شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

توأمة المدن

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

رغم أن بعض الشراكات بين مدن من بلدان مختلفة قد تبدو للبعض غير ضرورية، أو مدعاة للسخرية في بعض الحالات، إلا أن مسألة «التوأمة» تبقى أقصر الطرق لوضع النقط على الحروف، خصوصا في ما يتعلق بمحاولات تشويه تاريخ المغرب.

عندما يدعو رئيس جماعة أو مجلس مدينة مغربية، مثل الدار البيضاء أو فاس أو طنجة، إلى توقيع اتفاق توأمة مع مدينة مثل «باريس» أو حتى «مونتريال»، غالبا ما «تُمرمده» المعارضة.. حتى أن بعض المجالس صارت فيها المعارضة تشتغل أكثر من الأغلبية، لتنبه رؤساء المجالس ومن معهم إلى أهمية المدن التي يُدبرون شأنها العام.

من المؤسف فعلا ألا يكون مُنتخب على علم بالثقل التاريخي للمنطقة التي يتولى تدبير شأنها العام ومرافقها العمومية. النتيجة تكون مثل الأخطاء القاتلة أثناء العمليات الجراحية الدقيقة. إذا هُدم جزء من سور تاريخي، لا يمكن جلب البنائين من زمن المولى إسماعيل لإعادته كما كان. في النهاية يحزن أهل المريض ويدفنونه، بينما تبقى أخطاء مسيري الشأن العام ماثلة للعيان، وأحيانا تستقبلك عند مدخل المدينة ولا يمكن أن تُشيح بصرك عنها لأنها ببساطة تلاحقك أينما وليت وجهك.

وعلى ذكر توأمة المدن، لماذا لا يفكر المسؤولون في مراكش في عقد اتفاقية مع مدينة مثل البندقية.

وإذا كان هناك من يهتم بالتوثيق والتاريخ، فلا بأس هنا أن نُحيله على أقدم اتفاقية بين المغرب وسكان البندقية، عندما كانت العاصمة في المغرب هي مراكش. وهذه الاتفاقية تعود إلى سنة 1765، وبموجبها أصبحت مراكش صديقة للبندقية.

الاتفاق كان يحتوي على ثلاثة وعشرين بُندا، ووقعت في مراكش وليس في البندقية. ويوجد أصلها اليوم في مدينة فينيزيا. والمثير أن حكام البندقية وصفوا سلطان المغرب وقتها بأنه إمبراطور بلاد إفريقيا وصولا إلى تمبوكتو..

بعد ثلاث سنوات على توقيع الاتفاقية، شعر أهالي البندقية بأن ذلك الاتفاق لا يجب أبدا أن يبقى حبرا على ورق. وهكذا جاء أول سفير من البندقية إلى مراكش، وأحضر معه هدايا لتلطيف الأجواء وتحفا من البندقية.

في مدينة مثل طنجة يمكن عقد اتفاقيات توأمة مع ما لا نهاية له من المدن. كل الجنسيات عاشت في «البوغاز»، وأغلب دول العالم أرسلت سفراءها أو من ينوب عنها دبلوماسيا إلى طنجة الدولية. وحتى الدول التي لم يكن لديها سفراء في طنجة، سلّمت أعلام بلادها لسفراء دول أخرى لكي يرفعوها فوق البناية الدبلوماسية، مقابل تعويضات مالية، حتى تضمن لها «هوية بصرية» في طنجة.

أشهر دول العالم، التي استعارت اسم «طنجة»، هي الولايات المتحدة الأمريكية. ولا تزال مدينة صغيرة هناك، تحمل اسم طنجة، حفاظا على ذكرى الأمريكيين الأوائل الذين استقروا في تلك المدينة، بعد أن قضى بعضهم فترة الخدمة الإدارية في السلك الدبلوماسي، في مقر المفوضية الأمريكية بطنجة، والذي لازال موجودا إلى اليوم.

مدننا الصغرى حافلة بالتاريخ. تارودانت وقعت اتفاقيات مع لندن لتصدير السكر المغربي أيام الدولة السعدية. وهوامش مكناس وفاس حافلة بالبلدات التي عاشت فيها شخصيات فرنسية مرموقة، بعضها تحمل شوارع وأزقة في باريس أسماءهم.

مقابر النصارى في عدد من المدن دفن فيها أقارب شخصيات أجنبية تاريخية. دار الزمن دورته ولم يعد أحد يأتي من وراء البحر لتفقد تلك الشواهد التي توثق لزمن كانت فيه كل نقطة في المغرب توأمة مكان ما حول العالم. وصارت التوأمة مدعاة للسخرية، خصوصا عندما يُعلن عن توأمة بين مدينة لا يزال سكانها يتنقلون في حافلات لا شيء يدور فيها سوى العجلات ومدينة أوروبية تحتفل بمئوية افتتاح مترو الأنفاق!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى