شوف تشوف

اقتصادالرئيسيةخاصسياسية

الطاقة الكهربائية.. من الاستهلاك إلى الإنتاج والبيع

تفاصيل مشروع قانون يسمح للمغاربة بإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية

تمكين الأفراد والجهات الخاصة من توليد الكهرباء للاستهلاك أو بيعها للمقاولات

مقالات ذات صلة

إعداد: النعمان اليعلاوي

يشهد المغرب لحظة فارقة في تاريخه الطاقي مع اقتراب دخول مراسيم تنفيذية جديدة حيز التنفيذ، تكمل قانون 82-21، الذي وضع اللبنات الأولى لنظام إنتاج ذاتي للكهرباء متحرر من القيود والإجراءات المعقدة.

هذه النصوص القانونية المنتظرة خلال أسابيع قليلة، لا تمثل مجرد تحديث تشريعي، بل ثورة في علاقة المواطن المغربي بمصادر الطاقة، حيث تمنحه ولأول مرة إمكانية إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بشكل قانوني، وبيع فائضها بدون الحاجة إلى وساطات، أو إجراءات بيروقراطية خانقة.

فما هو الإطار القانوني لهذا التحول؟ وما الذي تغير فعليا؟ وما هي الأبواب التي سيفتحها هذا النص في سوق الطاقة والاقتصاد الأخضر المغربي؟

 

تحرير إنتاج الكهرباء.. نحو الانفتاح ضد الاحتكار

لعقود طويلة، ظل إنتاج الكهرباء في المغرب حكرا على الدولة أو الشركات المُفوَّضة الكبرى، في إطار نموذج مركزي يعتمد على الإنتاج الجماعي من خلال محطات ضخمة، ثم توزيع الطاقة على المواطنين والمقاولات. هذا النموذج، رغم فاعليته النسبية، كان مكلفا، وغير مرن أمام الطلب المتزايد، ولا يعكس دينامية التطور التكنولوجي في مجال الطاقات المتجددة.

جاء القانون 82-21، المصادق عليه في 2022، ليكسر هذا الاحتكار جزئيا، معترفا لأول مرة بـ«الإنتاج الذاتي للكهرباء»، أي تمكين الأفراد والجهات الخاصة من توليد الكهرباء للاستهلاك الخاص. غير أن هذا القانون ظل حبيس الغموض التنفيذي، في غياب المراسيم التطبيقية التي تفصل في المساطر والشروط.

الآن، وبعد قرابة ثلاث سنوات من الانتظار والتشاور مع المهنيين، أصبحت هذه المراسيم جاهزة للنشر، حاملة معها تغييرات قانونية عميقة في علاقة المواطن بالشبكة الكهربائية الوطنية، وتشكل نقلة نوعية نحو نموذج لامركزي مرن ومستدام.

 

زاوية قانونية.. ما الذي يتيحه القانون الجديد؟

يُعتبر أهم ما يقدمه القانون 82-21، في صيغته المفعلة عبر المراسيم الجديدة، هو السماح للمغاربة بإنتاج الكهرباء من مصادر متجددة- خصوصا الطاقة الشمسية- واستهلاكها وبيع الفائض منها مباشرة، دون الحاجة إلى تقديم العرائض أو طلبات استثنائية كما كان سابقا.

ويُحدد القانون ثلاث فئات من المنتجين، بناء على سعة المنشأة، وهم المنتجون الذاتيون دون اتصال بالشبكة: ويكفيهم مجرد تصريح إلكتروني، دون أي ترخيص إداري، لتركيب أنظمة تصل إلى 11 كيلوواط، والمنتجون المرتبطون بالشبكة بين 11 كيلوواط و5 ميجاواط: يحتاجون إلى ترخيص من المكتب الوطني للكهرباء (ONEE) ، أو SRM، حسب نوع الجهد، والمنتجون فوق 5 ميجاواط يتطلب الأمر موافقة خاصة من وزارة الانتقال الطاقي.

هذه المستويات تعكس لأول مرة في التشريع المغربي التمييز بين الأفراد والمقاولات الكبرى، وتُبسّط الإجراءات بشكل يُسهل الولوج إلى هذا الحق القانوني، دون تعقيدات كانت تعيق في السابق أي رغبة لدى المواطن للاستثمار في الألواح الشمسية.

 

البيع بلا وساطة.. نهاية العوائق وبداية العقود الذكية

كان أحد أوجه القصور الكبرى في النظام السابق هو اشتراط تقديم عرائض أو عقود ثلاثية تضم المنتج، الموزع، والمستهلك النهائي، مما كان يفرمل أي محاولة بيع للفائض الكهربائي. بموجب المراسيم الجديدة، أصبح من الممكن بيع نسبة من الفائض تتجاوز 20 في المائة من الإنتاج في بعض الحالات، خصوصا للمقاولات والمؤسسات ذات الاستهلاك العالي، أو الملتزمة بالكفاءة الطاقية، والربط بشبكة الكهرباء وفق آليات تعاقدية مباشرة مع ONEE أوSRM، واستخدام عدادات ذكية تسجل الإنتاج والاستهلاك والفائض آنيا، وتحدد القيمة القابلة للبيع تلقائيا.

هذا يعني أن العملية أصبحت قانونية، مؤطرة بعقد واضح، ولا تتطلب تدخل سلطات متعددة أو موافقات استثنائية، بل تكفي منصة رقمية وآليات فنية بسيطة، ومؤشرات تقنية: ما الذي يحتاجه المواطن ليصبح منتجا؟

لكي يدخل المواطن المغربي تجربة الإنتاج الذاتي بشكل قانوني ومربح، يجب أن تتوفر لديه العناصر متمثلة في لوحات شمسية (فوتوفولطية) تناسب استهلاكه اليومي، بقدرة لا تتجاوز 11 كيلوواط في أغلب الحالات، وعداد ذكي، سيتم تعميمه وفق مرسوم خاص، لرصد الإنتاج بدقة، وبطارية تخزين (اختيارية)، أو عقد اشتراك مع خدمات تخزين الشبكة، بالإضافة إلى اتصال رقمي عبر منصة التصريح، لتسجيل المشروع وتحديد وضعيته القانونية، وعقد بيع فائض مع المشغل، في حال وجود فائض دوري يُراد بيعه.

وفي غضون ذلك، فإن التكلفة الإجمالية لهذه العملية ستنخفض تدريجيا مع دعم الدولة، وانتعاش السوق، وتزايد عدد الفاعلين، مما قد يجعل المشروع مربحا خلال أقل من 5 سنوات.

 

آثار مباشرة على الأسر والعالم القروي

يعد القانون الجديد المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية خطوة استراتيجية نحو تعزيز الاستقلال الطاقي في المغرب، سيما في المناطق القروية التي تعاني من ضعف التغطية الكهربائية، أو انقطاعات متكررة. هذا القانون يمنح الأسر والفلاحين في القرى فرصة حقيقية لتحسين حياتهم اليومية، والاستفادة من مصادر طاقة نظيفة ومستدامة.

في البوادي والقرى، يُمكن للفلاحين الآن تركيب ألواح شمسية لتلبية احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية، مثل تشغيل مضخات المياه لري محاصيلهم، أو تشغيل آلات صغيرة لتحويل المنتوجات الفلاحية. هذا الحل سيُسهم في تقليل اعتمادهم على مصادر طاقة تقليدية ومكلفة، ويمنحهم هامشا أكبر من الاستقلالية في تسيير مشاريعهم الفلاحية.

إلى جانب الاستخدام الذاتي، يسمح القانون الجديد للفلاحين والأسر ببيع الفائض الكهربائي المنتج إلى المراكز القروية المجاورة، مما يخلق فرصا إضافية للدخل ويحرك عجلة الاقتصاد المحلي.

مع التوجه المتزايد نحو الطاقة النظيفة، من المنتظر أن تستفيد الأسر القروية بشكل مباشر من انخفاض التكاليف التشغيلية، وتحسين ظروف العيش، وتقليل التلوث الناتج عن المولدات التقليدية. كما ستسهم هذه المبادرة في تحقيق العدالة المجالية، عبر تمكين القرى من الانخراط في التنمية المستدامة.

وبالإضافة إلى ما سبق، من المتوقع أن تستفيد هذه المشاريع من دعم صناديق الاستثمار في الطاقة الخضراء، سواء عبر منح أو تسهيلات قروض. هذا الأمر من شأنه أن يشجع الأسر على الاستثمار في ألواح الطاقة الشمسية، بما يضمن مردودية اقتصادية واجتماعية مهمة على المدى المتوسط والبعيد.

 

الإنتاج الذاتي للكهرباء.. آفاق اقتصادية وتنموية واعدة

يشهد المغرب اليوم تحولات مهمة على مستوى قطاع الطاقة، خاصة قرب تشريع القانون الجديد الخاص بإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ودخوله حيز التنفيذ. هذا القانون لا يمثل فقط خطوة نحو الاستقلال الطاقي وتقليل الانبعاثات البيئية، بل يفتح أيضا آفاقا واسعة أمام أنشطة اقتصادية جديدة، تخلق فرص عمل وتسهم في التنمية المستدامة.

ومع تبني نظام الإنتاج الذاتي للكهرباء، تظهر عدة قطاعات ناشئة مرتبطة بهذا المجال. أولا، تظهر الحاجة إلى شركات متخصصة في تركيب وصيانة الألواح الشمسية ومعدات الطاقة المتجددة، وهو ما يفتح المجال أمام المقاولات الصغيرة والمتوسطة لتقديم خدماتها في هذا المجال، بالإضافة إلى ذلك، تتشكل فرص جديدة أمام المقاولات الناشئة التي تركز على تصنيع معدات التخزين والربط الكهربائي، وهي تقنيات أساسية لضمان جودة واستمرارية الكهرباء المنتجة ذاتيا. هذا يشجع الابتكار المحلي، ويعزز بناء قدرات وطنية متقدمة في صناعة الطاقات المتجددة.

بالإضافة إلى ذلك فلتطوير هذا القطاع الحيوي، لا بد من تعزيز الموارد البشرية من خلال مراكز تدريب متخصصة تُخرج تقنيين معتمدين في الطاقات المتجددة، قادرين على تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية بكفاءة عالية. هذا الاستثمار في التعليم والتدريب يضمن جودة الخدمات المقدمة، ويساعد في خلق جيش من الخبراء والفنيين المؤهلين، مما يعزز مكانة المغرب كمركز إقليمي للطاقة النظيفة.

ومن جانب التمويل، ستفتح البنوك المغربية قنوات جديدة مخصصة لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية، سواء للمواطنين أو المقاولات الصغيرة والمتوسطة. هذا الدعم المالي أساسي لتجاوز الحاجز المادي أمام الاستثمار في الألواح الشمسية، ويشجع على تبني هذا الحل الطاقي المستدام على نطاق واسع.

وقدّر خبراء اقتصاديون أن هذا القطاع الواعد قد يخلق أكثر من 40 ألف وظيفة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، تغطي مجالات التركيب، الصيانة، التصنيع، التدريب، والخدمات المالية. هذا النمو المتوقع يعزز من دور الطاقة المتجددة كمحرك أساسي للاقتصاد الوطني، ويساهم بفعالية في تقليص العجز التجاري المغربي عبر الحد من استيراد الطاقة التقليدية.

ومن منظور تنموي، يمثل الإنتاج الذاتي للكهرباء خطوة محورية نحو تحقيق التنمية المستدامة، حيث يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويحد من الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى توفير طاقة نظيفة ومستقرة للمناطق الحضرية والقروية. هذا يعزز من السيادة الطاقية للمغرب، ويؤهل البلاد لتحقيق أهدافها الطموحة في مجال الطاقة الخضراء.

 

العدالة الطاقية.. من حق الامتياز إلى الحق الدستوري

من زاوية قانونية أعمق، يمكن اعتبار هذا التحول ترجمة حقيقية لمبدأ العدالة الطاقية، التي تضمن أن يكون الحق في إنتاج واستهلاك وبيع الطاقة مكفولا لجميع المواطنين، دون تمييز طبقي أو جغرافي.

كما يتماشى النص الجديد مع الالتزامات الدولية للمغرب في إطار اتفاق باريس للمناخ، وأهداف التنمية المستدامة (SDG 7)، وخاصة ضمان «طاقة نظيفة وميسورة التكلفة للجميع».

ورغم الترحيب الواسع بهذه المراسيم، إلا أن الإطار القانوني لن يكتمل إلا بإصدار مرسومين إضافيين، وهما مرسوم العدادات الذكية: لضمان الشفافية والرقابة، ومرسوم شهادات المنشأ: لإثبات أن الكهرباء المنتجة خضراء، وتفادي الرسوم الكربونية على المنتجات المغربية المصدرة، وهذان النصان لا يقلان أهمية عن سابقيهما، وسيحددان آليات التتبع والتحفيز المالي المرتبط بالإنتاج الذاتي.

ليس من المبالغة القول إن القانون الجديد والمراسيم المرافقة له تدشن عهدا جديدا في علاقة الدولة والمواطن بالطاقة.  فالتحول من «مستهلك» إلى «منتج» للطاقة، هو في جوهره تحول في العلاقة بالمؤسسات والاقتصاد والبيئة.

إنها لحظة تمكين ديمقراطي حقيقي، حيث تصبح الشمس مصدرا للسيادة والحرية، لا مجرد مورد طبيعي. ومع دخول هذه القوانين حيز التنفيذ، يمكن القول إن المغرب لم يعد فقط بلدا يطمح إلى الانتقال الطاقي، بل بات يملكه تشريعا ومؤسساتيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى