي تعتبر من المهدئات الخطيرة وتشكل غشاوة أمام رؤية المشاكل الحقيقية، حيث تستمر التراكمات دون حلول، ويرتفع مع ذلك ضغط الملفات الاجتماعية الذي ينذر بالانفجار، وهو الشيء الذي تخطط له أجندات خارجية باحترافية عالية وسياسة الفوضى المصطنعة التي تتم إدارتها عن بُعد.
يقول المثل العربي “ما حك لك جلدك مثل ظفرك”، والعالم المتوحش اليوم يجري خلف المصالح الكبرى ولاشيء غيرها، حيث يتم تسخير كل آليات الضغط وتجييش العواطف والإدارة عن بُعد بواسطة دراسات علمية دقيقة لتفكير الشعوب وتخديرها بالشعارات الفارغة وتكريس عقلية القطيع وصنع وتوجيه الزعامة نهو الهاوية ليهلك كل من يسير خلفها.
كل من تابع عن قرب المشاريع الملكية الكبرى، التي انطلقت قبل سنوات طويلة، لاحظ الهجوم الذي كانت تتعرض له من الداخل والخارج لضخامة التمويل والتشكيك في تحقيق الأهداف، وعند جني الثمار الآن ومازال الخير في المستقبل، الكل غير زاوية النظر لأن لغة الأرقام عصية على التكذيب، فهل تستوعب القيادات الحزبية أن استراتيجية الدولة لا تبنى على العواطف ولا الانفعالات اللحظية ولا دغدغة المشاعر ولا الشعبوية القاتلة، بل على الدراسة العلمية المتأنية للحاضر والمستقبل وامتلاك المعلومة الصحيحة، لأن من يمتلك المعلومة يسهل عليه اتخاذ القرار الصائب، وتكون زاوية النظر أمامه واسعة بالقدر الذي يعفيه من السقوط في مطب خدمة أجندات غيره سواء جهل ذلك أو علمه تبقى النتيجة واحدة، والمملكة المغربية بقدر عملنا جميعا خلف الملك محمد السادس لتكون قوية داخليا في جميع المجالات بدون استثناء تكون قوة تأثيرها في القرارات الدولية ويرتفع وزن انتقادها أو دعمها أو معارضتها لهذه القرارات لأن كل شيء في الأخير يخضع لموازين القوى.