شوف تشوف

الافتتاحية

رسالة الموظف لـ«البيجيدي»

عاش حزب العدالة والتنمية، ليلة السبت، على وقع زلزال انتخابي قوي بعد السقوط المدوي لمعظم أذرعه النقابية، وعلى رأسها الهزيمة النكراء التي حصدتها نقابته داخل قطاع التعليم، الذي يعد أقوى معاقل الحزب الحاكم، والمنجم المجتمعي الذي يغذيه على السواء بالمناضلين والمصوتين. في النهاية، فإن النتائج الكارثية للأذرع النقابية لحزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المهنية، لا تشكل مفاجأة كبيرة، بل إن عدم تحقق تلك النتائج هو ما كان سيشكل مفاجأة في حد ذاتها. فالمنطق السياسي الذي صوت به ربع مليون رجل تعليم يستحضر المسؤولية المعنوية لنقابة الاتحاد الوطني للشغل في القرارات المجحفة التي مررها حزبها، لذلك كان التصويت ضدها احتجاجيا، ويدل على نشأة تيار عقابي جارف ورافض لكل ما له علاقة بالحزب الحاكم قد يكون له ما بعده.
لقد عاقب الموظف في هذه الاستحقاقات الانتخابية نقابة الحزب الحاكم، لأنها خيبت آماله مرارا وتكرارا على مدى عشر سنوات، فبدلا من العمل على الدفاع عن حقوق الموظف تجاه القرارات الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة التي اتخذتها حكومتا بنكيران والعثماني، وما رافقها من تدابير تضر بأجور ومعاشات رجال التعليم وحقوقهم الاجتماعية والمهنية، انشغلت النقابة بحماية الوجود السياسي لحزبها، مرة بالدفاع الميداني عن قراراته تجاه ردود الفعل، ومرة أخرى بالانتصار للغة الصمت ودفن الرأس في التراب حتى تمر القرارات المجحفة.
لذلك لا تمكن قراءة المزاج الانتخابي لكتلة ناخبة متعلمة وتنتمي إلى الطبقة الوسطى، دون استحضار مؤشر التصويت العقابي في مواجهة نقابة حزب العدالة والتنمية، الذي يتحمل النصيب الأكبر في ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية، فالناخبون المهنيون يتميزون بعقلانية في اختياراتهم وقناعة بتفضيلاتهم، وبالتالي فإن نتائج الانتخاب تعبر عن موقف احتجاجي تجاه المس بمصالحهم من طرف الحزب الحاكم، ومباركة ذلك من طرف نقابته.
وبدون شك، سيحمل هذا الاندحار الانتخابي في معقل حزب العدالة والتنمية ووسط عمقه الطبقي، قلقا جديا واستياء ملحوظا، سيدخله في «مرحلة شك»، قبل ثلاثة أشهر من موعد انتخابات تشريعية وجماعية، ستحدد مستقبل الحزب الحاكم لما بعد عام 2021. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل يمكن أن تضرب ارتدادات هذا الزلزال حزب العدالة والتنمية خلال استحقاقات 8 شتنبر؟ وهل يمكن قراءة ما جرى كتمهيد لإخراج «البيجيدي» من صندوق الاقتراع السياسي، بعد أن قرر نصف مليون موظف إخراجه من دائرة المتنافسين الاجتماعيين؟
من الصعب المغامرة بالقول إن عدوى السقوط النقابي ستصيب حتما الحزب الحاكم، لكن لابد من الإشارة إلى أن أي قراءة دقيقة لاتجاهات التصويت في الانتخابات التشريعية، يجب أن تستند إلى نتائج الجولة الأولى من الاستحقاقات النقابية، التي تبدو أكثر مصداقية في قياس المزاج الشعبي تجاه الأحزاب التي تحتضنها. والمؤكد أن خسارة حزب العدالة والتنمية لعشرات الآلاف من الناخبين الموظفين، سيما في مجال التعليم، تعني فقدان خزان ورهان انتخابي، وبالتالي فهي تجربة مخبرية ومؤشر دلالي لمآلات الانتخابات المقبلة على المستوى الجماعي والتشريعي. وما يدعم هذه الفكرة أن حزب العدالة والتنمية نزل بكل ثقله السياسي والمادي والإعلامي لدعم نقابته، وجعل هاته الانتخابات «تيرمومترا» لقياس مدى نجاح تجربته السياسية، وكان الجميع ينتظر إقامة حفلة الرقص على نتائج الانتخابات المهنية، لكن الزلزال هدم كل الأحلام وأدخل «البيجيدي» وأذرعه في نوبة صمت عميق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى