شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الفصل الجديد من معاناة الحكومات مع كورونا

توفيق رباحي

مقالات ذات صلة

 

من الولايات المتحدة والبرازيل إلى الهند مرورا بأكثر من دولة أوربية، بدأ العالم يشهد مظاهرات تحتج على استمرار القيود التي فرضتها الحكومات بداعي مواجهة فيروس «كوفيد- 19»، ومطالبة بالعودة إلى الحياة الطبيعية.

في العديد من البلدان تحدى المتظاهرون سلطة الدولة والقانون للتعبير عن غضبهم وحاجتهم إلى العمل، ومن ورائه الدخل المادي.

يستطيع أي كان أن يدفع بأن تلك المظاهرات حركتها قوى أصحاب المال والأعمال، ورغبتها في العودة إلى النشاط الاقتصادي، من أجل مزيد من الأرباح. لكن لا أحد يستطيع أن يُقصي حقيقة أن الناس حركتهم أيضا الحاجة والخوف من الجوع. ولا أحد يستطيع التشكيك في صدق الناس في تعبيرهم عن هذا الخوف. الغريزة في هذه الظروف والمواقف تتغلب على السياسة والحسابات. لنقُل التقت حاجة الأكثر فقرا مع مصلحة الأكثر غنى.

في الاحتجاجات الجديدة التي ما فتئت تتسع، رسالتان على الأقل: الأولى أن الأغلبية الساحقة من الناس عبر العالم، بما في ذلك سكان الدول المتقدمة، غير قادرين على العيش من دون عمل ومدخول مادي لأكثر من أسابيع، بل أيام، معدودة. الرسالة الثانية هي أن الناس، في كل البلدان، تآلفوا مع وجود فيروس كورونا في حياتهم، إن بشكل مباشر أو عبر الأخبار والإشاعات ووسائط التواصل الاجتماعي، فتجاوزوا الصدمة الأولى وحالة الفزع، ولم يعد يخيفهم كما في البداية. لهذا يتجرؤون أكثر فأكثر على المطالبة بفتح الأنشطة الاقتصادية واستئناف الحياة بأقل الممكن من القيود.

لهذا تكررت بين المتظاهرين، في أكثر من بلد وبأكثر من لغة، شعارات من نوع «عذاب الجوع أسوأ من عذاب فيروس كورونا»، و«كورونا قد لا يقتلك لكن الجوع حتما سيقضي عليك». قد يكون في الأمر شيء من المبالغة والإفراط في الانفعال، لكن تعلم العيش مع الفيروس، يفضي بالطبيعة إلى هذا النوع من المشاعر وردات الفعل.

ما سيعقد مهمة الحكومات المتمسكة بالقيود لفترات زمنية أطول، أن الضغوط الشعبية التي تتكاثر وتتسع مطالبة بالعودة إلى الحياة الطبيعية، تتزامن مع انتشار كثيف لنظريات المؤامرة عن جائحة كورونا وما يحيط بها من معلومات وإشاعات وحتى أساطير. وهي نظريات تطعن بقوة في ما يرد عبر الإعلام والمنصات التقليديَين بخصوص الوباء، ولها أنصار كثر في ربوع العالم.

في البداية تعرضت الحكومات لضغوط تحضها على شل الاقتصادات وفرض قيود اجتماعية من أجل احتواء الفيروس. اليوم تتكثف الضغوط لكن في الاتجاه الآخر.

ولسوء حظ الحكومات أيضا أنها مقبلة على مزيد من الصداع، إذ ستتسع الاحتجاجات أكثر مع الأيام، وخصوصا عندما تصل إلى الدول التي لا تزال متشددة، أخبار عودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها في دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، بعد أسابيع سيكتب التاريخ أنها كانت صعبة جدا.

لا شك في أن بعض المجتمعات عاشت خلال الأسابيع الماضية تجارب مريرة تستعصي على الوصف، كان الموت هو العنوان الأبرز لهذه التجارب. لكن أخطر من الموت انتشار الشعور بالعجز وبالخوف، ليس الخوف من الموت فحسب، بل من المجهول، من المستقبل الغامض.. الفقر، قلة الغذاء، فقدان الوظائف، اختفاء نعمة الأمن، تبخر الخطط وانكسار الأحلام، تفشي الإجرام وعودة الصراعات وغير ذلك.

ما زاد من استفحال هذه المشاعر الهدامة، التي لا تقل في بعض الحالات خطورة عن الإصابة بالفيروس، الأخبار عن منافسة ومؤامرات بين حكومات وسفارات، من أجل الظفر بشحنة معدات من كمامات وقفازات ومستلزمات طبية أخرى، في إحدى الأسواق الصينية. أخبار هذا النوع الجديد من الصراعات، صراعات زمن كورونا، جعلت بعض الحكومات تتباهى أمام شعوبها بنجاحها في الظفر بشحنة طبية من الصين، وتعتبر ذلك نصرا قوميا يستحق أن يُبرز في نشرات الأخبار.

رد فعل الإنسان البسيط، أينما كان، وهو يتلقى أخبار الصراعات في أسواق الكمامات والقفازات، لا بد أن يكون: كيف سيكون الحال في أسواق القمح والأرز والطحين العالمية، إذا ما استمر هذا الوباء فترة أطول؟

الوجه الآخر لتجربة الأسابيع الماضية أنها كشفت أن حياة الناس عبر العالم أكثر هشاشة، مما يتخيل الحكام والمنظرون والأمم المتحدة والهيئات التي تدور في فلكها. ما قرأه العالم وشاهده طيلة عقود عن الفقر والأمراض والمجاعات وندرة المياه في الدول الأشد فقرا ومناطق النزاعات، تحول فجأة، وفي الأسابيع الأولى من انتشار فيروس كورونا، إلى لاشيء مقارنة بالواقع الجديد. صور طوابير الأمريكيين ينتظرون بالساعات من أجل كيس مؤونة، أو اقتتال سيدتين في سوبر ماركت بأستراليا على ورق الحمام، كانت جرس إنذار ورسالة قوية عن أن الأمان الذي تشعر به المجتمعات المصنفة متقدمة، مؤقت وزائف وسقط بسرعة في أول اختبار.

قريبا جدا سيكتشف العالم أن أصحاب شعار «لا فرق بين الموت بكورونا أو الموت جوعا» على حق، سيتأكد ذلك عندما تنتهي الجائحة وتبدأ الدول والمجتمعات بجرد خسائرها الاقتصادية والاجتماعية، والتي حتما ستكون كارثية حاضرا ومستقبلا.

نافذة:

لا شك في أن بعض المجتمعات عاشت خلال الأسابيع الماضية تجارب مريرة تستعصي على الوصف، كان الموت هو العنوان الأبرز لهذه التجارب. لكن أخطر من الموت انتشار الشعور بالعجز وبالخوف، ليس الخوف من الموت فحسب، بل من المجهول، من المستقبل الغامض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى