شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الغرق مع واجبات التنبر

 

مقالات ذات صلة

 

يونس جنوحي

 

الصور المتداولة هذه الأيام عن تداعيات الأمطار الأخيرة، وإغراقها للبنى التحتية، يا حسرة، يجب أن تُرفق في محاضر المجلس الأعلى للحسابات. إذ لا يعقل أن تصبح الأنفاق التي أنشئت أساسا لتخفيف ضغط حركة المرور حول المدارات الحضرية في المدن، بِركا مائية بدون علم المندوبية السامية للمياه والغابات.

وبعض مواقف السيارات الجديدة التي شيدت أخيرا في قلب المدينة، عرفت السنة الماضية وقوع حالات تسرب للمياه، وهو ما يُسائل سلامة مستعملي هذه المرافق وسلامة سياراتهم.. خصوصا وأن بعض هذه المرائب يضع فيها المواطنون سياراتهم لفترات طويلة عندما يكونون خارج المدينة، ولا بد أن الأمطار الحالية ستُغرق بعض هذه المرائب السفلية، وتلحق أضرارا بالممتلكات.. وكأن الذين صمموها وأشرفوا على معايير السلامة الخاصة بها أثناء أشغال البناء، لم يضعوا في بالهم وجود ظاهرة طبيعية اسمها هطول المطر.

الأخطر أن هناك نقطا سوداء بجانب المدارس العمومية، تُعرض يوميا حياة التلاميذ للخطر، ولا يتحرك أحد حتى لإغلاق محيطها ولا لوضع إشارات تُنبه إلى أماكن الخطر.

في مدينة طنجة، مثلا، سُجلت حالات انغلاق بعض المعابر مؤقتا بسبب تجمّع مياه الأمطار في أماكن كانت مخصصة سابقا لتجمع عُمال المصانع الذين تنقلهم «عربات» مجنونة إلى المنطقة الحرة. وبسبب القيادة غير المسؤولة التي يمارسها بعض سائقي هذا النوع من وسائل النقل المخصصة لنقل المستخدمين، يضع آلاف المواطنين حياتهم بين أكفهم.

الرياح القوية، التي صدرت بشأنها بلاغات من مديرية الأرصاد، تتسبب هي الأخرى في حوادث سير وحوادث «توقف» أيضا. ففي الشمال، حيث تكثر التيارات الهوائية والعواصف بحكم الموقع الجغرافي، تسقط الأشجار وعلامات التشوير فوق السيارات المركونة في الشارع العام. وهناك مواقف سيارات في قلب المدينة، بالأداء، كل الأشجار المحيطة بها مُنحنية وكأنها تبحث عن مكان تستريح فيه من الوقوف الطويل، وعندما تهب الرياح القوية تستسلم تلك الأشجار لمصيرها وتنام فوق أي سيارة قريبة.

ما زالت مأساة يناير2021 حية في ذاكرة سكان طنجة، عندما قضى أزيد من أربعين عاملا غرقا في أحد المصانع غير المرخص لها، والتي ينعتونها بـ«السرية» رغم أن الجميع يعلمون بوجودها.

أقبية في منطقة الفيلات، تحولت منذ سنوات إلى معامل تشتغل في قطاع النسيج، وتوظف عمالا بأجور زهيدة، يقضون زهرة شبابهم تحت الأرض في وضع الأصداف على «البيجامات» أو تركيب سحّاب سراويل الجينز الرخيصة التي تُغرق السوق.

عندما هطلت الأمطار، غرقت الأقبية في ساعات متأخرة من الليل، وكانت هذه المعامل تشتغل بدون توقف، وغرق جميع العُمال في القبو.

مثل هذه المصانع توجد في أكثر من مدينة، بل هناك مؤسسات عمومية بُنيت على شاكلة هذه المصانع. وعندما تلجها لقضاء غرض إداري، أول ما يتبادر إلى ذهنك، كيف يمكن الخروج من هذا المكان في حالة وقوع زلزال مفاجئ أو اندلاع للنيران؟

لا أحد يتمنى أن ينتهي محترقا أو غارقا تحت الماء، مع «واجبات التنبر» وسجل التوقيعات.. لكن الحقيقة أن بعض الإدارات العمومية لا تتوفر فيها ثقافة الإغاثة أو منافذ الطوارئ. وإذا وقعت كارثة داخلها لا قدر الله، فإن المأساة تتضاعف، وينطبق عليها فعلا المثل القائل إن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى