عبد المولى الزاوي
بعد استقرار الكثير من المهاجرين الأفارقة بالمغرب، و«اندماجهم» وإن بشكل تدريجي في النسيج الاجتماعي للبلد، اقتحم بعضهم ميدان التجارة في شوارع المدن وأسواقها، في حين اعتمد البعض الآخر على قوة بنيته الجسدية، فنزل إلى الساحات و«المواقَف» لعرض خدماته «المتنوعة» على أي باحث عن مياوم، للمساعدة في البناء والحفر، أوالبستنة والتنظيف وغيرها من مختلف المهام.
هكذا إذن بعد أن كانت الهجرة حلما ورديا «يعشعش» في عقول الشباب المغاربة، اعتبارا لكونها قنطرة العبور من العوز إلى «الغنى»، في ظرف وجيز وبضمانات أكثر، أضحت هاته الهجرة شيئا ملموسا بيننا، يتنقل في الشوارع والأزقة، يثير القلاقل أحيانا، لكنه في أحايين كثيرة، يقدم خدمات، باتت مستعصية على الأيدي المغربية.
تحول المغرب، المطل على إسبانيا، من بلد لعبور الأفارقة نحو الفردوس الأوروبي، إلى بلد للإقامة، وتبدلت أحاديث الشارع من الحكي عن قصص الموت في أعالي البحار، لمن لم يحالفهم الحظ في «معانقة» بلاد الغربة، تبدلت إلى الحكي عن يوميات مهاجرين أفارقة، توزعوا في مختلف الأحياء الشعبية لكبريات المدن المغربية، وعلى رأسها العاصمة الرباط، التي أضحت قبلة للكثيرين، توزعوا في أحياء التقدم والعكاري والنهضة، وغيرها من التجمعات السكنية، التي تتناسب الظروف المعيشية فيها مع إمكانياتهم الاقتصادية.
بات مواطنو جنوب الصحراء «يحتلون» جل نقط عرض الخدمات (لمواقف) بالرباط، وهو ما أجبر العديد من زملائهم المغاربة، ممن يعرضون أنفسهم في أماكن محددة، انتظارا لأي عمل أو خدمة، التراجع إلى الخلف، والاختفاء «نسبيا» في مقاهي قريبة، باتت شبه خاصة بهم، وبفئة «الوسطاء» في العمليات التجارية المختلفة، سواء للعقارات أو العربات، معتمدين على الهاتف كوسيلة للاتصال بهم، طلبا لخدمتهم.
ما هي إذن أسباب هذا التحول «الاجتماعي» إن صح التعبير، من بلد تصديرالمهاجرين إلى بلد استقبالهم، وماذا عن علاقة الأهالي بضيوف المغرب من دول الجنوب، وكيف يمكن تفسير الخطوة «الرائدة» في القارة السمراء، القاضية بتسوية المغرب لأوضاع المهاجرين غير الشرعيين؟
في العلاقات البينية دائما، ما هي المهن أو الحرف التي يقبل عليها شباب دول القارة السمراء؟ وقبل ذلك هل هم راضون على هذه الأشغال، أم مضطرون إلى القيام بها ليس إلا؟ وماذا عن المشاكل التي تعترض يومياتهم، سواء في العمل أم البيت؟
«الأخبار» اقتربت من المهاجرين الأفارقة، المقيمين بالعاصمة الرباط، وتوقفت معهم عند آمالهم وآلامهم، واستطلعتهم حول شعورهم إزاء ما يُفرحهم أو يُقرحهم في وجودهم على التراب المغربي.
بوابة المهاجرين نحو الشغل
تحولت الأمكنة والساحات العديدة التي ظلت على امتداد السنين أشبه ببورصة الشغل لدى العمال المياومين، والتي يطلق عليها تسمية «المواقف»، تحولت في السنين الأخيرة إلى مراكز تجمعات خاصة بالمهاجرين الأفارقة في الغالب الأعم، ففيها يلتقي أبناء جنوب الصحراء لمشاركة بعضهم البعض «لسعات» الغربة وهموم الهجرة، وفيها يتم السفر إلى «لبلاد» عبر ترجمة الحنين إليها، في بضع قصص وذكريات، تنسي صاحبها ألم مفارقة الأهل والأحباب، وتفتح أمامه باب الحلم بالعودة محملا بالهدايا والمال الوفير، وفق ما حكاه العديد من هؤلاء لـ «الأخبار».
وبين هذه وتلك، تمسح أعين هؤلاء المكان، وتستقرئ عيون المارة وأصحاب السيارات، ممن يبحثون عن «مياوم» لتقديم خدمة ما، تتوزع بين حمل أثاث بعضهم، أوكنس للحديقة والمسبح، وفي الكثير من الأحايين، تشمل عروض العمل في كل ما له علاقة بالهدم والبناء، وهي أشغال شاقة، يقول المهاجرون، مضيفين في حديثهم إلى الجريدة أن المغاربة يفضلون الاستعانة بخدمات الأفارقة، نظرا لبنيتهم الصحية وطاقتهم الكبرى على التحمل.
وعن سؤال حول معدل الدخل اليومي لشباب «الموقف»، أجمعت الإجابات المختلفة على سقف المائة درهم كحد أعلى لما يمكن للعامل أن يحصده في يوم عمله، ونصف ذلك المبلغ في الحالات البسيطة، مضيفة (التدخلات) أنه يصعب تحديد معدل للمدخول اليومي، اعتبارا للكثير من العوامل، والتي منها بحسب قولهم، عدم انتظام طلبات الشغل المقدمة، وعدم ضمان ديمومتها، فقد يحصل أن تتلقى عروضا لـ3 أيام متتالية، وقد يحدث ألا يكلمك أحد قرابة الأسبوع، فكيف السبيل إلى إجراء إحصاء دقيق للأمر؟ يتساءل أحدهم.
حول الأشغال والخدمات التي تعرض على المهاجرين الأفارقة للقيام بها، أجمع المستجوبون على أنه لا حصر لها، فالعامل يستفيق مع حوالي السابعة صباحا، ويتوجه إلى (الموقف) وهو على استعداد للقيام بما سيطلب منه، يقول أحدهم، مضيفا أن الأهم في العملية ككل، ليس ما يتوجب عليك إنجازه، بل ما هو تعداد الدراهم التي ستحصل عليها لمواجهة تكاليف العيش من مأكل ومشرب ومسكن.
الهجرة.. بلسان المهاجرين
جوزيف شاب سينغالي، نحيف البنية. بعينين غائرتين، قال إنه يحب العمل في البستنة، منذ أن كان في بلاده، ولذلك يتأبط في محفظته مقصا خاصا، دلالة منه على الاستعداد و«الحرفية» في التعامل مع النباتات، وأضاف أن محاورة الأشجار وتشذيبها، يعتبر أقرب إلى الهواية منه إلى العمل، كون الأمر يسمح لصاحبه بمحاورة ذاته أثناء الاشتغال، والتفكير بعمق في كتاب حياته، بما يسمح له بالتخطيط الجيد لخطواته المستقبلية، لا سيما في بلاد الغربة، وقبل أن يتم حديثه قاطعه أحد زملائه بلهجة أفريقية، لم أنجح في فك طلاسيمها، إلا بعد ترجمتها، مفادها أن اختيار البستنة يأتي لعاملين اثنين، أولهما تناسب سهولة العمل مع البنية الجسدية للمعني، وثانيهما فرضية الاختلاء بإحدى خادمات البيت، يقول محدث الجريدة، مضيفا أن البستاني «المزور» يعود في كثير من الأحيان محملا بما لذ وطاب من طعام، مدسوس وسط الملابس والعديد من الأغراض التي يتم التبرع بها عليه، فهل ذلك لمجرد تنظيف حدائق البيوت؟، يتساءل المتحدث ذاته بنوع من «السخرية».
من جهته قال مهاجر كامروني، يدعى «نكو. بول» إنه عند مغادرة البيت في الصباح الباكر يكون مستعدا للقيام بأي عمل يُطلب منه، مضيفا أن تكاليف العيش من سكن وغذاء تفرض عليه البحث عن المال مهما كلف الثمن.
وقال المهاجر ذاته إنه قدم للمغرب منذ ما يزيد عن سنتين، مضيفا أنه كان يعتقد أن البلد محطة عبور ليس إلا، إلا أنه أمام فرص العمل وظروف العيش في البلد، آثر الاستقرار في العاصمة الرباط بمعية العديد من أبناء جلدته، وراح يبحث عن رزقه وسط أزقة المدينة وشوارعها، بين بيوت الأحياء الشعبية و«فيلات» الأحياء الراقية.
أما عن رأيه في تعامل الزبناء معه فقد وصفه بالإيجابي، وشرح ذلك بالقول إن حالات التصادم مع الزبناء جراء تلكئه أحيانا في دفع المستحقات المالية، تبقى حالات ناذرة، لا يُعتد بها، على حد تعبيره.
منافسة شرسة
عدا البستنة، تمتد سواعد الشباب الإفريقي المهاجر بالمغرب إلى أي عمل، ينفر منه زملاؤهم المغاربة، من قبيل الاختناقات في مجاري الصرف الصحي، أوالقيام بعمليات الهدم في بعض البيوت، مع ما يتطلبه ذلك من فن وجهد، اعتبارا لكون أغلب الأشغال تكون غير مرخصة، وبالتالي وجب الاعتماد على السواعد في تسوية المباني بالأرض، وحمل الأحجار والأتربة في أكياس خاصة، بغية التخلص منها بعيدا عن الأحياء السكنية.
ارتباطا بالموضوع، دأب أصحاب الشاحنات على الاستعانة بخدمات الأفارقة في حمل أمتعة البيوت، التي يرغب أصحابها في الانتقال من بيت إلى آخر، إذ أسر أحد المستجوبين بالقول إن الكثير من أرباب هاته الشاحنات يربطون مواعد للعمل مع زبنائهم الأفارقة عبر الاتصالات الهاتفية، التي يجري خلالها تحديد ثمن الخدمة ومكانها، مضيفا أن الكثير من زملائه باتوا يستغنون عن المجيء إلى «الموقف» إلا لماما، وذلك لتوسع شبكة الزبناء، التي تعني توسعا في كمية عروض العمل المقدمة إليهم.
على طول شارع الحسن الثاني، المحاذي للحديقة الشهيرة بالعاصمة الرباط، «نزهة حسان»، تمتد طاولات الباعة المتجولين، التي أضحت بالكامل في ملكية شباب إفريقي، يحترف التجارة في العديد من المجوهرات والحلي، في حين يختص الكثير منهم في بيع الهواتف المحمولة.
وعن سؤال حول تخصصهم في التجارة، أجمعت إجابات الكثير منهم على «إغواء» هامش الربح في هذه المهنة، لبعض الطلبة والمهاجرين غير الشرعيين، مضيفين أن كسب القوت اليومي لا يمر بالضرورة عبر الاشتغال في الأشغال الشاقة، أو عبر التسول، وقالوا إن كثرتهم بالشارع المذكور، أضفت على المكان مسحة خاصة، بوأته صفة السوق لدى ساكنة الرباط، الذين أضحوا يقصدون شارع «الأفارقة» إن رغبوا في اقتناء هاتف ما، مثلما يقصدون «القيساريات» بغية شراء الملابس.
بلد اللجوء والاستقرار
يعتبر المغرب من بين الدول القلائل في العالم التي صادقت على الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية حقوق العمال المهاجرين وأسرهم كما صادق على عدة اتفاقيات تتعلق بحقوق الانسان وضمنها حقوق العمال المهاجرين الصادرة عن منظمة العمل الدولية، واعتبارا لموقعه الجغرافي وعوامل استقراره السياسي، أصبح أرضا للجوء والاستقرار، تقول المنظمة الديمقراطية للشغل، مشيرة في بيان سابق لها، وقعته بمناسبة اليوم العالمي للمهاجر، الذي يُحتفل به أواسط دجنبر من كل عام، أن الملك محمد السادس دعا إلى التعامل بطريقة إنسانية والالتزام بالقانون الدولي في قضايا المهاجرين الوافدين إلى المملكة المغربية.
وأضافت الهيأة النقابية أن المغرب انفرد في المنطقة العربية والإفريقية بقرار وصفته بـ «الشجاع» يتعلق بتسوية أوضاع وإدماج المهاجرين في وضعية غير شرعية. ويعتبر البلد الوحيد بشمال إفريقيا الذي اعتمد سياسة هجرة جديدة، تتماشى والحقوق الإنسانية، عقب تحوله من بلد عبور إلى بلد استقرار بالنسبة للمهاجرين رغم التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم اليوم وما تفرزه من ظواهر كثيرة مثل الاتجار في البشر والاتجار في المخدرات والإرهاب وانعكاساتها السلبية والخطيرة على الأمن والاستقرار.
وبحسب الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج وشؤون الهجرة. فقد تحققت نتائج مهمة من خلال هذه العملية الاستثنائية، حيث تلقت المصالح والمكاتب المعنية ما يقارب 20 ألف طلب لتسوية أوضاع مهاجرين منذ مطلع العام الجاري ونجحت في تسوية أكثر من نصفها، و شملت مختلف الجنسيات المنحدرة من أكثر من مائة دولة.
وإذ تسجل المنظمات المختصة، بإيجاب المجهودات الجبارة التي قامت بها جميع المكاتب التي أعدت خصيصا للقيام بهذه العملية، وذلك على مستوى المؤشرات والمرونة في التعامل مع شروط الاستفادة من بطاقة الإقامة، فضلا عن التطور السريع في انتقال السلطات من المقاربة الأمنية الصرفة إلى مقاربة أكثر إنسانية واجتماعية في التعاطي مع مسألة الهجرة واللجوء، فإنها تقدم اقتراحات تهم تقوية هذه التجربة وتحسين مردوديتها وإدماجها في مقاربة شمولية لمعالجة ملف الهجرة بآليات جديدة ومدعمة بقوانين وميزانية وموارد بشرية للتتبع بتنسيق مع المجتمع المدني.
ومن جملة الاقتراحات التي ينادي بها المهتمون بالهجرة، مطالبة المغرب الاتحاد الأوروبي للانخراط معه في اتفاقيات في هذا المجال، وذلك بمقاربة جديدة حتى لا يظل يشتغل دركيا أمام أبواب أوروبا، مع الاستفادة من تجربة دول القارة العجوز، في مجال الهجرة وإدماج المهاجرين وضرورة التنسيق والشراكة مع مفوضية الاتحاد الأوروبي بالمغرب.
ويدعو المهتمون بالملف إلى مراجعة الترسانة القانونية الخاصة بالهجرة وملاءمتها مع الدستور الجديد والمواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة وقوانين الشغل وتحسين وتطوير القوانين المتعلقة بالتعامل مع المهاجرين وأسرهم، مع النظر في مساعدة الدول المصدرة للهجرة خاصة دول إفريقيا جنوب الصحراء من أجل الاستقرار، مع نشر معلومات عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المهاجرين ووضع الإجراءات القانونية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي تكفل حماية تلك الحقوق، من منطلق أن الهجرة تعبير عن التطلعات الإنسانية نحو الكرامة والأمن والمستقبل الأفضل.
أول نقابة للمهاجرين الأفارقة بالمغرب
في حديثه إلى «الأخبار» قال المستشار ببلدية العاصمة الرباط، عدي بوعرفة، إن ظروف تأسيس أول نقابة للمهاجرين، تعود إلى حادث شغل «أليم» تعرض له أحد المهاجرين من جنوب الصحراء، وذلك عندما فارق الحياة في معمل للرخام، فيما تسبب الحادث ذاته في بتر أصابع زميل الضحية، ويتعلق الأمر بمواطن سينغالي، مضيفا أن الاحتضان المغربي لنقابة هؤلاء العمال يعتبر إنجازا فريدا في إفريقيا والعالم العربي ككل، قبل أن يشير إلى أن النقابات بأوربا كانت أول من احتضن المهاجرين المغاربة، الذين يفوق تعدادهم حاليا 5 ملايين فردا.
لم يفت المسؤول النقابي والمستشار الجماعي، الدعوة إلى دمج المهاجرين في الحياة الاجتماعية للمغاربة، إذ لا يكفي، حسب قوله، مد هؤلاء بأوراق للإقامة، وتركهم دون تمكينهم من أسباب الرزق والعمل، مقترحا فتح باب الوكالة الوطنية للتشغيل في وجوههم، حتى تتمكن فئة عريضة منهم من التكوين والإدماج في سوق العمل بما يضمن لها العيش الكريم، الذي لن يتأتى هو الآخر إلا بتمكين ضيوف المغرب هؤلاء من خدمات التطبيب والتدريس، على حد قوله.
بين مغاربة الخارج و«أفارقة» المغرب
وقف الباحث في شؤون الهجرة، محمد بنعبد القادر عند ما يمكن تسميته بالمفارقة بين بلورة المغرب لاستراتيجية واضحة المعالم في موضوع إدماج المهاجرين الأفارقة من جهة، ومن جهة ثانية «التلكؤ» في بلورة ذات الاستراتيجية في موضوع المهاجرين المغاربة، فيما يتعلق بتدريسهم اللغة الأم، وكذا الحاجيات الثقافية بوجه عام.
وعاد المتحدث ذاته للدعوة إلى الاستلهام من الأسئلة الخاصة بمهاجرينا في بلاد أوربا، للاستفادة في التعاطي مع مهاجري دول جنوب الصحراء، علما يقول بنعبد القادر في لقائه مع «الأخبار» إن المغرب يمتلك تجربة من حوالي 35 سنة، انطلاقا من أول اتفاقية وقعها مع الحكومة الإسبانية في الموضوع، مضيفا أن دول المهجر الأوربي، المقيدة بمواثيق حقوق الإنسان ملزمة بتمتيع أبناء المغاربة بكامل حقوقهم، من قبيل التدريس بلغتهم الأم،
كونهم دافعي ضرائب وكونهم مؤهلون لتحمل المسؤوليات السياسية المختلفة، ليختم بالقول إن الوقوف عند مختلف جوانب ملف الهجرة، من شأنه أن يساعد في التعاطي الإيجابي مع العمالة الإفريقية بالمغرب.
«الاندماج سيرورة طويلة المدى وليس حدثا يقع في حينه»
أكد عبد الغني منديب ، المختص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، أن الهجرة ظاهرة كونية، مرتبطة ارتباطا «أنثربولوجيا» بالإنسان منذ فجر التاريخ، إذ كان الأفراد والجماعات يهاجرون من مكان إلى آخر، بحثا عن ظروف معيشية أفضل، مضيفا أنه لا يمكن منعها اليوم، بل فقط تنظيمها وتقنينها. وبخصوص هجرة الأفارقة جنوب الصحراء إلى المغرب، ذهب الباحث إلى أنه «لا يمكننا أن نقول إن هؤلاء المهاجرين قد اندمجوا كليا داخل المجتمع المغربي وذلك لسببين اثنين، أولهما يكمن في كون الاندماج سيرورة طويلة المدى، وليس حدثا يقع في حينه، وثانيهما يتبلور في كون المهاجرين الأفارقة – جنوب الصحراء – لم يُلموا بجميع ظروف وعوامل الاندماج من حيث اللغة، ومن حيث عدم تسوية وضعيتهم القانونية، إضافة إلى اشتغال أكثرهم في القطاع اللامهيكل الذي لا يلتزم بأداء الضرائب لخزينة الدولة».
وبخصوص اختيار المهاجرين الأفارقة الاستقرار في المغرب، يرى منديب أنه يعود من جهة إلى الأزمات الاقتصادية التي تعاقبت على أوروبا في السنين الأخيرة، ومن جهة أخرى لعب تشديد الإجراءات الأمنية للاتحاد الأوروبي دوره في الإبقاء على فئة عريضة من المهاجرين بالمغرب الذي كان محطة عبور، بحسب تعبيره.
أما بخصوص المشاكل التي تصاحب ظاهرة الهجرة، فيمكن القول، حسب الباحث السوسيولوجي، أنه من الطبيعي أن يكون لكل جماعة بشرية تقاليدها الخاصة التي قد تصطدم أحيانا مع تقاليد وعادات المغاربة، مشيرا إلى أن أهم القلاقل التي أحدثتها الفئة المتحدث عنها، تتمثل في «اقتحام المنازل والشقق المقفلة والسكن فيها بالقوة، مثلما حدث في أحد أحياء طنجة خلال العام الماضي، ناهيك عن تعاطي بعض المهاجرين لبعض الأنشطة الإجرامية كالسرقة والنصب»، يقول منديب.