شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

كارثة في بحر الصين «العظيم»

 

 

يونس جنوحي

بداية هذا الشهر نُشر تقرير بيئي جعل الذين يعرفون حقيقة ما ينتظر العالم من أيام عصيبة، يضربون الأخماس في الأسداس، ولا يملكون طبعا سوى التفرج على العالم وهو يتجه إلى الهاوية.

يتعلق الأمر بمنطقة بحر الصين الجنوبي التي تعرف تدميرا مُمنهجا بسبب ما أسماه التقرير «الصيد المكثف وأعمال الجرف لإنشاء أراض جديدة، وأنشطة صيد المحار العملاق».

هذه الأنشطة جعلت أنواعا بحرية نادرة تنقرض تماما. نتحدث هنا عن أزيد من 6500 نوع من الكائنات البحرية الفريدة، أدى انقراض معظمها إلى حدوث اختلال في المنظومة البيئية.

تُوجه منظمات بيئية وطبيعية أصابع الاتهام مباشرة نحو الصين باعتبار أنها القوة الاقتصادية الكبرى في العالم المطلة على هذا البحر. إذ إن الصين أقامت، في السنوات الأخيرة، عددا من المشاريع والمنشآت الصناعية في قلب بحر الصين الجنوبي، وهو ما جعلها تُجهز حرفيا على الشعاب المرجانية أثناء عمليات الجرف التي أجريت على مستوى قاع البحر. نتحدث هنا عن كيلومترات مربعة دُمرت تماما لإنشاء الوحدات الصناعية وتوسيع القواعد بما فيها قواعد التنقيب على البترول أو إنشاء محطات توليد الطاقة.

وحسب ما نشرته صحيفة «فياتنام تايمز» قبل أيام، فإن الصين أطلقت، ما بين سنتي 2013 و2017، عمليات جرف واسعة للقواعد البحرية وذلك لإنشاء جُزر اصطناعية. وقطعت آلات الحفر بسبب ذلك مساحات من الشعب المرجانية وضخت آليات الحفر الرواسب إلى المناطق البحرية الضحلة، وهو ما مكن الصين من الحصول على مساحات في عرض البحر خُصصت لصب النفايات، وهو ما أدى إلى ما يعرف علميا بـ«تعطيل قاع البحر»، وبالتالي خنق الحياة البحرية ومنع الشعاب المرجانية من إعادة النمو.

هذه الكارثة البيئية الآخذة في التفاقم طمست معالم الحياة البحرية في منطقة بحر الصين الجنوبي بشكل يضرب عرض الحائط كل القوانين البيئية.

ورغم أن تحليل صور الأقمار الصناعية كشف حجم الأضرار الناجمة عن عمليات الجرف البحري، إلا أنه لم تُسن أي عقوبات ضد الشركات الصينية التي تتبع معظمها للحكومة. وحسب ما كشفته التقارير المرتبطة بالموضوع، فإننا نتحدث عن أزيد من 4648 فدانا من الشعب المرجانية كلها دُفنت تحت ركام الأتربة لإعداد مطارح النفايات. في حين أن حصاد بعض الأصداف الثمينة يجري بصورة غير ممنهجة وخارج القانون، وهو ما أدى إلى انقراضها. وهذه الأصداف يتجاوز سعر الواحدة منها مئة ألف دولار، لتشابهها الكبير مع عاج أنياب الفيلة.

الصين تدفع في اتجاه تكثيف الأنشطة البحرية ورفع الإنتاج، حتى أن الحكومة شجعت الصيادين على صيد الأسماك الكبيرة، وهو ما أدى إلى استنزافها، في وقت تسن جل حكومات العالم قوانين صارمة لمنع صيد الأسماك في أوقات معينة من السنة، وتُحرم استعمال بعض شباك الصيد الضيقة للحفاظ على تناسل القطعان واستمرار النوع.

حاولت بعض المنظمات منع عمليات صيد المحار العملاق في بحر الصين الجنوبي منذ 2017، إلا أن الصور المُحصل عليها بالأقمار الصناعية، والتي تعود إلى سنة 2019، كشفت استمرار أنشطة الصيد رغم أنها رصدت انتشار بواخر قوات خفر السواحل الصينية، التي ظلت تراقب بواخر صيد المحار دون أن تتدخل لمنع هذا الاستنزاف للثروة البحرية.

هذه المنطقة توفر نسبة مهمة من احتياطي الأسماك في العالم، تتجاوز 12 في المئة، وأنشطة الصيد توفر دخلا اقتصاديا لملايين الأسر.. لكن عمليات الاستنزاف والتلوث الصناعي وأشغال الإنشاء، كلها تتجه نحو الإجهاز على الحياة البحرية. وتزداد المخاوف البيئية مع تأكد ارتباط انقراض أنواع من الكائنات الحية بالتقلبات المناخية، وهو ما يُنذر حتما بوقوع كارثة بيئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى