
بعد صبرهم لأسابيع من الاحتجاج والاعتصام والتهديد بالانتحار والوعود المتكررة من قبل مسؤولين بإيجاد حلول ناجعة لنقص دواء “الميثادون” المعالج للإدمان دون جدوى، خرج مرضى مراكز علاج الإدمان بالشمال وباقي المناطق الأخرى لقطع الطُّرق العمومية والنوم تحت عجلات السيارات وحافلات النقل الحضري بشكل خطير، في إطار تصعيد الاحتجاجات ضد وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والمطالبة بتوفير كافة الأدوية التي تساعدهم على الإقلاع عن الإدمان بشكل تدريجي.
إن معاناة مراكز علاج الإدمان من مشاكل واختلالات متعددة ليست وليدة اللحظة، ما يتطلب مضاعفة الجهود وتوفير الموارد المالية والبشرية الكافية لتجويد الخدمات، فضلا عن العمل على تخزين الكمية الكافية من الأدوية وتشجيع البحث العلمي لإنتاجها محليا، دون إغفال القطاعات الحكومية المعنية والمجتمع ككل. إن الصواب هو تجنيب الشباب والقاصرين السقوط في مطب الإدمان من الأصل، وليس توفير العلاج الذي يعتبر ضروريا بعد المرض.
ومن واجب المؤسسات المعنية وكافة القوى الحية داخل المجتمع، تنزيل استراتيجيات الوقاية من الإدمان التي تعتبر أفضل من العلاج، والبداية تكون بالتوعية والتحسيس داخل الأسرة والمؤسسات التعليمية، ومضاعفة جهود تفكيك شبكات الاتجار في المخدرات القوية والهيروين الرخيص الذي يتم تسويقه للمدمنين الذين يعيشون بالهوامش أو من يسقطون في فخ الإفلاس لاستهلاكهم المخدرات باهظة الثمن في بداية الإدمان وعدم قدرتهم على الاستمرار في شرائها بعد ذلك.
إن حماية الشباب والقاصرين من خطر الإدمان، مسؤولية الجميع وتحتاج إلى تشريعات قانونية مشددة تواكب التحولات المجتمعية المتسارعة، إلى جانب إحياء الوزاع الديني في النفوس، كون دمار قنبلة الإدمان يصيب المدمن ويمتد للأسرة والمحيط الاجتماعي ويشجع على الجريمة بأنواعها ويقطع أوصال المجتمع.
كل الإكراهات التي تطرحها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بخصوص نقص الأدوية الخاصة بعلاج الإدمان واعتماد برتوكولات جديدة، تبقى غير ذات جدوى إذا تسبب الأمر في مضاعفات خطيرة على صحة المدمنين، وعودة البعض لاستهلاك مخدر الهيروين وغيره من المخدرات الخطيرة كبديل لغياب دواء الميثادون، ناهيك عن خطر الانتكاس وفقدان الثقة في نجاعة العلاج.
علينا توفير المؤسسات الثقافية بالعدد الكافي وتغطية كافة الأقاليم والجهات بالمملكة، وتجهيز البنيات الرياضية والمرافق العمومية وفق الجودة المطلوبة، والتقرب من الفئات الشابة وبحث همومها وانشغالاتها في ارتباط بالعصر ومتطلباته، كي يسهل استقطاب الفئات التي تمثل مستقبل المغرب وإبعادها عن خطر الإدمان الذي يتربص بها من كل جانب.
ولابأس كذلك من التذكير أن الحذر من الإدمان لا يتعلق بالمخدرات القوية والهيروين فقط، بل هناك أنواع من الإدمان الجديد على ما يسمى المخدرات الرقمية، والإدمان على المواقع الاجتماعية والإباحية والألعاب الإلكترونية المدمرة لعقلية الأطفال والتحديات القاتلة، والتحريض على ارتكاب جرائم العنف والاغتصاب والسرقة والقتل والانتحار وإيذاء النفس، وكل ماسبق ذكره يسائلنا جميعا لأخذ الحيطة والحذر والعمل وفق مبدأ الوقاية التي تعتبر خيرا من العلاج مهما كانت نجاعة الأخير وجودته.