
محمد اليوبي
بعدما أكدت اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، التابعة للأمانة العامة للحكومة، وجود اختلالات في صفقة بناء المحطة الطرقية بجماعة «والماس» بإقليم الخميسات، التي يترأسها النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، محمد اشرورو، وضع صاحب مقاولة شاركت في الصفقة شكاية لدى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، حول وجود شبهة اختلاس وتبديد أموال عمومية.
وأحال الوكيل العام هذه الشكاية، يوم الجمعة الماضي، على الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرباط، لإجراء الأبحاث والتحريات بخصوص الاتهامات الواردة فيها. وتحدثت الشكاية عن وجود اختلالات وتلاعبات شابت طلب العروض رقم 01/2023 المعلن عنه بتاريخ 31 مارس 2023.
وتنضاف هذه الشكاية إلى ملفات أخرى توصل بها القضاء حول صفقات بهذه الجماعة. وكانت الفرقة الوطنية للدرك الملكي قامت بإجراء أبحاث وتحريات قضائية، بتعليمات من النيابة العامة المختصة في جرائم الأموال، بخصوص الاختلالات التي شابت مجموعة من المشاريع المبرمجة بجماعة «أولماس» التابعة لإقليم الخميسات. وتعد هذه الجماعة القروية من أغنى الجماعات بالمغرب بميزانية سنوية تقدر بأكثر من 15 مليار سنتيم، منها 12 مليار سنتيم تأتي من الرسوم المفروضة على استغلال منابع المياه المعدنية.
شرط على المقاس
أوضحت الشكاية، التي وضعت لدى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، أن رئيس الجماعة طالب المتنافسين بتقديم شهادة التأهيل والتصنيف المتعلقة بأشغال البناء بمادة «الجبص»، رغم أنها غير منصوص عليها في ملف طلب العروض، ولا يوجد لها ثمن بجدول الأثمان والحال أنه كان يتعين على صاحب المشروع عند طلبه المتنافسين لتقديم شواهد التصنيف والتأهيل الاقتصار على تلك المتعلقة بالأشغال المهمة والرئيسية في المشروع، ومنها شهادة التأهيل بالنسبة لحصة الكهرباء، والتي لم يطلبها.
وأكدت الشكاية أن هذه الشهادة تم إعدادها مسبقا على مقاس شركة معروفة، بدليل أن هذه الشركة المحظوظة لا تتوفر على شهادة التأهيل بالنسبة لحصة الكهرباء، ولذلك لم يطلبها رئيس الجماعة أصلا، بغرض إقصاء باقي الشركات المنافسة، وهو ما اعتبرته المشتكية ضربا لمبدأ المساواة والمنافسة الشريفة، وأضافت أن الأخطر من كل ذلك، أن رئيس المجلس الجماعي عمد، ضدا على القانون المنظم للصفقات العمومية، إلى تغيير القطعة الأرضية الأصلية موضوع طلب العروض المفتوح، التي كانت توجد فوقها بنايات تتطلب الهدم قبل إنجاز الأشغال، وهي موضوع الفصل 102 من دفتر التحملات، الذي حددت طبيعتها والأثمان المقابلة للقيام بأشغال الهدم. وأكدت الشكاية أن تغيير القطعة الأرضية كان يستدعي بالضرورة الإعلان عن صفقة جديدة، نظرا لتغيير طبيعة الأشغال من قطعة أرضية تضم بنايات إلى قطعة أرضية عارية.
وتتضمن وثائق الصفقة رصد مبالغ مالية مقابل أشغال هدم المباني والعناصر الخرسانية المسلحة والقواطع بجميع أنواعها، في حين اتضح أن القطعة الأرضية الجديدة المخصصة للمشروع هي أرض عارية أصلا ولا تحتوي على أي بنايات وليست فيها أعمال تدل على أشغال الهدم المذكورة في الصفقة، وأشارت المصادر إلى أن تغيير الموقع المخصص للمشروع يؤكد أن اشرورو أعلن عن صفقة بناء محطة طرقية فوق أرض لا تملكها الجماعة، وأجرى الدراسة المخصصة للمشروع بملايين الدراهم دون حيازة الأرض من أملاك الدولة.
خرق دفتر التحملات
بالنظر إلى جملة الاختلالات التي عرفتها الصفقة المذكورة ما أدى إلى تأخر إنجازها قرابة سنة، وفي الوقت الذي كان من المفروض إلغاء الصفقة، فإن رئيس الجماعة تجاوز كل ذلك وعمد إلى تغيير موقع إحداث المحطة الطرقية دون إجراء دراسة جديدة، بل قام بخرق دفتر تحملات الصفقة، ما نتج عنه أداء أموال عمومية عن أشغال هدم بنيات غير موجودة، وذلك لاستحالة القيام بهذه الأشغال لأن الأرض الجديدة هي أرض عارية وليست بها بنايات، وهو ما يثبته محضر العون القضائي الذي لجأت إليه المقاولة المشتكية، وذلك لإثبات الحالة، وتتوفر «الأخبار» على نسخة منه.
وأقرت اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، في رأي أصدرته بتاريخ 4 يناير 2024، أن جماعة «أولماس» لم يكن من حقها «مطالبة المتنافسين بتقديم شهادة التأهيل والتصنيف المتعلقة بأشغال البناء بالجبص والتي هي غير منصوص عليها في ملف طلب العروض ولا يوجد ثمن لها بجدول الأثمان وأن شكاية الشركة المشتكية مبنية على أساس». هذه الخلاصة جاءت بناء على جملة من الاستنتاجات، منها أن الشركة المشتكية لم تتوصل بجواب واضح عن شكايتها بخصوص الاشتراط الانتقائي لشهادات التأهيل والتصنيف من طرف صاحب المشروع المتمثل في جماعة «والماس»، وأن المواصفات التقنية للأشغال المطلوبة في طلب العروض يجب أن تكون مرتبطة بأثمانها، وأن طلب شهادة التصنيف والتأهيل ترتبط وجوبا بحجم وأهمية الأشغال المطلوبة في الصفقة. وخلصت اللجنة الوطنية إلى أن جماعة «أولماس»، بوصفها صاحبة المشروع، لا يحق لها، في حالة اشتراط تقديم شهادات التأهيل والتصنيف، أن تطلب تقديم الوثائق نفسها التي قدمها المتنافس في العرض التقني (الوسائل المادية والبشرية والشهادات المرجعية…).
وأكدت المصادر أن هذه المعطيات والوقائع تكشف الخفايا الحقيقية من وراء الصفقة، وكيف أن الطابع الانتقائي للشروط كان الهدف منه وضع صفقة على مقاس مقاولة بعينها، سيتضح ذلك عند فتح الأظرفة، إذ أن المقاولة الوحيدة التي تقدمت بعرض قيمته 17.741.148,00 درهما، وهو ما يمثل تجاوزا لكلفة تقدير الأعمال المحددة من طرف صاحب المشروع بـ118.49 بالمئة، لا تتوفر على تصنيف في ما يتعلق بأشغال الكهرباء، بينما تتوفر على تصنيف يتعلق بأشغال الجبص، علما أن اللجنة الوطنية للطلبات العمومية أقرت في استنتاجاتها بأنه لا توجد أشغال خاصة بالبناء بالجبص ولا وجود لثمن يقابلها في جدول الأثمان، وبذلك يتضح السبب وراء استثناء تصنيف الكهرباء والتشبث بتصنيف الجبص، أي أن الصفقة وضعت من البداية لتحصل عليها مقاولة بعينها، بل الأمر تجاوز ذلك إلى إضافة أموال عمومية أخرى للمقاولة المحظوظة.





