شوف تشوف

الكابينة الذكية

في الترتيب الأخير للمدن الذكية عبر العالم الصادر عن مركز التنافسية العالمي، التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية، لا يوجد أي أثر لمدينة الدار البيضاء.
ولو كان هناك معهد دولي يضع ترتيبا للمدن الغبية التي تتوفر على مراحيض ذكية لحصلت مدينة الدار البيضاء على المرتبة الأولى، فمن فرط ذكاء مسؤوليها أنهم أبرموا صفقة مع شركة أجنبية لتجهيز شوارع وساحات المدينة بمراحيض ذكية يبلغ سعر كل مرحاض ستين مليون سنتيم، أي ما يعادل سعر شقتين في السكن الاقتصادي.
هكذا فالشركة الفائزة بهذه الصفقة التي تفوح منها رائحة غير زكية، بحكم أن مجلس المدينة يرفض الاعتراف بها رغم منح شركة الدارالبيضاء للتهيئة الضوء الأخضر ومعه الشيك للشركة الأجنبية، بدأت في تركيب هذه الكوابن في مناطق بالدار البيضاء، ومن المنتظر أن يصل عددها إلى مائة كابينة ستكلف ميزانية شركة الدار البيضاء للتهيئة، التي تخرج من ميزانية مجلس المدينة، حوالي ستة ملايير سنتيم لا غير. أي ما يكفي لبناء تجزئة سكنية للقضاء على حي صفيحي بالكامل.
وشخصيا لا أفهم هذا الذكاء الاصطناعي الذي تتميز به هذه المراحيض الثمينة عن غيرها من الكوابن، هل يقضي فيها الإنسان حاجته ثم يجلس في الصالون ويقدمون له عصيرًا باردًا، أم أنها ربما لديها القدرة على تحويل الإفرازات البشرية إلى طاقة بيو لإنارة شوارع المدينة التي تكلف مجلسها فواتير مالحة تسددها لشركة ليديك التي تماطل منذ خمس سنوات في مراجعة عقدها مع العمدة والتي كلفت شركة تجرجر وراءها فضائح ثقيلة لإنجاز دراسة حول هذه المراجعة مقابل 700 مليار، وهذا موضوع سنعود له بالتفصيل.

وأتذكر أنه في الرباط على عهد العمدة والعلو كانت هناك شركة تريد أن توفر مراحيض عمومية لكي يتوقف المواطنون عن التبول عند أقدام أسوار العاصمة التاريخية، لكن المشروع فشل، واستمر الناس في “قضاء حاجاتهم”، كل من موقعه، سواء في المجلس أو تحت أسوار المدينة، إلى أن قرعت مديرة اليونيسكو نواقيس الخطر وهددت بسحب الرباط من لائحة المدن المصنفة تراثا عالميا للإنسانية، فطاف على الأسوار من يرممها بالليل والنهار إلى أن استعادت بريقها ورونقها. وليس الرباط وحدها، بل معها مدن عريقة سقطت في أيدي مسيرين جهلة ومقاولين جشعين عرضوا كنوزها للبيع في المزاد العلني للغباء وهددوها بالسحب من لائحة التراث الإنساني لمنظمة اليونيسكو.

ولو تركت الرباط بين يدي وحوش العقار لكانوا نزعوا الحزام الأخضر الذي يحيط المدينة وحولوها إلى ما صارت عليه طنجة أيام عمدتها العماري والوالي حصار وحرائق الغابة الدبلوماسية ومغوغة الغامضة التي فسحت المجال للإسمنت المسلح، وعبدت الطريق نحو الحسابات التي تلوذ بالبنوك الأوربية.

ولعل المدينة الأكثر حاجة إلى مراحيض ذكية متنقلة هي الرباط ونواحيها، بسبب الإسهال الحاد الذي يعاني منه بعض مسؤوليها هذه الأيام، خصوصًا بعدما سألوهم هل يعرفون في العلم فأجابوا أنهم يعرفون الزيادة فيه، ففي الوقت الذي أبدى الملك ملاحظات حول طريقين بالهرهورة لم يجد هؤلاء من شيء يقومون به سوى بناء سور بالليل وإغلاق الطريقين أمام المواطنين الذين وجدوا أنفسهم فجأة عالقين ومنهم من قضى خمس ساعات للوصول إلى بيته. فصدرت التعليمات بهدم السور وإفساح المجال أمام حركة السير وعادت الأمور إلى طبيعتها.
وأذكر أن المغرب كان يشارك في قمة سنوية للمراحيض تقام كل 19 نونبر، وأعتقد أن إحدى دورات هذه القمم كان شعارها مرحاض لكل مواطن، أي بعبارة أوضح “بيت الما للمسكين”، فحسب منظمة الصحة العالمية هناك ما يقدر بمليارين ونصف مليار مواطن عبر العالم محرومون من استخدام المراحيض، بمعنى أنهم يقضون حوائجهم في الخلاء، مما يتسبب في انتشار الأمراض ووفاة الآلاف كل عام.
بالنسبة للذين يسألون عن سعر “الدخلة” لهذه الكوابن الذكية فالشركة حددته في درهم واحد لكل 15 دقيقة يقضيها صاحب الحاجة داخلها، يعني إذا كان الإنسان مصابًا بالقبض فعليه أن يظل “يميزي فالدراهم” إلى أن تنفك عقدته، أما المصابون بالإسهال أو الذين يشكون من الرغبة في التبول المتكرر فهؤلاء حالهم سهل ولن يكلفهم ولوج الكابينة الذكية سوى درهم واحد.
والحقيقة أنني أتساءل عن الطريقة التي ستخبر بها الكابينة الذكية زبونها المعصوم، ليس من الخطأ طبعًا، بأن فترة “السربيس” انتهت وأن خمسة عشر دقيقة التي أنفق من أجلها درهمًا انقضت وأن عليه أن يميزي درهمًا آخر لكي يستفيد من شوط إضافي، هل ستنزل غطاية المرحاض فجأة أم سيكون هناك صوت يخبر الزبون بنهاية التعبئة، أم أن الباب سيفتح بطريقة آلية لكي يفهم الزبون أن عليه إخلاء المكان لزبون غيره.
لكن بما أن هذه الكوابن ذكية فلا بد أنها لن تعدم طريقة مؤدبة لكي تتعامل مع زوارها، خصوصًا الذين اعتادوا على الكوابن التقليدية في المقاهي والبيران حيث يمكن أن تعثر على أسنان الزجاج ولا تعثر على قطعة صابون أو ورق.
على بيضاوة أن يشكروا مسؤولي مدينتهم ومسيري شركات التنمية بها لأنهم يفكرون في راحتهم، لذلك جلبوا لهم بيوت الراحة إلى شوارعهم، وقريبا سيوفرون لهم شرطة للأموات متخصصة في تسجيل الوفيات والإشراف على الدفن.
بقي فقط أن يفكروا في مقبرة كبيرة يدفنون فيها حلم الدار البيضاء كمدينة ذكية بحي مالي عالمي، لأنه مع هؤلاء المسؤولين الذين يسيرون الدار البيضاء لن تتحقق سوى الكوابيس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى