حب وكبرياء 2/2
ومرت الشهور والسنوات.. هي لم تعد لأنها حسبته سعيدا بدونها، هو لم يتحمل غيابها، لكن كبريائه المعهود يقتله شيئا فشيئا.
كان طبيبا ناجحا، يعالج جروح الناس وألمهم وأمراضهم، لكنه لم يستطع أن يجد الدواء لداء الحب الذي أصابه. إلى أن جاء ذلك اليوم، الذي وصل فيه ألمه إلى العمق، إلى درجة لم يعد معها يستطيع تحمل رؤية طيفها أينما حل وارتحل، فانتصر الألم على غروره، ثم قرر أخيرا البحث عنها.
بحث في كل مكان، في الحديقة التي كانا يرتادانها ليكملا شجارهما، في منازل صديقاتها، أمام المستشفى الذي كانا يعملان كطبيبين متدربين داخله.. دون جدوى
لكنه نسي مكانا واحدا، المقهى الذي التقيا فيه لأول مرة، حيث كانا يحضران لمباراة الأطباء الداخليين، كان ذلك المقهى المطل على حديقة مزهرة مكانه المفضل، حيث أنه كان كلما أحس بالضيق والحزن ذهب إليه محتسيا قهوته، كانت تجده هناك كلما اختفى وأحست بأنه ليس بخير لتواسيه.. واليوم.. حان دوره ليجدها هو… أمام نفس الطاولة.. وعلى نفس المقعد.
كانت هي.. نفس العينين الفياضتين بالحنان، نفس النظرات، نفس الهدوء، وﻷول مرة بعد سنوات خلت، شعر بفرحة تغمره، فقد لذتها منذ زمن.. لقد وجدها في قمة ألمه.. لأن القدر عوده أن تكون هي دائما بجانبه… وهو في أسوء حاﻻته.
بعد أن اشتد الخصام بينهما، قدمت طلبها للالتحاق بمستشفى آخر، في مدينة أخرى، بعيدة عنه، وعن حبها. ورحلت.. لكنها لم تستطع مقاومة حنينها إليه.. كانت كلما سنحت لها الفرصة تأتي لنفس المقهى، تتذكر تقاسيم وجهه، نبرة صوته، ورائحة قهوته.. تمشي فوق آثار خطواته وتتمنى له السعادة أينما كان. هي لم تنسه، لكن حبها له أمرها بالابتعاد.
هو.. لم يصدق عينيه، شفي من كبريائه المرضي عند رؤيتها، طلب منها العودة، وحكى لها عما صار إليه منذ اليوم الذي رحلت فيه عنه، طلب منها مسامحته على الطريقة التي أحبها بها.. ووعدها أنه لن يتخلى عنها أبدا، لأنها هي من اختار ليكمل حياته إلى جانبها.
انتصر حب الطبيبين الأبيض الطاهر على الزمن، ووجد كلاهما دواء الآخر، وحكمت محكمة الحب عليهما بسجن العشق المؤبد.