الرأي

انتفاضة الكلاب

تعيش كلاب المملكة وقططها منذ بداية شهر أبريل الحالي أزمة حقيقية، لكن في غياب إطار نقابي أو جمعوي أو حقوقي لهذه الفئة، فإنها لم تزعج الحكومة ولم تحتل ساحة البرلمان، ولم تكون تنسيقية وطنية للحوار بعدما صودر النباح في دواخلها.
في الأيام الأولى لحكومة بنكيران، تسبب قطيع كلاب في إصدار أول قرار إقالة في حق جمال الدين مريمي، عامل إقليم سيدي بنور، على خلفية تشبيه كلب ملتح بعضو في الحكومة، اعترض قيادي في حزب العدالة والتنمية على التشبيه لكن العامل أصر على وجود الشبه، وذهب إلى حد تشبيه كلبة بزوجة مستشار حكومي، وقبل أن يجف مداد تقرير فرع الحزب قرر رئيس الحكومة إقالة العامل في اليوم العالمي للمرأة.
يعيش العامل الموقوف عزلته، وحين يمر بفيلق كلاب يضرب كفا بكف ويلعن القدر الذي حول اجتماعا طارئا لمحاربة الكلاب إلى كابوس مزعج، لكنه لا يتردد في تحذير زملائه العمال من خطورة الكلاب.
في نهاية الأسبوع، رحلت إلى دار البقاء «مارليس والكنهورست» السيدة الألمانية الحاضنة غير الرسمية للكلاب والقطط في الدار البيضاء. عثر عليها جثة هامدة في غرفتها وسط ذهول الجميع، وهي التي كانت تتعرض للتحرش من متشردي المدينة ولا تجد في حمايتها سوى الكلب «داني» الذي عينته عميدا لكلابها مسؤولا عن حراستها.
تحرك مجلس المدينة بسرعة وتقرر حجز الكلاب ووضعها تحت الحراسة النظرية، وكأنها معنية بمقتل «مارليس» التي لم تتبن أي جمعية حقوقية قضيتها وكأن المدينة تخلصت من خيرية أخرى لكنها كانت مخصصة للحيوانات، بينما رفضت جمعية الرفق بالحيوان استقبال الكلاب والقطط المتخلى عنهم، لعدم توفرهم على شروط القبول.
كانت الحاضنة «مارليس» مدرسة في ثانوية ليوطي، قبل أن تحصل على التقاعد النسبي وتقرر تعليم الكلاب والقطط، لعلها تجد فيهم ما افتقدته خلال مشوار تعليم الآدميين. لكن أساتذة الثانوية وإدارتها لم يتحركوا لإغاثة «مارليس» أو دعم جهودها لإيواء ورعاية كلاب في وضعية صعبة.
قبل وفاة الراعية غير الرسمية لقطط وكلاب الشوارع، استأثرت مدينة القصر الكبير باهتمام الإعلام، إثر عملية إعدام مجموعة من الكلاب الضالة بالرصاص الحي، وهو القرار الذي أصدره رئيس بلدية المدينة، مما جعل الناشطين الحيوانيين في حالة استنفار، حيث نظمت وقفات احتجاجية قادتها منظمات دولية لطالما نادت بالقطع مع عقوبة الإعدام وإنهاء سفك الدماء، حتى ولو تعلق الأمر بكلب مصاب بالسعار أو قط معرض لنزوات المشعوذين.
في الدار البيضاء وتحديدا بحي ليساسفة، استيقظ مقدم الحي على تجمع احتجاجي، وحين قام بتشغيل حاستي الشم والسمع، علم أن الأمر يتعلق بكلب كان يدعى قيد نشاطه «راي» تم فقء عينيه وخياطة فمه ومحاولة تشويه أعضائه التناسلية، لأغراض خرافية، وعلى الفور ظهرت صفحة على «الفايس بوك» ضمت أزيد من 17 ألف شخص، كتبت على جدارها عريضة تنديد بوضعية الحيوانات في المملكة موجهة إلى وزير العدل لفتح تحقيق في النازلة التي تبنتها فرانس 24 وتم رفع دعوى ضد مجهول بتهمة «تعذيب حيوان مستأنس»، وهو الملف الذي يدافع عنه محاميان. لكن في ظل غياب ترسانة قانوينة تحفظ للآدميين حقوقهم فأحرى الحيوانات، فإن أغلب القرارات تهرب نحو ضفة «عدم الاختصاص»،
قضية الكلب «راي» الذي كان محظوظا لأنه أصبح مؤازرا من طرف منظمة دولية، تحيلنا على حيوانات أخرى تعاني في صمت، خاصة الحمير الذين يعانون من العنف المادي واللفظي، والقردة الذين يتاجر بهم في «حلاقي» ساحة جامع الفنا وغيرها من الساحات.
لكن ليس كل الكلاب ضحايا العنف، فهناك كلاب تعيش حياة البذخ تتردد على مصحات خاصة ولها مروضون مؤهلون يشرفون على تربيتها، ولها حمية تقيها من الترهل، نذكر كلب المدرب السابق للمنتخب المغربي إيريك غريتس الذي شغل الجامعة خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا بالغابون، وكلب زوجة الرئيس المدير العام لمجموعة التجاري وفا بنك، الذي رافق الركاب إلى نيويورك في الجناح المخصص لرجال الأعمال، وهو ما ترتب عنه من قرارات أبرزها عزل ادريس بنهيمة الرئيس المدير العام لشركة الخطوط الجوية الملكية بعد عشر سنوات من الحكم بسبب مسافر من فصيلة بيتبول.
لكن أخطر أنواع الكلاب هي التي تسير على رجلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى