شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

بومدين لم يمت

حسن البصري

من لم يعش لحظات الاحتجاز في مطار هواري بومدين، بالعاصمة الجزائرية، فرحلته إلى الجزائر باطلة. من لم يذق طعم الانتظار والتفتيش في هذا المطار فإن سفره إلى الجزائر منقوص وغير مكتمل الأركان.

هذا المطار الذي حظيت فيه بتفتيش دقيق، فقط لأنني أتقاسم مع وزير الداخلية السابق إدريس البصري، الاسم العائلي، تحول إلى معبر عذاب كلما تعلق الأمر بوافد قادم من منبت الأحرار.

كان هذا المطار يحمل اسم مطار الدار البيضاء الدولي، لتواجده في منطقة «ميزون بلانش»، قبل أن يتم استبداله ويحمل في نهاية السبعينات اسم هواري بومدين الرئيس الجزائري.

حين كان هواري، واسمه الحقيقي بوخروبة، رئيسا للجزائر، وصل العداء بين المغرب والجزائر إلى المستوى البرتقالي، قبل أن يصبح أحمر اللون في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون.

في أيامه الأخيرة، تحول بومدين إلى شبح يمشي على قدمين، وحين مات قالت رئاسة الجمهورية العراقية إنه مات مسموما خلال جولة قادته إلى سوريا والعراق، وتبين أن سم «الليثيوم» قد فعل فعلته في جسد الرجل حيث تساقط شعره ونقص وزنه، بعدما أعدت الوجبة بـ «أنامل جزائرية»، وسجلت الجريمة ضد مجهول.

مطار هواري بومدين ليس مجرد بوابة حدودية، بل هو «سكانير» كبير لما يسكن عقول الوافدين والمغادرين. لذا عين شنقريحة على رأسه شخصا كامل الأوصاف العدائية.

مختار مديوني، العسكري المتقاعد، هو المسؤول عن تسيير مطار بوخروبة الدولي، وتعيينه أثار جدلا واسعا في الجزائر، فهو محلل مثير للجدل في القنوات المحلية، مشهود له بالتصدي لمعارضي النظام الجزائري ومروج للفكر الانفصالي.

حين عين مسؤولا عن المطار، تساءل المواطن الجزائري عن سر تعيين خريج المدرسة الوطنية للمسرح والفنون، في منصب لا علاقة له به. بل هناك من استغرب لعبوره في دائرة الإعلام العسكري، وتساءل عن السر وراء تعيين محلل سياسي متقاعد عانت من خرجاته سلطة السمعي البصري، على رأس مرفق حيوي.

حين كان مدير المطار محللا في القنوات المحلية، عرف بحديثه عن التهديدات التي تواجه الجزائر، بل كان يصنع التهديد ليجد لنفسه فرصة لممارسة هجومه على المغرب، ومع مرور الأيام تبين أن مديوني مجرد صوت لسيده.

لهذا لن نستغرب إذا ركز مدير المطار على البعثات المغربية، وقام بتفتيش أمتعتها بحسه العسكري، واحتجز الرياضيين في بهو المطار لساعات، وهو يستمتع بإرسال صور المعاناة إلى أسياده الذين آمنوا بأنه الرجل المناسب للبؤرة المناسبة.

نعود إلى هواري بومدين لنقف عند حجم العداء الذي يسكن وجدانه، وحين أتيحت له فرصة الانقضاض على الحكم، قام بانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة، مستغلا شغف هذا الأخير بالكرة.

في 18 يونيو 1965، كان الرئيس الجزائري يتابع من المنصة الرسمية لملعب زبانة بوهران، مباراة ودية بين المنتخبين الجزائري والبرازيلي. وفي الوقت الذي أخذ بن بلة صورة بين الأسطورتين غارينشا وبيلي، كان بومدين قد خطط للانقلاب الذي رمى بابن بلة في السجن.

ليست نهضة بركان ولا الرجاء ولا الوداد ولا منتخب الناشئين ولا البعثات الإعلامية المغربية، هي التي تجرعت مرارة مطار ليس ككل المطارات، بل هناك عشرات قصص العذاب التي عاشها عابرو هذه البوابة.

عاش المطرب فريد الأطرش ساعات في جحيم هذا المطار، وامتدت المعاناة إلى مسرح «لوريان» حيث تعرض للرشق بالطماطم فقط لأن أغنيته الشهيرة «بساط الريح» أسقطت الجزائر وتغنت بالمغرب وتونس وبعض الدول العربية. في اليوم الموالي، قرر فريد مغادرة الجزائر قبل أن يستيقظ طباخ الفتن.

في حفل تنصيب مدير المطار، زودوه بنصيحتين:

احرص على استفزاز القادمين من المغرب.

تذكر جيدا النصيحة الأولى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى