شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الغزو الافتراضي 

 

مقالات ذات صلة

 

واهم من يعتبر أن اختيار الصين منع التعامل بالمنصات الاجتماعية المتداولة عالميا، وإنتاجها لمنصات وتطبيقات خاصة بها يدخل في عدم الانفتاح أو التضييق على الحريات، بل هو حماية من الغزو الافتراضي، والتحكم في الخوارزميات وكل ما يتم عرضه على المواقع الاجتماعية، والقدرة على التحكم في الجريمة الإلكترونية، والمعالجة الاستباقية لسوء استعمال التكنولوجيا المتطورة وأثر ذلك على تربية الأجيال الصاعدة ووقف برمجتهم وتربيتهم عن بُعد، خارج مراقبة الأسرة والمدرسة.

مناسبة الكلام أعلاه هي الغزو الافتراضي الذي نعيشه، خارج التحكم في الخوارزميات ووسط انتشار فوضى النشر، واللهث خلف المال والمداخيل المغرية للتطبيقات على حساب الهوية والأخلاق والقيم والتماسك الأسري، والتربية والتعليم، وأمن الناس وأعراضهم، بل وحتى وجه المؤسسات الرسمية التي تواجه إعصارا مدمرا من التشكيك والاتهامات والتشهير والابتزاز والإهانة، مع ما يتركه ذلك من ترسبات في أذهان المواطنين والأطفال الذين يشكلون مستقبل المملكة بشكل خاص.

لقد تسبب تصوير وتسريب لقطات صادمة من غرفة العمليات المغلقة الخاصة بإنقاذ الطفل ريان رحمه الله الذي سقط في بئر ضيقة بشفشاون، في استنفار أجهزة الدولة على أعلى مستوى، ووصل الأمر حد إدارة الأزمة من قبل ملك البلاد وإصدار بلاغ من الديوان الملكي، بعدما أصبح المغرب محط أنظار العالم، وخرج «مول الحوت» لبيع السردين بمراكش بثمن 5 دراهم، فأحدث الأمر ضجة كبيرة كادت تعصف بالسلم الاجتماعي، قبيل شهر رمضان، بعد ركوب الحملة الافتراضية من جهات لها أجندات خفية، وتجيد ركوب الملفات الاجتماعية والنفخ فيها في الوقت المناسب. كما تواصل السلطات الأمنية معالجة ملفات متعددة، تتعلق بالشائعات الخطيرة والمنشورات التحريضية ومقاومة حملات الغزو الافتراضي، الذي يتم تحريكه عن بُعد وتمويله عن طريق الهدايا الإلكترونية والرفع من نسبة المشاهدات، في ظل رأي عام افتراضي سهل الانقياد خلف الإشاعات، ويجهل قواعد استعمال المنصات الاجتماعية.

وعندما نقول ركوب الاحتجاجات الافتراضية من الخارج، فإنه لا يعني أن تكون الأداة المستعملة داخليا لها نية غير سليمة، بل على العكس من ذلك تماما، حيث يخال البعض أن الأمر يتعلق بمطالب اجتماعية عادلة، سرعان ما يتم النفخ فيها والتجييش واللعب على العواطف، وإرباك الرأي العام من خلال سيل من التطورات الكاذبة، وهو الشيء الذي يمكن أن يهدد السلم الاجتماعي بالميدان، لأن انتقال الاحتقان الافتراضي إلى أرض الواقع يبقى دائما مسألة وقت وتراكمات، والأرضية الاجتماعية المناسبة تساعد في ذلك بشكل كبير.

جل من يستعمل التطبيقات والمنصات الاجتماعية لا يفرق بين الشائعة والخبر الموثوق، لذلك فإن خطر الغزو الافتراضي يبقى قائما، وتأثير الصورة له مفعول سحري، خاصة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، والأجهزة الأمنية والسلطات المحلية تقوم بمجهودات جبارة تستنفرها للتعامل مع الأزمات المتتالية التي يخلقها «البوز» في ملفات حساسة لها أبعاد أمنية واجتماعية.

لقد أصبحنا أمام تطبيع خطير مع مدونين ينتشرون بالأقاليم والعمالات، يمارسون الابتزاز المالي والتشهير وإهانة المؤسسات العمومية، ويهدمون بشكل يومي ثقة المواطن البسيط في مؤسساته، وساهمت منشوراتهم في إرباك عملية التلقيح، ويقومون بضرب استراتيجية الدولة في مجالات حساسة بترويج إشاعات لا أساس لها من الصحة.

ليس هناك من حلول سحرية لخطر الغزو الافتراضي، سوى العمل الجاد على توفير أرضية اجتماعية غير قابلة لزرع ألغام «البوز» بالمنصات الاجتماعية، ودعم الإعلام المهني لتشكيل رأي عام واع بما يدور حوله، وتسريع التشريعات القانونية التي تنظم عملية النشر، ووقف التساهل مع جرائم الابتزاز والتشهير وإهانة المؤسسات الرسمية بالمنصات الاجتماعية، والتعامل بصرامة مع كل ما يمكنه تهديد السلم الاجتماعي أو هدم ثقة المواطن في الدولة والاستراتيجيات التي تطلقها، لأن موجات التشكيك والاتهامات لها أبعاد خطيرة، واختيار الدول الكبرى تقنين ومراقبة المنصات الاجتماعية ليس عبثا، فهل من ملتقط للرسالة؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى