
محمد اليوبي
رد عز الدين الميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بلهجة صارمة على نواب برلمانيين تحدثوا عن وجود المحسوبية في السكن وتلاعبات في الصفقات بالأحياء الجامعية، وطالب الميداوي البرلمانيين الذين وجهوا هذه الاتهامات، بمده بملفات الفساد لمحاسبة المتورطين فيها، كما طالبهم بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق معبرا عن استعداده للتعاون معها.
وتحدث برلمانيون خلال جلسة عمومية عقدها مجلس النواب، أول أمس الثلاثاء، خصصت لمناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول «شروط وظروف الإقامة بالأحياء الجامعية»، عن وجود محسوبية وزبونية وإسكان المقربين، وكذلك وجود اختلالات ومحسوبية في صفقات الإطعام. وفي رده قال الميداوي إن أبواب الوزارة مفتوحة، وإذا كانت هناك حالة لم يتم فيها احترام المعايير فإنه مستعد لاتخاذ الإجراءات، مؤكدا أن الوزارة تحرص على اعتماد مسطرة شفافة وموحدة لمعالجة طلبات الإيواء عبر برنامج معلوماتي يعتمد نظام التنقيط، كما تنفتح الوزارة على تحسين معايير الاستفادة من الإيواء الجامعي من خلال تقديم الوضعية الحالية للأحياء الجامعية للوقوف على مكامن الخلل والتجاوب مع شكايات الطلبة.
وبخصوص الصفقات، دعا الميداوي النواب إلى تقديم حالات إلى الوزارة في حال تسجيلها، مضيفا أن الوزارة ليس لها إشكال في أن يتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الموضوع وباب مكتب الأعمال الاجتماعية الجامعية مفتوح أمام المهام الرقابية.
واعتبر الميداوي أن القول بوجود محسوبية في الصفقات فيه نوع من المغامرة لأنه من الصعب اتهام إدارة الدولة بأنها ترتكب الزبونية في الاستفادة من السكن أو الإطعام، مشددا على أنه وجد صعوبة في تقبل ذلك وشعر بالقشعريرة من هذا الأمر، وما إن كان بالفعل وزيرا أم مغفلا، حتى يتم تمرير صفقات الإطعام وعدم احترام معايير الإسكان، علما أنه وزير ويتحمل المسؤولية السياسية.
وأوصى تقرير المهمة الاستطلاعية بمعالجة جملة من النقائص والاختلالات المرتبطة بالسكن الجامعي، داعيا إلى إطلاق جيل جديد من الأحياء الجامعية يراعي قواعد الاستدامة، يحسن شروط الإقامة ويرتقي بجودة الخدمات المقدمة. وطالب النواب البرلمانيون، المنتمون لفرق الأغلبية والمعارضة، بإطلاق ورش وطني لتأهيل الأحياء الجامعية من خلال اعتماد رؤية شمولية لهذه الفضاءات، كما أكدوا أهمية تعزيز أدوار الأقطاب الجامعية، عبر محاورها المتعددة والتي تحظى الأحياء الجامعية بمكانة مركزية بها، مسجلين الحاجة إلى احترام العدالة المجالية في إحداث وتوطين أحياء جامعية مستقبلية، وطالبوا بتأهيل البنية التحتية للجامعة، وتوفرها على مكتبات رقمية، وتعزيز الخدمات الصحية، وكذا الرفع من عدد الأطر الطبية المؤهلة العاملة بها، مع إشراك الطلبة في تسيير وتدبير الأحياء الجامعية.
وثمن الوزير التوصيات التي آلت إليها المهمة الاستطلاعية، «التي ستساهم في تعزيز الحكامة وتحسين جودة الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية المقدمة داخل الأحياء الجامعية»، مؤكدا على وعي الوزارة بأهمية هذه الخدمات الاجتماعية باعتبارها من المحددات الأساسية في نجاح المسار الجامعي للطالبات والطلبة.
وأشار الوزير، في هذا السياق، إلى بعض الإكراهات التي يعرفها تدبير هذا المجال، وفي مقدمتها الطلب المتزايد على خدمات السكن والإطعام، الناتج عن التزايد المطرد في أعداد الطلبة الوافدين على التعليم العالي، حيث تجاوز العدد الإجمالي للطلبة المسجلين برسم الموسم الجامعي الحالي عتبة مليون وثلاثمائة ألف طالبة وطالب.
وسجل الميداوي أن هذا الوضع يطرح تحديات، منها على الخصوص «محدودية الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية مقارنة مع الطلب المتزايد على التعليم العالي» و «اعتماد نموذج أبان على محدوديته في إحداث بنيات الاستقبال وفي جودة الخدمات المقدمة» و«التفاوت المجالي في توزيع الأحياء القائمة» و«غياب حلول تمويلية مبتكرة، مع الاعتماد شبه الكلي على الميزانية العامة»، فضلا عن «محدودية الشراكات مع الجماعات الترابية والقطاع الخاص».
وسعيا لتجاوز هذه الإكراهات وانسجاما مع التوصيات المضمنة في تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة، أكد المسؤول الحكومي أنه تم العمل على تفعيل وبرمجة مجموعة من الإجراءات والتدابير لتوسيع عرض السكن الجامعي لفائدة الطالبات والطلبة والارتقاء بجودة الخدمات المقدمة، واستعرض، في مداخلته، أبرز هذه الإجراءات التي همت مواصلة جهود إصلاح وتهيئة الأحياء الجامعية، حيث تم خلال سنة 2025 تخصيص ميزانية تناهز 28 مليون درهم لإعادة تأهيل 11 حيا جامعيا، وتشمل هذه الأشغال الإصلاحات التقنية وأشغال الصيانة الكبرى وإعادة تهيئة مختلف المرافق (إعادة تأهيل الأحياء الجامعية القديمة بشكل كلي مثل أكادير ووجدة وفاس، وإعادة تأهيل باقي الأحياء).
ومن ضمن التدابير، أيضا، تعزيز وسائل الوقاية والسلامة من خلال برامج تهدف إلى تجهيز الأحياء الجامعية بأنظمة حديثة لمكافحة الحرائق، بالإضافة إلى تحديث البنيات الأساسية لضمان أعلى مستويات السلامة. وأكد الميداوي أنه من خلال هذه التدابير، وتجاوبا مع التوصيات التي تضمنها تقرير المهمة الاستطلاعية، تسعى الوزارة إلى تقليص التفاوتات التي تعرفها الأحياء الجامعية، مشيرا إلى أن هناك أحياء تستجيب لمعايير الجودة وأخرى يتم العمل على إعادة تأهيلها.
أما بالنسبة للأحياء الجامعية الجديدة، أو تلك التي هي في طور الإنجاز أو في طور البرمجة، فأفاد الوزير بأن الوزارة حرصت على ملاءمتها مع المعايير الضرورية، بما يضمن توفير فضاءات آمنة ومجهزة بجميع المرافق الأساسية في أفق تحسين شروط وظروف متابعة الدراسة بالتعليم العالي.
وأبرز الميداوي أنه، في إطار تنزيلها للبرنامج الحكومي، أولت الوزارة أهمية بالغة للرفع من عرض السكن الجامعي من خلال توسعة الأحياء الجامعية الحالية أو بناء أحياء جامعية جديدة وكذا إحداث إقامات طلابية بشراكة مع القطاع الخاص، حيث تم الرفع من الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية بنسبة 14 في المائة مقارنة مع الموسم الجامعي السابق ليصل العدد الإجمالي للأسرة المتوفرة حاليا إلى أكثر من 60 ألف سرير بالأحياء الجامعية العمومية برسم الموسم الجامعي الحالي، من أصل 104 آلاف سرير المتوفرة وطنيا باحتساب الطاقة الإيوائية الإجمالية بالداخليات ودور الطالبات والإقامات الخاصة.