الرأيالرئيسيةسياسية

عالم مُتعَب..

يونس جنوحي

 

ونحن نقترب من طي صفحة سنة قاسية بكل المقاييس، تشحذ منظمات دولية كثيرة سكاكينها، لكي تبدأ سلخ التعتيم عن حقائق اقتصادية مرعبة تنتظر العالم شرقا وغربا، وجنوبا أيضا.

الأوضاع في الأراضي الفلسطينية عرفت احتقانا كبيرا أعادنا سنوات إلى الوراء، وانكشفت خطة الزحف الكبيرة لمسح القطاع والضفة من الخريطة بشكل نهائي، ودحر الفلسطينيين إلى خارج الحدود.

الزلزال المدمر الذي عرفته منطقتا الحوز وتارودانت امتحن صبر المغاربة وروح التآزر لديهم، ونحتاج سنوات متواصلة من العمل لكي نتجاوز معا تداعيات هذه الكارثة.

على المستوى الاقتصادي، العالم كله يترقب ما سوف تؤول إليه الأوضاع، سواء في إفريقيا أو في آسيا، بحكم أن الأزمة الاقتصادية العالمية ما زالت تضرب هزات ارتدادية لا تحس بها إلا الدول التي لديها اقتصاد هش.

وعلى ذكر هذه الهشاشة، فنحن مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى تأمل حال بعض الدول، لا يربطنا بها أي شيء، لكن من المهم جدا استخلاص الدروس من الأوضاع الاقتصادية المُزرية التي تعيشها، حتى لا نسقط في الفخ نفسه.

قبل أسبوعين صدرت مقالات مهمة تدق ناقوس الخطر، بخصوص الوضع الاقتصادي «العجيب» الذي تعيشه بلاد «لاوس».

ولمن لا يعرف هذا البلد، فإنه يقع في جنوب شرق آسيا، بين تايلاند وفيتنام، وتحتاج فعلا إلى أن تستعمل الأصبعين معا لتكبير الخريطة حتى يتسنى لك تفحص موقع هذا البلد على الخريطة.

«لاوس» تمر بأزمة اقتصادية خانقة جدا، وغير مسبوقة، بسبب مديونيتها للصين. وهو ما يجعل مستقبلها الاقتصادي في مهب الريح.

وبحسب التقارير الدولية، فإن الصين تحتل الرتبة الأولى، وبفارق شاسع جدا عن بقية الدول، في لائحة الدول المُستثمرة في «لاوس». ومنذ سنة 2013، والصين تحافظ على هذه الرتبة.

الحظوة الصينية لا تهم فقط مجال الاستثمار والتحكم في السوق، وإنما تتمثل أيضا في منح قروض بشروط تعجيزية، بالإضافة إلى تمويل آخر يتعلق بالاستثمار في البنيات التحتية، وهو ما يعتبره اقتصاديون حول العالم نوعا جديدا من الاستعمار في القرن الحادي والعشرين، ابتكره الصينيون.

هذا التمويل همّ خصوصا إنشاء مشاريع السكك الحديدية والطرق السريعة والسدود المخصصة لتوليد الطاقة الكهربائية.

ما يقلق المتخصصين في الشأن الآسيوي أن ديون «لاوس» قفزت في زمن قياسي جدا، وأصبحت الآن تتجاوز أكثر من 100 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. البنك الدولي، حيث لا مكان أبدا للتفاؤل وبث خطاب الأمل، يقول إن الدين العام في «لاوس» مرشح لكي يصل إلى نسبة 122 في المائة مع نهاية هذا العام. وقد ثبت فعلا أن هذه النسبة قد تحققت، مع اقتراب نهاية السنة الحالية التي لم يعد يفصلنا عن طيها سوى أسابيع فقط.

ما زاد من تعميق أزمة هذا البلد، الذي يزخر بمؤهلات طبيعية خلابة، ارتفاع كبير في التضخم، بالإضافة إلى أزمة كبيرة في العملة. إذ إن العملة الحالية انخفضت كثيرا مقابل الدولار الأمريكي، مما أثار مخاوف بشأن الاستقرار العام لاقتصاد البلاد. ورغم جهود زيادة أسعار الفائدة، وإصدار السندات، ودعم بنك التنمية الآسيوي لبعض المشاريع المحلية، وتقديم مساعدات لجدولة تسديد الديون، إلا أن هذا كله لم يساعد في وضع حلول ملموسة على أرض الواقع لتخفيف حدة الأزمة.

التخوف الكبير الذي يعيشه الآن مسؤولو هذا البلد، رغم تقديم الصين لمُهلة في وتيرة تسديد الديون، يتعلق بما يسميه الاقتصاديون «فخ المديونية»، بحيث تصبح الصين بموجبه، ذات أحقية في الوصول إلى أصول البنية التحتية في «لاوس»، ما دامت قد مولت إنشاءها خلال السنوات الأخيرة.

سنة قاسية يعرفها العالم، اجتمعت فيها الكوارث الطبيعية شرقا وغربا، مع الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون، وتنخر فيها الأزمة الاقتصادية التي يبدو أنها عمرت في كثير من الدول، أكثر مما يجب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى