
يونس جنوحي
خبراء الدقيقة الأخيرة، الذين يتخصصون في مواضيع استراتيجية كبرى دون أن يغادروا مكاتبهم في مراكز الدراسات، يسقطون دائما في فخ الأعراض الجانبية لاستهلاك المقالات المُعادية لبعض الدول.
وهكذا، فإن أكثر من خبير في العلاقات الدولية، وقضايا شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كانوا يعتقدون أن «البوليساريو» شعب مضطهد، وأن «جامعاته» موصدة من طرف السلطات المغربية!
في حين أن البوليساريو لا توجد إلا في غرف الطابقين الخامس والسادس – بحكم أنهم يخشون المُرتفعات- في بعض فنادق العواصم الأوروبية. بل وحتى مساحة مخيم تندوف لن تسعفهم بتأسيس جامعة، ولو أسسوها فعلا للزمتهم ميزانية سنوية، سوف تفوق بالتأكيد ميزانية «البحث العلمي»، فقط لإزالة الرمال عن مدخل هذه الجامعة التي لن يدرس فيها أحد.
الذين كانوا يدافعون عن البوليساريو وحقها في الوجود، قبل سنوات، كانوا يعتقدون أن هناك فعلا بلدا يناضل أبناؤه من أجل استقلالهم. لكن عندما اطلعوا على حقيقة ما يقع في الصحراء، اكتشفوا أن البوليساريو غير موجودة أصلا، ولا يتعلق الأمر سوى بـ«ميليشيا» ترابط على الحدود الجزائرية. وكلما ازداد عدد التقارير التي تتعلق بوضعية سكان المخيمات في تندوف، إلا وتناقص عدد داعمي البوليساريو، أفرادا وجماعات.
أخيرا فقط تحدثت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عن تورط البوليساريو مع الشبكات المسلحة، التي دعمتها إيران في السنوات الأخيرة، في سياق الأحداث وجرائم الحرب التي شهدتها الأراضي السورية في ظل النظام السابق.
لا يتعلق الأمر بمشاركة مقاتلي البوليساريو على الميدان، بقدر ما يتعلق بأنشطة تهريب السلاح عبر الحدود في الصحراء الإفريقية، صوب الجزائر، ومنها إلى نقاط أخرى تعرف وجود جماعات مسلحة تابعة لـ«داعش».
هذا التقرير الأمريكي، القديم الجديد، يعيد فقط التأكيد على الاتهامات التي وجهت إلى الجزائر سنة 2017 بشأن العلم المسبق بعبور مقاتلين من تنظيم الدولة من دول جنوب الصحراء، لكي يشاركوا في القتال داخل الأراضي السورية.
لم يتحرك الجزائريون لإيقاف تلك الرحلات التي عبرت من التراب الجزائري، رغم علمهم المسبق بطبيعة الأنشطة التي يزاولها أفراد تلك الجماعات المسلحة.
وبدا واضحا أن إيران كان لديها يد في الموضوع، قبل أن يذكرها هذا التقرير الأمريكي، عندما تم اكتشاف طائرات مسيرة إيرانية، مُنحت للجزائر، بهدف استعمالها للتجسس على الحدود الشرقية للمغرب، لكن الجيش المغربي أسقطها بالصواريخ المضادة للطائرات المُسيرة، وهو ما شكل هزيمة مُدوية.
بعض أفراد البوليساريو المتورطين في تهريب السلاح، بحكم الأرباح المالية الكبيرة التي يراكمونها من خلال تهريب السلاح عبر شمال إفريقيا، خصوصا عبر صحراء الجزائر وليبيا، اعترفوا فعلا بأنهم من تنظيم البوليساريو، وهم الآن محتجزون لدى قيادة النظام السوري الجديد.
التقرير الأمريكي يقول إن سوريا تعمل الآن على تجفيف مستنقع الجماعات المسلحة، ومن بينها مقاتلو البوليساريو الذين اعتُقلوا متلبسين بتهريب السلاح إلى سوريا خلال الحرب. والتقرير يقول بوضوح إن البوليساريو جماعة إرهابية «تتخذ من الجزائر مقرا لها».
المساعي السورية الجديدة التي تحدث عنها التقرير الأمريكي، والذي كانت «واشنطن بوست» سباقة إلى الإعلان عن مضامينه للرأي العام الدولي، يتمثل في تأمين الحدود البرية من الأنشطة المسلحة والجماعات الإرهابية، وهذه خطوة حازت على تأييد دول الاتحاد الأوروبي، قبل الولايات المتحدة.
وهكذا يكون أنصار البوليساريو قد تلقوا ضربتين، الأولى أن الاتحاد الأوروبي يوافق على تصنيف الجماعة بأنها منظمة إرهابية، أي استحالة دعمها في المستقبل أو الاعتراف بها.
والثانية استحالة إنكار انتساب المقاتلين الذين جرى إيقافهم إلى البوليساريو.. وكما تعلمون، ضربتان على الرأس لا توجعان فقط، بل تفقدان الوعي.