شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

دفن في أمريكا

حسن البصري

مقالات ذات صلة

 

تحول شارع «يوستريت» بمدينة واشنطن، إلى قطعة من شارع «البرانس» في وسط الدار البيضاء، وتبين أن الشعوب العربية قد احتلت الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الشارع يجعلك تظن أن الأمريكيين سلموه طوعا أو كراهية للمغاربة والتونسيين على سبيل الإعارة.

وفي بريديج حي العرب بنيويورك، ترتفع أعلام الوداد ويكشف مغاربة المهجر عن انتمائهم الدفين، في كل الشوارع الكبرى يلتف العرب في ألوان فرقهم ويفخرون بلاعبيهم منتصرين أو مهزومين، هنا فقط يكمن المعنى الحقيقي للازمة «انصر أخاك».

في الولايات المتحدة الأمريكية، تتمسك بتلابيبك عشرات قصص الهجرة تحت الإكراه، هناك أبطال مغاربة رفعوا العلم المغربي خفاقا في الملتقيات الرياضية القارية والعالمية، اختاروا الهجرة إلى بلد «العم سام» هروبا من العم جحود.

في هذا البلد، هناك من دفن نكبته، وهناك من أصر أن يدفن جثمانه في تربة أمريكية نكاية في الألم.

قصص إنسانية على مقربة من تلابيب الوداد لا ينتبه إليها حاملو «بونجات» المنابر الجائلة. حكاية حسن مندون، الحارس السابق للرجاء وللاتحاد البيضاوي، الذي ركب صهوة الاغتراب، بعد أن اتهم ببيع مباراة وتفويت نتيجتها، لم تنفع مرافعته ولا قسمه بأغلظ الأيمان، ولا صرخته: «أنا بريء يا ناس»، ولا إصراره على تعذيب الأصابع التي تسللت منها كرة طائشة إلى مرماه في مباراة مصيرية.

حين عاد حسن إلى بيته أغلق غرفته وأمسك بحجر هوى بها على أصابع يده، حتى لا يفكر يوما في امتهان حراسة المرمى، فأعدم الكف التي تمسك بالكرة وتداعبها.

كان مندون أستاذا للتربية البدنية، يعيش حياته في وسط عائلي مترف، لكن نظرات جائعة كانت تحرضه على الهجرة إلى أمريكا، حزم حقيبة السفر وأقسم ألا يعود إلى وسط كروي جاحد، لم يسكب حبر تضامن مع عز المحنة.

في ولاية فلوريدا تحول إلى سائق سيارة أجرة، ووضع أمام زبائنه لوحة كتب عليها: «ممنوع الكلام مع السائق عن الكرة». شاءت الأقدار أن يموت الحارس الخلوق في حادثة سير، وبناء على وصيته سيدفن في جوف تربة ولاية فلوريدا، رافضا محاولة صلح متأخر.

الهدافون أيضا يركضون نحو أمريكا حين يشعرون بتضخم متلازمة النكران، لقد سجل محمد جرير الملقب بـ«حمان»، أول هدف للمغرب في مونديال المكسيك سنة 1970، لكنه مات منسيا في بوسطن الأمريكية، ظلت ترعاه فلذات كبده، إلى أن أسلم الروح ودفن في مقبرة إسلامية، رافضا كل المحاولات اليائسة لنقل جثمانه إلى «كازا نيكرا».

من المصادفات الغريبة أن رئيسا للرجاء الرياضي، يوجد اليوم في عكاشة، أبان عن جهل عميق بتاريخ النادي وتبين في حوار صحفي أن لا يعرف شخصا يحمل اسم حمان، الرجل الذي لعب للرجاء وأشرف على تدريبه ومثله في المنتخب الوطني، قبل أن يزحف على النادي الانتهازيون.

كلما ضاق الحال وارتفع منسوب الجحود، حزم أبطالنا حقائبهم وختموا جوازات سفرهم، واقتصوا تذكرة الرحيل من رغيفهم، اسألوا حسن موحيد، عميد الرجاء، كيف داهمته فكرة الهجرة إلى أمريكا، وكيف اختار لنفسه المغادرة الطوعية من مشهد كروي موبوء.

اسألوا خليل عزمي، حارس المنتخب الوطني السابق، لماذا قطع البث مع المغرب، بعد أن عاش في منفاه الاختياري بين أمريكا والإكوادور؟

سيجيبكم: إنها محاولة هروب من نظرات هواة التخوين الذين قدموه كبش فداء، بسبب هدف في مرماه بقذيفة سعودية خلال مونديال أمريكا 1994.

اسألوا محمد الجامعي، الأب الروحي لكرة «الصالات»، كيف اختار الاغتراب طوعا وكراهية، فأطلق على ابنته اسم هاجر وعلى ابنه اسم مهاجر، ليجعل من الهجرة أسلوب حياة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى