
تشكل المناطق القروية النائية والأحياء العشوائية بالمجال الحضري، خزانات انتخابية حقيقية لجل الأحزاب السياسية، حيث تتم العودة إليها عند كل محطة انتخابية لتوزيع وعود انتخابية معسولة، وبعد ذلك تُترك لمصيرها تواجه التهميش والإقصاء وتراكمات مشاكل العزلة والفقر والهشاشة، وتحول هذه الخزانات الانتخابية أحيانا إلى حواضن للعنف بكافة أشكاله، كما تشكل نقطا سوداء للجريمة والبطالة والهدر المدرسي والحقد الطبقي، والتهميش والإقصاء الذي يطول الفئات الشابة وغياب تكافؤ الفرص في التعليم والولوج للصحة والتشغيل.
وكشفت المسيرات التي خرجت للاحتجاج على غياب البنيات التحتية بعدد من المناطق القروية النائية، عن خلل عميق في توزيع الوعود الانتخابية والتنصل منها من قبل أعضاء المجالس، وعدم تحركهم وفق الجدية المطلوبة للتنسيق مع المؤسسات المعنية لخلق التنمية، فضلا عن تراكمات الملفات الاجتماعية الحارقة حتى انفجارها في وجه المسؤولين، علما أن استراتيجية الاستباقية هي الأنجع دائما لتفادي الاحتقان الاجتماعي.
ولا شك أن الاستغلال الانتخابوي لمشاكل القرى النائية، ساهم في تنامي بؤر الاحتقان الاجتماعي، حيث طفت على السطح مطالب مشروعة لا يمكن مناقشتها تتعلق بالماء والكهرباء والطريق وبناء المدارس وتخفيف البطالة، وهو الشيء نفسه الذي تطرقت إليه العديد من الخطب الملكية السامية في مناسبات متعددة، وتنبيهها إلى ضرورة معالجة الفوارق الاجتماعية وتنزيل العدالة المجالية في المشاريع التنموية.
ولانتخابات حرة ونزيهة، على الأحزاب السياسية تحمل مسؤوليتها في الوعود الانتخابية والكف عن استغلال مشاكل المناطق القروية والأحياء الهامشية بالمدار الحضري، مع تقديم برامج تتميز بالواقعية ودراسة المشاكل بالميدان والجواب على تساؤلات الناخب وتطلعات المواطنين بواسطة برنامج انتخابي واضح ووعود معقولة وقابلة للتنزيل وتواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية، مع الأخذ بعين الاعتبار المحاسبة عند نهاية الولاية الانتخابية، وتبعات الوعود الكاذبة على السلم الاجتماعي.
لقد تابع الجميع كيف تدخلت قطاعات وزارية على رأسها وزارة الداخلية، من أجل إنقاذ فشل مجالس جماعية من الإفلاس والعجز عن تجهيز البنيات التحتية وإهمال المسؤولية الملقاة على عاتقها، ما يضاعف من مشاكل الاحتقان الاجتماعي الذي أصبح بعض المنتخبين يوجهون حرارته للمركز ويختفون خلف التضامن مع الاحتجاجات والمطالب عوض بحث الحلول والتجاوب مع الشكايات وفق قوانين تنظيمية حددت المسؤوليات والاختصاصات بشكل واضح.
علينا أن نقدر قيمة الوعود الانتخابية، وكيف يبني المواطنون عليها أحلامهم وتطلعاتهم لمستقبل أفضل، بحيث كلما كان التنصل من هذه الوعود وتحولها إلى سراب يتضاعف الاحتقان الاجتماعي وينتشر اليأس والإحباط، لذلك على جميع المسؤولين والمنتخبين بذل مجهودات جبارة لتنفيذ الوعود والصدق في القول والعمل ومراقبة الله ومصالح الوطن والتعليمات الملكية السامية في خدمة الشأن العام.





