الرئيسيةالقانونية

دور القاضي الجنائي في حماية الحيازة العقارية وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه

عبد الكريم الشخش: بــاحــث فـي الـقـانـون
تطرق الفصل 570 من القانون الجنائي إلى حماية الاعتداء على الحيازة العقارية ونص على ما يلي: «يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خلسة أو باستعمال التدليس».
فإذا وقع انتزاع الحيازة ليلا أو باستعمال العنف أو التهديد أو التسلق أو الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين أو كان الجاني أو أحد الجناة يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ، فإن الحبس يكون من ثلاثة أشهر إلى سنة والغرامة من مائتين إلى سبعمائة وخمسين درهما.
وسنحاول من خلال هذه الدراسة أن نناقش العناصر التكوينية لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير:

أولا: انتزاع الحيازة
إن المقصود بالحيازة في الفصل 570 من القانون الجنائي هي الحيازة الفعلية للعقار، بغض النظر عن مدى كون الجاني قد أسس حيازته على أسس قانونية أم لا، وسواء استندت على حق أم لم تستند إليه، فبمجرد وضع يده على العقار ولو كان غاصبا فإن المشرع أفرد له حماية خاصة نص عليها الفصل سالف الذكر، لأن المشرع قصد من حماية الحيازة الحفاظ على استقرار المجتمع وفسح المجال للقضاء، باعتباره صاحب القول الفصل في هذه المنازعات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجريمة تتحقق بمجرد توافر المشتكي على الحيازة التي تفيد وضع اليد أو الحيازة العرضية أو الفعلية، ولا تشترط الحيازة بالمفهوم الذي يثبت به الملك، والتي تعرف في الميدان المدني بالحيازة الاستحقاقية.
ويشكل المنع من التصرف والاستغلال انتزاعا للحيازة، فالمنع يعد عنصر قوة وصورة من صور الانتزاع، ويعتبر كذلك رجوع المتهم إلى الأرض بعد صدور الحكم عليه بشأنها، وبعد تنفيذ هذا الحكم في حقه يعد تعديا على ملك الغير في مفهوم الفصل 570 من القانون الجنائي.
كما أن مجرد شراء عقار لا يعطي الحق لمشتريه بأن يتصرف فيه بانتزاعه من الشخص الذي ثبت له التصرف، لأن النص القانوني يحمي الحيازة دون الملكية، وسواء كان الحائز أسس حيازته على حق أم لا، وبالتالي فلا يحق لهذا المشتري انتزاع الحيازة منه، بل يحق له المطالبة بذلك قضاء في إطار الالتزامات الملقاة على عاتق البائع المتمثلة في تسليم الشيء المبيع.
غير أنه لا يكفي لقيام جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير إثبات حيازة المشتكي للعقار وكذا فعل الانتزاع، وإنما يجب إبراز الوسيلة التي تم بها الانتزاع، وهي تلك الواردة حصرا في الفصل 570 من القانون الجنائي، فلو تم انتزاع حيازة عقار من المشتكي بغير إحدى الوسائل المنصوص عليها حصرا في الفصل سالف الذكر، فإن الجريمة تظل غير قائمة في هذه الحالة.
وعليه فإن كل من يعتدي على هذا الحائز بانتزاعه منه للعقار بإحدى الوسائل المشار إليها في الفصل 570 من القانون الجنائي، يكون قد ارتكب جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير ويتعرض للعقوبة المنصوص عليها.

ثانيا: أن يكون محل الانتزاع عقارا
يشترط الفصل 570 من القانون الجنائي لتحقق جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير أن يكون محل الانتزاع عقارا، والعقار المقصود هنا هو العقار الأصلي دون العقار بالتخصيص، لأن هذا الأخير يبقى في نظر القانون الجنائي منقولا ويعاقب على الاستيلاء عليه بمقتضى النصوص الجنائية المتعلقة بجرائم الأموال هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النص الجنائي يفسر تفسيرا ضيقا ولا مجال لاعتبار العقار بالتخصيص عقارا يحظى بالحماية الجنائية، طبقا للفصل 570.
غير أن الإشكال المثار في هذا الصدد هو أنه في حالة إدانة المتهم من أجل الجريمة، هل يجب الحكم بإرجاع الحالة إلى ماكنت عليه أم لا؟ وفي حالة الإيجاب هل يتم البت فيها في إطار الدعوى العمومية، أم الدعوى المدنية التابعة؟ وهل يتم الحكم بذلك تلقائيا، أم بناء على طلب؟ وما هي الجهة المؤهلة قانونا للبت في الصعوبات الناجمة عن تنفيذ إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه؟
إجابة عن الإشكال المتعلق بمدى ارتباط إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بالنظام العام، نجد قرارين لمحكمة النقض، الأول صدر بتاريخ 16 ماي 1974 تحت عدد 1200، ذهب إلى أن للمحكمة أن تقرر إرجاع العقار إلى حائزه الأول ولو لم يطلب المعني بالأمر، لأنه يعتبر رد ما يجب رده الذي يحق للمحكمة أن تحكم به تلقائيا طبقا للفصل 106 من القانون الجنائي.
ومؤدى هذا القرار أن إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه هو من صميم النظام وتقضي به المحكمة تلقائيا وبدون طلب، في حين ذهب القرار الثاني الصادر بتاريخ 26 يوليوز 1983 تحت عدد 4971 أن المحكمة لا يمكنها الحكم بإرجاع الحيازة إلى صاحبها، إلا إذا طلب منها ذلك، طبقا لأحكام الدعوى المدنية التابعة.
ومؤدى هذا القرار أن إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لا يتعلق بالنظام العام، ما دام أن هذا الإجراء وضع لحماية الطرف المتضرر، أي الطرف المدني، وتبعا لذلك لا يمكن للمحكمة أن تثيره تلقائيا عكس ما لو كان الأمر يتعلق بالنظام العام.
والرأي في ما أعتقد أن التوجه السليم هو اعتبار إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من النظام العام، طالما أن هذا الإجراء مرتبط بالدعوى العمومية، وأنه لا يمكن للأطراف الاتفاق على إمكانية الإفلات من العقاب وعدم جدوى هذا الاتفاق على فرض وجوده، وما دام أن من حق المحكمة أن تثيره تلقائيا، فإن قاعدة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من النظام العام، وأن الأمر بذلك لا يعتبر خروجا عن مبدأ حياد القاضي أو الحكم بما لم يطلبه منه الخصوم، لأنه متى كانت القاعدة متعلقة بالنظام العام فإنه يكون من حق المحكمة أن تحكم بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه دون أن تحتاج في ذلك إلى طلب من الخصوم، وهذا الرأي تعززه مقتضيات الفصل 106 من القانون الجنائي، الذي أجاز برد ما يلزم رده تلقائيا وبدون طلب الأطراف، وكذا مقتضيات المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية.
أما بخصوص الإشكال المتعلق بالجهة بتنفيذ الحكم القاضي بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وبالنظر إلى كوننا من المساندين لاعتبارها جزءا من الشق الزجري ما دامت تشكل عقوبة رادعة للمحكوم عليه إلى جانب العقوبة السالبة للحرية والعقوبة المالية، استنادا إلى فكرة إمكانية إثارة المحكمة لذلك تلقائيا كما سبق، فإن الجهة التي يجب أن يعهد إليها تنفيذ هذا الإجراء هي النيابة العامة، باعتبارها الساهرة على تنفيذ المقررات القضائية التي تعهد بذلك إلى الأعوان التابعين لها في إطار الشرطة القضائية لا إلى قسم التنفيذ التابع للمحكمة.
وبالتالي فإن الجهة المؤهلة للبت في الصعوبات الناجمة عن تنفيذ الحكم القاضي بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه هي المحكمة الجنحية التي أصدرت الحكم، استنادا إلى مقتضيات الفصل 599 من قانون المسطرة الجنائية.

ثالثا: أن يتم انتزاع الحيازة بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفصل 570 من القانون الجنائي
لا تحقق جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير، إلا إذا وقع انتزاع الحيازة بإحدى الوسائل المشار إليها في الفصل 570 من القانون الجنائي، وهي الخلسة والتدليس، أو تم ذلك ليلا أو باستعمال العنف أو الكسر، أو بواسطة أشخاص متعددين، أو كان الجاني أو أحد الجناة يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ.
ويتحقق عنصر الخلسة بانتزاع الجاني حيازة العقار من غيره في غفلة من الحائز أو في غيبته، سواء كانت غيبته بعيدة أو قريبة من مكان وجود العقار المترامى عليه، أما عنصر التدليس فيتحقق بكل الحيل التي من شأنها تضليل حائز العقار بغية الاستيلاء عليه، كما هو الشأن في حالة الإدلاء بمستندات مزورة.
كما تتحقق هذه الجريمة في حالة انتزاع حيازة العقار باستعمال أحد الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 570 كالعنف الواقع على الحائز، وكذا في حالة انتزاع الحيازة ليلا أو باستعمال الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين أو في حالة كون الجاني يحمل سلاحا ولو كان غير ظاهر.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يكفي لقيام جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير إثبات واقعة الانتزاع، وإنما يجب أيضا إبراز الوسيلة التي تم بها الانتزاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى