
النعمان اليعلاوي
أكد خبراء وأكاديميون أن اعتماد العقوبات البديلة يشكل تحولًا نوعيًا في السياسة الجنائية المغربية، معتبرين أن هذا التوجه الجديد لا يضعف هيبة الردع، ولا يمثل تساهلًا مع الجريمة، بل يُعد مقاربة أكثر فعالية وإنسانية في التعامل مع المخالفين. جاء خلال ندوة نظمت تحت عنوان «العقوبات البديلة.. خطوة نحو أنسنة نظام العقوبات»، برواق وزارة العدل بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، بحضور عدد من القضاة والخبراء والفاعلين في مجال العدالة وحقوق الإنسان.
وفي مداخلته، أوضح محمد الساسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن اعتماد العقوبات البديلة يأتي استجابة لسياق وطني ودولي متغير، حيث تتجه العديد من الأنظمة القانونية الحديثة نحو تبني هذه العقوبات لمعالجة إشكالات بنيوية يعاني منها النظام الجنائي التقليدي.
وأشار الساسي إلى أن النظام الجنائي الكلاسيكي، رغم تطوره بالابتعاد عن العقوبات البدنية وتحسين ظروف السجون، إلا أنه فشل في الحد من ارتفاع معدلات الجريمة والظواهر المرتبطة بالعود إلى الإجرام، بالإضافة إلى معضلة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية وارتفاع تكاليفها.
ودعا الساسي إلى ضرورة الانتقال إلى نظام جنائي جديد، يمنح القاضي مساحة أوسع لتطبيق بدائل عن العقوبات السالبة للحرية، خاصة في قضايا المجرمين المبتدئين، معتبرًا أن الوقت حان لتحرير العدالة الجنائية من بعض قيودها التقليدية.
على المستوى الوطني، لفت الساسي إلى أن النقاش حول العقوبات البديلة تصاعد بشكل لافت في صيف 2023، عقب دعوة محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إلى مواجهة الاكتظاظ السجني الخانق. وهي الدعوة التي أثارت جدلًا بين وزارة العدل ورئاسة النيابة العامة من جهة، ورابطة القضاة من جهة أخرى، بعدما اعتبر بعض القضاة أن هذه المبادرة تمس باستقلالية السلطة القضائية.
رغم ذلك، شدد الساسي على أن الواقع يفرض إعادة التفكير جذريًا في السياسة الجنائية المغربية، مؤكدًا أن إطلاق مشروع العقوبات البديلة يشكل بداية هامة لمسار طويل من الإصلاحات المطلوبة، التي تشمل تطوير النظام الجنائي، وتوسيع تدابير الوقاية وإحالة بعض القضايا البسيطة إلى القضاء المدني أو الإداري، مع ضرورة مواكبة التطورات في مجال حقوق الإنسان والاستفادة من التجارب الدولية.
من جانبها، أكدت ملاك روكي، القاضية الملحقة بوزارة العدل، أن العقوبات البديلة تمثل «طفرة نوعية حقيقية» في السياسة الجنائية المغربية، موضحة أنها لا تمس بهيبة الردع ولا بقوة القانون، بل تقدم معالجة أكثر فعالية للجريمة، مضيفة أن هذه الآلية الإصلاحية تهدف إلى تعزيز قيم إعادة الإدماج والتأهيل المجتمعي بدل الاكتفاء بالعقوبات السجنية، معتبرة أن نجاح هذه التجربة يتطلب مواكبة المجتمع المدني لها باعتباره شريكًا أساسيًا.
وأعربت القاضية عن أملها في تنظيم لقاءات ومنتديات إضافية لتعزيز الوعي المجتمعي بمضامين هذا القانون الجديد، بما يسهم في تحقيق أهدافه التنموية والحقوقية على أرض الواقع.
إلى ذلك احتفى المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، بالكاتبة والأديبة، ليلى أبو زيد، إحدى رائدات الأدب المغربي، في لقاء تكريمي استعرض مسارها الإبداعي وإسهاماتها الغنية في المشهد الثقافي الوطني والعربي.
وأبرز المشاركون في هذا اللقاء، الذي حضره إعلاميون وأدباء ونقاد، الخصال الإنسانية والقدرات الإبداعية لليلى أبو زيد التي راكمت أعمالا أدبية في مختلف الأجناس من الرواية إلى القصة مرورا بالسيرة الذاتية والدراسات النقدية والترجمة.
وسلط المتدخلون الضوء على تفرد أسلوب المحتفى بها التي استطاعت أن تقدم سردا أدبيا متنوعا ينتصر لقضايا المرأة، ويرصد التحولات الاجتماعية لمغرب ما بعد الاستقلال.
وقال الباحث والناقد، عبد العالي بوطيب، في كلمة بالمناسبة، إن ليلى أبو زيد تعد «كاتبة عصامية شقت طريقها بإصرار»، وتمثل «وجها من الوجوه المنيرة في المشهد الثقافي المغربي والعربي»، مضيفا أن أبو زيد، التي «تميزت بصلابة إرادتها وقوة قلمها»، تعد رائدة من رائدات الكتابة النسائية في العالم العربي، وأسدت من خلال إبداعاتها خدمات جليلة للثقافة المغربية والعربية.
من جانبه، أبرز الناقد والباحث، المحجوب الشوني، أن نشأة ليلى أبو زيد في بيئة مقاومة للاستعمار خلفت أثرا قويا في مشروعها الأدبي، مستحضرا على الخصوص عملها الروائي «عام الفيل» الذي يدرس في كبرى الجامعات ضمن الأدب ما بعد الكولونيالي. وأشار الشوني إلى أن المحتفى بها، التي اختارت منذ البداية طريقا صعبا في الكتابة، وتميزت باختياراتها الجمالية الواضحة والمدعومة بالمعرفة الرصينة، وضعت المرأة المغربية في صلب مشروعها الأدبي.
من جهته، قال الباحث بوشعيب لعسيري إن ليلى أبو زيد تمثل «علامة ثقافية مائزة من علامات الثقافة المغربية ورمزا من رموزها»، مبرزا أنها تعد أحد وجوه الجيل الثاني للمبدعات المغربيات اللواتي أثثن المشهد الثقافي بعد الاستقلال.
وبهذه المناسبة، سلم ممثل وزارة الشباب والثقافة والتواصل، المدير التنفيذي للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، عبد الله صديق، الدرع التكريمي للمحتفى بها التي عبرت عن سعادتها بهذه اللحظة، واستعرضت، من جانب آخر، التلقي الأجنبي والمغربي لأعمالها الأدبية، مشيرة على الخصوص إلى أن روايتها «عام الفيل» كانت أول رواية مغربية نسائية تترجم إلى اللغة الإنجليزية.