شوف تشوف

ضحك ودموع وبارود

وصلت ردود فعل بعض الناجحين في الانتخابات حدودا من الحمق تستدعي فعلا خبرة على قدراتهم العقلية. ففي
بوجدور احتفل ناجح بإطلاق الرصاص فرحا بفوزه، وفي مدن أخرى رأينا المرشحين الفائزين محمولين على الأكتاف يزفهم الناس بالغيطة والطبل لمناصبهم الجديدة.
في الرباط افتتح مستشار تنصيب العمدة بتلاوة سورة المنافقين.
ولم تخل جلسات التنصيب من لقطات غريبة كمحاولة مستشار الانتحار بإلقاء نفسه من فوق الطاولة على الأرض، وإغماء مستشارة وسقوطها أرضا بينما زملاؤها يكملون اجتماعهم غير آبهين بما وقع لها.
أحد الخاسرين في الانتخابات لم يجد شيئا يقوم به انتقاما من أبناء بلدته الذين صوتوا لخصمه سوى حرث الملعب الذي يوجد على أرض في ملكيته حارما شباب البلدة من اللعب. مرشح خاسر آخر أشهر مقلاعه وشرع في رشق موكب خصمه الناجح الذي مر بالقرب من ضيعته.
وأنا أتابع فرحة بعض رؤساء الجماعات بتحملهم لمسؤولية تسيير الشأن المحلي حضرني سؤال محير، هل يعرف هؤلاء أي شأن عظيم هم مقبلون عليه؟
هل يعرفون حجم وجسامة المسؤولية التي حملوها فوق عاتقهم وطوقوا بها أعناقهم؟
والله لو عرفوا ذلك لما تسابق أحد منهم نحو تلك المسؤولية ولفروا منها مثلما يفر الغزال من مخالب الفهد.
لكنهم لا يعلمون، وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟
لكن الحدثين اللذين ميزا هذه الانتخابات هما قضية عبد الوهاب بلفقيه وقضية عبد الرحيم بوعيدة. حيث انتهى الأول نهاية درامية غارقا في الديون والمتابعات فانتحر ببندقية صيد، فيما الثاني انتحر سياسيا ووضع حدا لمساره السياسي.
والواقع أن الخلاف بين الرجلين ليس جديدا، بل يعود لست سنوات خلت، إذ مباشرة بعد الاستحقاقات الجماعية والجهوية لسنة 2015، ظهر فاعلان اثنان على ساحة مجلس الجهة، حيث ترشح كل من عبد الرحيم بن بوعيدة عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وعبدالوهاب بلفقيه عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كل المؤشرات قبل عشر ساعات من انتخاب مجلس الجهة، كانت تشير إلى توفر بلفقيه على أغلبية من 20 عضوا للتصويت عليه من أصل 39 عضوا بمجلس الجهة، غير أنه في ليلة التصويت وقعت متغيرات كثيرة وانتقل عضو من فريق بلفقيه نحو فريق بوعيدة، حيث مالت الكفة إليه، وفاز عبد الرحيم برئاسة الجهة بعشرين صوتا، مقابل 19 لبلفقيه.
تجرع عبد الوهاب بلفقيه مرارة الخيانة والغدر من عضو كان من حلفه، غير أنه لم يبد تصرفا غير مقبول حينها، لكنه اشتغل باستمرار على ضمان بقاء تحالفه قائما، بل إنه خلال السنة الأولى من عمر المجلس تمكن من التوفر على الأغلبية العددية، إذ أصبح فريقه من 20 عضوا، فبدأ مسلسل الضغط على عبد الرحيم بن بوعيدة خلال كل الدورات التداولية، بل إن بلفقيه وتياره كانوا يتتبعون كل صغيرة وكبيرة عن تسيير بن بوعيدة لجهة كلميم واد نون.
خلال دورة يوم 6 مارس 2017 تم نسف الأشغال برشق الحضور بالبيض والطماطم بحضور والي الجهة وعمال الأقاليم الأربعة، وتقدمت حينها أحزاب بالمعارضة بشكاية إلى النيابة العامة لفتح تحقيق حيال هذه الواقعة، خصوصا وأن رئيس الجهة فقد أغلبيته بانتقال أعضاء آخرين من الأغلبية نحو المعارضة.
وابتداء من دورة ماي 2017 دخل مجلس الجهة في نفق مظلم، حيث رفضت المعارضة الكبيرة عدديا التصويت بالقبول على النقط الثماني المدرجة في جدول الأعمال، ما عدا نقطة وحيدة تتعلق باتفاقية شراكة بين مجلس الجهة والجمعيات المكلفة بتدبير مراكز تصفية الدم لاعتبارات إنسانية. كما تم رفض جميع نقط جدول الأعمال لدورة يوليوز 2017 من قبل المعارضة القوية عدديا (20 عضوا) مقابل 18 عضوا مع الرئيس، بسبب أن اللجان الدائمة للمجلس لم تدرس الاتفاقيات المدرجة في جدول الأعمال. وهنا خرج رئيس الجهة واتهم المعارضة بأنها تعارض كل شيء فقط لإرضاء الزعيم، في إشارة إلى عبد الوهاب بلفقيه.
دورة أكتوبر 2018 هي الأخرى تم رفض التصويت على 18 نقطة مدرجة في جدول الأعمال، والتصويت بالقبول على 3 نقط منها الطريق السريع تيزنيت الداخلة، كما رفضت دورة أبريل 2018 من قبل المعارضة ذات الأغلبية العددية (21 عضوا للمعارضة مقابل 18 للرئيس). وخلال هذه الدورة حدث خلاف قانوني حول مسألة انتخاب أعضاء بعض اللجان الدائمة الذين قدموا استقالاتهم منها، إضافة إلى انتخاب رئيس لجنة المالية والبرمجة الذي كان قد توفي حينها، فتدخل عبد الوهاب بلفقيه أثناء الدورة وأشار إلى أن القانون الداخلي واضح، وأن هؤلاء المستقيلين قدموا طلبات الاستقالة ولم يتم البت فيها بعد، الأمر الذي أغضب بن بوعيدة الذي أقسم بأغلظ الأيمان أن تشكل اللجان من فريقه فورا، فتبادل الشد والجذب مع بلفقيه، ليتدخل من جديد بن بوعيدة موجها كلامه لبلفقيه قائلا “أنت شفار وسراق كبير”، ورد عليه بلفقيه “أنت عبد الرحيم بوعيدة أكبر شفار”.
هكذا وصلت العلاقة بين الرجلين إلى مستوى القطيعة، إلى أن تدخلت وزارة الداخلية، وأوقفت مجلس الجهة لسنة واحدة لفسح المجال للفرقاء السياسيين للتفاهم في ما بينهم، لكن لم يحدث ذلك، فتم تجميد المجلس لسنة إضافية أخرى، وعندما اكتشفت وزارة الداخلية أن الأمر باق على ما هو عليه، تم إرغام عبد الرحيم بن بوعيدة على تقديم استقالته من رئاسة المجلس وتم انتخاب ابنة عمه مباركة عضو المجلس التي استقالت من كتابة الدولة في الصيد البحري حينها لتولي تسيير مجلس الجهة، بعد التوافق مع أعضاء تيار بلفقيه الذين دخل بعضهم التسيير واستمر الوضع إلى نهاية الولاية.
الخلاف بين عبد الوهاب لفقيه ومباركة بوعيدة لم يكن قائما من قبل، بل إنه وليد الانتخابات الأخيرة للثامن من شتنبر، حيث إن مباركة بوعيدة ترشحت وكيلة للائحة التجمع الوطني للأحرار لمجلس الجهة، كما ترشح بلفقيه هو الآخر وكيلا للائحة الأصالة والمعاصرة لمجلس الجهة، ففاز الاثنان معا، إذ حل بلفقيه في المرتبة الأولى بـ 12 مقعدا، وحلت امباركة بوعيدة ثانية بـ 10 مقاعد، وخلال عمليات الاستقطاب لتشكيل المجلس كان بلفقيه يتوفر على الأغلبية التي تمكنه من الظفر برئاسة مجلس الجهة، وبالتالي الثأر لمنصبه الذي فقده سنة 2015 بسبب تدخل مباركة بوعيدة لصالح ابن عمها آنذاك، كما أن مباركة هي الأخرى كانت تراهن على الظفر برئاسة الجهة لولاية ثانية، غير أنها كانت ترى ذلك بعيدا خصوصا أمام آلة انتخابية كبيرة اسمها بلفقيه. هذا الأخير الذي أصيب في مقتل مباشرة بعدما طلب منه سحب ترشيحه لرئاسة الجهة في إطار التوافقات المركزية، إلا أنه رفض ذلك، وأكد لمطالبيه بذلك أنه يتوفر على أغلبية مريحة للظفر بالرئاسة، لكن أمام إصراره على الترشح، سحب وهبي التزكية الحزبية منه للرئاسة، الأمر الذي لم يستسغه، وهو ما وصفه ب”الغدر”، فما كان منه إلا أن قرر دعم ابن قبيلته وصديقه المرشح المنافس الاتحادي محمد أبو درار الذي تعرض للطرد هو الآخر من رئاسة فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب. وقد كانت الأغلبية من جديد لدى أبو درار للظفر برئاسة مجلس الجهة وبالتالي الثأر لبلفقيه، إلا أن أعضاء آخرين من الأغلبية ذاتها انتقلوا عشية التصويت على رئيس المجلس إلى فريق مباركة بوعيدة بعدما وضعت شكاية بتهمة احتجاز منتخبين بمراكش.
والبقية تعرفونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى