
حسن البصري
قبل أن يجف حبر توصيات المناظرات الجهوية حول التشجيع الرياضي التي نظمتها وزارة الداخلية، في غمرة الاستنفار من أجل فرجة آمنة لا يراق حول جوانبها الدم، تستفزنا مشاهد العنف التي أصبح مركب محمد الخامس بالدار البيضاء مسرحا لها.
في هذه الظرفية، التي سجل فيها مؤشر العنف في ملاعبنا أدنى مستوياته، تصادفنا مشاهد تجعلنا مجبرين على إعادة ترتيب التوصيات التي أفرزتها المناظرات الجهوية على نحو جديد، يضع المقاربة التربوية في صلب التعاطي مع ظاهرة شغب الملاعب، مقرونة طبعا بالمقاربة الأمنية، خاصة وأن مباراتين برسم البطولة الوطنية الاحترافية احتضنهما مركب محمد الخامس بعد افتتاحه، قد شهدتا حالات عنف استهدف البشر والحجر .
دعونا نبحث عن خلطة جديدة تشفي من داء العنف المستفحل في ملاعب الكرة ومحيطها، حتى لا يتحول الداخل إلى «دونور» إلى مفقود والخارج منه إلى مولود.
حين يتنقل قاصرون بين المدن وهم يتغنون بأهازيج فرقهم ويكيلون الشتائم لمنافسيهم، فانتظروا بلاغا من السلطات الأمنية يقدم فاتورة الانفلات.
تنتهي المباراة وتنتهي معها حالة الطوارئ التي يعيشها محيط الملعب، فتفتح المحلات التجارية أبوابها، ويسمح سكان الدور المجاورة لبؤرة التوتر لأبنائهم بالخروج، وتعود الحياة إلى نبضها الطبيعي، بعد إجلاء المكان من ضيوف مزعجين ومنزعجين.
في الغارة التي استهدفت مرافق «دونور»، اعتقل قاصر ينحدر من حي هامشي بضواحي أكادير. اتصلت السلطات الأمنية بوالدة الفتى لاستفسارها حول ابنها، فتبين أنها لا تعلم مكان وجوده، وقالت إنه عائد لا محالة وطمأنتهم على فلذة كبدها الذي وصفته بـ«القافز».
مشهد يؤكد استقالة الأسرة المغربية من دورها التربوي، وفوضته للشارع بصعاليكه وفتواته وللملعب بفصائله.
في مستهل الموسم الدراسي، سأل مدرس تلاميذه عن أحلامهم وعن طموحاتهم، لكن أحدهم فاجأه حين كشف عن حلم يسكن بين ضلوعه، هو أن يصبح يوما «كابو» فصيل ألتراس، تأتمر الجماهير بإشارة منه.
جسد التلميذ رغبة الزعامة، فأجرى تعديلات على استعمال الزمن، حتى تتلاءم ومواعد فريقه المحبوب، وحين تنتهي الحصة الدراسية يلقن لزملائه أهازيج المدرجات، وفي غفلة من المدير يرسم شعارات الفصيل في المراحيض.
سيكبر الفتى وسيصبح شاعرا من شعراء المدرجات، يقضي ليله في استدراج ملكة شعر النقائض، وقد يجعل من أشعار الصعاليك حبرا لمداده. ومع الأيام سيصبح شخصية عمومية مؤثرة في اليافعين، الذين استبدلوا نشيد «مدرستي الحلوة» بأغاني «الفيراج»، وسيفتي في نوازل المدرجات ومستقبل النادي، ويساهم في صعود رئيس، أو سقوطه.
الأسرة التي كانت عماد التنشئة الاجتماعية، تبنت قاعدة «لي مربي من عند ربي»، وترفع أكف الضراعة إلى الله وهي تمني النفس بتوقف طويل للبطولة الوطنية وبمباريات بدون جمهور، حتى تضمن سلامة ابنها من عوادي زمن الكرة.
في المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي بالعاصمة العلمية فاس، قال معاذ الجامعي، والي جهة فاس مكناس: «القرار الذي أتريث كثيرا قبل التوقيع عليه، هو قرار إجراء مباريات كرة القدم بدون جمهور، لأنني لا أرى معنى لمباراة بمدرجات فارغة وصمت رهيب، لكن أحيانا نضطر إلى التوقيع، حفاظا على سلامة الجماهير والمنشآت، وصونا للروح الرياضية».
لو خيروا أولياء أمور المشجعين اليافعين بين مباريات «ويكلو» وبين الفرجة المستباحة، لالتمسوا من لجنة البرمجة تمديد قانون الطوارئ، ولشكروا الولاة والعمال على إغلاق ملاعبهم في وجه اللاهثين وراء فرجة دامية، وتنقل جماعي أشبه بموكب زوار ولي من أولياء الله الصالحين.
في خلطة المقاربات الشافية من الشغب، لا بد من «تدريحة» أمنية تعيد ضبط إيقاع الحشود الجماهرية، وتجعل الملاعب نقطة جذب للباحثين عن المتعة، لا بؤرة توتر تنتهي بين أمرين كلاهما مر: المخفر والمستشفى.