شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

طعنة بنصف مليون دولار

 

 

يونس جنوحي

كيف وصل مخطوط مغربي إلى ملكية سيدة عُرض عليها مبلغ 30 مليون سنتيم – فقط لا غير- لبيعه إلى أحد «صائدي» التحف؟

لا حاجة هنا إلى فتح تحقيق في الموضوع، فبعض التحقيقات مضيعة للوقت، خصوصا عندما تجتمع كلمتا «تحفة» و«الدولار» في نفس القضية.

العام الماضي ظهرت رسالة تحمل خاتم السلطان المغربي المولى إسماعيل، الذي توفي سنة 1727، في متحف «إنليبريس» في فيينا، عاصمة النمسا. وحسب خبراء المخطوطات في إدارة المتحف، فإن بعض عبارات الرسالة مكتوبة بماء يحتوي على ذرات من الذهب. وقد كان شائعا في ذلك الوقت أن يُكتب اسم الجلالة والبسملة بماء الذهب، في جل الرسائل التي يوجهها السلطان المغربي إلى ملوك أوروبا على وجه الخصوص.

قدرت قيمة الرسالة بما يقارب 28 مليون سنتيم، وهو مبلغ منخفض جدا مع القيمة الحقيقية للوثيقة.

صائدو التحف تربصوا لسنوات طويلة بمكتبات أحفاد الدبلوماسيين الأجانب.

وكانت سبعينيات القرن الماضي أوج هذه الهواية، التي تحولت إلى حرفة. ففي ذلك الوقت توفي كل الدبلوماسيين الأجانب الذين حضروا أحداث فترة 1880 و1900، أو انتقلت إليهم وثائقها الرسمية.

كما أن فترة الحرب العالمية الثانية ما بين سنتي 1939 و1944 كانت هي الأخرى حاسمة في ظهور واختفاء وثائق ولوحات فنية وأغراض وتحف ملوك ورؤساء وسفراء ودبلوماسيين حل معظمهم في المغرب، وحصلوا على هدايا فاخرة، أو اشتروا بأنفسهم مقتنيات مغربية مصنوعة من مواد نفيسة، خصوصا الأحجار الكريمة.

الإنجليز هربوا لوحاتهم التاريخية إلى طنجة الدولية. وطبعا، لم تعد كلها إلى بريطانيا بعد الحرب، وفُقدت بعض اللوحات النادرة خلال رحلة الذهاب والإياب عبر مضيق جبل طارق.

السماسرة الذين كانوا يعيشون في طنجة الدولية، أسوأ من النازيين. هذا هو الدرس البليغ الذي تعلمه مالكو التحف الإنجليز وتحملوا في سبيله خسائر فادحة.

مذكرات «آلين غريفيث»، وهي مواطنة أمريكية إسبانية، درست الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية في ثلاثينيات القرن الماضي، كشفت جانبا مهما من أنشطة هذه الشبكة التي ابتلعت تحف مغربية لا تقدر بثمن.

السيدة «آلين»، جندتها وكالة الاستخبارات الأمريكية لكي تتجسس على الإسبان، أيام حكم «فرانكو»، وقدمت إلى مدريد على أساس أنها «ملكة جمال» تُنشر صورها على أغلفة المجلات. تزوجت رجل أعمال إسباني ثري أصبح لاحقا رئيسا للوزراء في ستينيات القرن الماضي، وربطت صداقات مع أثرياء من المغرب وفرنسا.

وعندما تقاعدت من العمل لصالح الاستخبارات الأمريكية، نشرت مذكراتها في تسعينيات القرن الماضي باللغة الإنجليزية، وتحدثت مطولا عن عادات المشاهير والنجوم الأجانب الذين كانوا يأتون لقضاء عطلهم في المغرب، وكيف أنهم كانوا يتباهون بالمقتنيات التاريخية التي «يصيدونها» في البازارات، خصوصا في فاس ومراكش. حتى أنها كتبت تقول، بثقة، إن نجوم السينما الأمريكية حصلوا في المغرب على خناجر مرصعة، صُنعت قبل 300 سنة، واقتنوها بمبالغ مناسبة جدا.

لا عجب إذن أن يظهر خنجر مغربي في منصة إلكترونية لبيع التحف، يقدر الخبراء قيمته الحقيقية بنصف مليون دولار، وحددوا سنة صنعه في الفترة ما بين 1870 و1880، بينما المغاربة أنفسهم لم يعودوا يصنعون هذا النوع من الخناجر.. كما أن المغاربة أنفسهم، حتى الحرفيون منهم والمتخصصون، لا يتوفرون على خناجر مشابهة، ولم يعد لها أثر إلا في الصور التاريخية القديمة.

تفرقت الخناجر فوق الخريطة، ولم ننتبه إلى أننا لم نعد نملك منها أية قطعة.

الأمر أشبه بتلقي طعنة غادرة في الظهر. لكن الفرق أنها وُجهت إلينا بخنجر مرصع بالألماس، صنعته أياد محلية منقرضة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى