شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الصناعات الثقافية والإبداعية 

يسرا طارق

مقالات ذات صلة

 

لا أعرف هل من حقنا في المغرب أن نتحدث عن صناعة ثقافية وإبداعية، علما أن هذا المفهوم ظهر أولا في الفكر النقدي لمدرسة فرانكفورت، التي هاجمت بعنف تسلل الجشع الرأسمالي للمجال الثقافي وهيمنته عليه، مولدا ظواهر ثقافية لم تعشها البشرية من قبل: ثقافة الحشود، الاستنساخ الآلي للأعمال الفنية الذي أفقدها هالتها وغموضها، تحول الأعمال الفنية والثقافية من إنتاج المعنى والتوعية إلى إنتاج الفرجة الفارغة، وإخراج الأعمال الفنية من حياة الناس، من الشوارع والساحات والأماكن العمومية، وسجنها في المتاحف وقاعات العرض والبيع، وإجبار الناس على الأداء لرؤيتها، وأخيرا سيطرة آليات تسليع الإنتاجات الثقافية وإخضاعها لمنطق الاستهلاك، وبدل أن تخدم المجتمع وقوى التغيير، كما كانت في السابق، صارت تخدم مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال الذين لا ترى أعينهم من الأعمال التي يمولون إنتاجها، إلا مفعولها على أرصدتهم البنكية.

لم نخرج بعد، نحن في المغرب، إلى عالم الصناعات الثقافية والإبداعية التي كان ينظر إليها في الغرب، وحتى حدود منتصف القرن الماضي، على أنها خارج الحقل الاقتصادي.. لكن، وشيئا فشيئا، صارت قطاعا اقتصاديا مزدهرا شكل في إنجلترا، مثلا، ثالث قطاع بعد القطاعين الصناعي والمالي.

تقوم الصناعات الثقافية بالأنشطة الإبداعية التي تغطيها، من السينما والمسرح والرسم والكتاب إلى الطبخ والموضة والديكور، وصولا حتى ألعاب الفيديو، على الإبداع، والخطر في استثماراتها كبير جدا، لأن المردود غير مضمون، فلا أحد يضمن نجاح فيلم أو رواية أو مسرحية، مهما بذل فيها من مال وجهد، وبما أن الاستثمارات في الصناعات الثقافية في الدول المتقدمة تقوم على المخاطرة والاحتكام للسوق وذائقة المستهلك، فإنها مضطرة دوما لأن تجدد نفسها وتكشف دروبا جديدة لم يصل أحد إليها من قبل، إنه عالم محموم، الكل فيه يجري ويسابق الآخرين، ولا علاقة له بعالمنا الراكد والبليد، الذي تؤسس فيه شركات الصناعات الثقافية والإبداعية، وتنتظر منح الدولة في السينما والمسرح والإنتاج التلفزيوني والكتاب.. لا نتوفر على صناعات ثقافية لأننا لا نخاطر بأموالنا، وإنما بأموال دافعي الضرائب، ولا ننتظر حكم السوق لأن الربح مضمون، ولا نحس بأننا مجبرون على الإبداع والتجديد، فالحبة والبارود من دار القايد. وبما أن شركات بعينها تحتكر ما يسمى عندنا، زورا وبهتانا، بالصناعات الثقافية، ينبغي أن لا نستغرب ونحن نسمع الشركات نفسها ونرى الوجوه ذاتها، ونتفرج في العمل نفسه بالسيناريو عينه، كأن الزمن لا يتحرك، وكأن لا شيء يقع في البلد.. الريع لا يخلق إبداعا، ولا يعول عليه نهائيا في تجديد أو توعية، الريع، عوض أن يخلق صناعات ثقافية وإبداعية، يؤبد ثقافة اتكالية تقوم على الشللية وعطيني نعطيك، ويحول المجال إلى مستنقع تنق فيه الضفادع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى