
على الرغم من الجرائم البشعة والحوادث الخطيرة التي تقع بسبب الأمراض النفسية والعقلية بالمغرب، إلا أن الحكومات المتعاقبة ما زالت بعيدة جدا عن استراتيجية واضحة لمعالجة الملف، كما أن جل المؤسسات الأخرى المعنية تتعامل معه بواسطة تدابير ترقيعية، وأخرى تقنية في شقها الأمني الذي يتمثل في التفاعل مع الشكايات ومطالب النجاعة والسرعة، أو معالجة النتائج باعتقال الجناة ودفن الضحايا وينتهي الأمر.
يقول المختصون إن عدم الاهتمام بالصحة النفسية للمغاربة له تداعيات كارثية على مستوى الإنتاج والمساهمة في التنمية، ويخفض من نسبة الثقة والسعادة، ويؤثر سلبا في المحيط العائلي والاجتماعي، كما يستحيل معه بناء أجيال متوازنة نفسيا تحمي مستقبلها ومستقبل البلاد، علما أن إهمال علاج الأمراض النفسية وعدم الوعي بها يمكن أن يؤدي مباشرة إلى اختلالات عقلية خطيرة.
في كل أعطاب المجتمع، يجب التصرف على أساس الاستباقية وليس معالجة النتائج، والصحة النفسية والعقلية بالمغرب ليست بخير بشهادة المواطنين والمؤسسات الرسمية والإحصائيات والمعطيات الميدانية والتقارير الإعلامية التي دقت ناقوس الخطر بشكل مكثف، لكن لا أثر لحد الآن لتحرك القطاعات الحكومية وفق الجدية المطلوبة، من أجل تجويد الخدمات المرتبطة بالصحة النفسية، وتوسيع الطاقة الاستيعابية بالمؤسسات الاستشفائية، وتوفير الأدوية، والتوعية والتحسيس بكيفية التعامل مع الأمراض النفسية، التي أصبحت في تناسل، بسبب التحولات المجتمعية والمخدرات القوية وضغوطات العصر.
ومع اقتراب المونديال وتطلعات المغاربة بقيادة ملكهم لمغرب ما بعد 2030، يجب على كافة المؤسسات المعنية، التحرك لمعالجة مشكل انتشار المرضى العقليين بالشوارع، والخطر الحقيقي الذي يشكلونه على حياة وسلامة المواطنين، ووقف تصديرهم من مدينة إلى أخرى بواسطة السيارات والشاحنات عند كل موسم صيفي، أو زيارة ملكية، والمحاسبة في إهمال شكايات الحالات الخطيرة، والعمل على الحد من خطر بعض المرضى على أنفسهم والمجتمع بصفة عامة.
لا يخفى على أحد كيف تعيش عائلات الرعب اليومي مع أبنائها المصابين بأمراض عقلية، وتقييدهم بالسلاسل والتعامل مع تصرفاتهم الخطيرة، دون دعم من الجهات المعنية، كما تؤكد الإحصائيات وقوع جرائم خطيرة، بسبب الأمراض العقلية والنفسية، وهو الشيء الذي يجب التوقف عنده مليا، لإطلاق مشاريع إصلاح للقطاع الصحي النفسي، وفق استراتيجية تراعي المعطيات الميدانية، دون تقاذف للمسؤوليات والاستمرار في معالجة النتائج فقط، مع ما يشكله ذلك من صدمات نفسية للمجتمع بشكل عام، وفقدان الثقة وزرع الخوف في النفوس، وتدني نسبة الإحساس بالأمن والأمان.
عندما تقع جرائم مرعبة مرتبطة بالأمراض العقلية، يظهر جدل مدى التفاعل مع الشكايات من قبل كافة المؤسسات المعنية، وسؤال خروج المرضى من المراكز الاستشفائية، رغم استمرار خطرهم، وقيام المسؤولين بتصدير الأزمة وتبادل جحافل المرضى العقليين، وذلك وسط تقاذف المسؤوليات وإرجاع كل شيء إلى القضاء والقدر، لينام ضمير المسؤولين في المؤسسات المعنية ويستفيق على جرائم أخرى أكثر رعبا للأسف.
نحتاج الآن وليس غدا إلى الشروع في إصلاحات عميقة لقطاع الصحة النفسية والعقلية للمغاربة، لأن الأمر لا يتعلق بترف زائد أو علاجات تحتاجها الطبقات البورجوازية فقط، بل الأمر أصبح يهدد حياة وسلامة المواطنين ويزرع الرعب وسط المجتمع، والمواطن إذا لم يحس بالأمن والأمان فإن كل الخدمات العمومية الأخرى مهما كانت جودتها لا تعوضه عن ذلك، فهل تُقدر كافة القطاعات الحكومية الموضوع الحساس جدا حق قدره، أم تستمر في التدابير الترقيعية وتقاذف المسؤوليات، بينما النتائج الكارثية تزداد تعقيدا وكرة الثلج تتدحرج ويكبر خطرها على الجميع؟