شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

كذب المنجمون

في مونديال قطر، سقطت العديد من الحصون الصامدة لعقود من الزمن، وانهارت بورصة القيم لدى كبار المنتخبات وانتهت صلاحية معتقدات آمنا بها وصدقناها وحولناها مع الزمن إلى دستور للكرة.

مقالات ذات صلة

في مونديال قطر، اتفق العرب على أن يتفقوا على حب منتخب يمثلهم ويحفظ ماء وجوههم في زمن جفت المنابع والوديان. في كأس العالم، وقف العرب صفا واحدا وراء قطر حين رفضت حشر المثليين في مدرجات ملاعبها وأصرت على ألا يقرب المشجعون الكرة وهم سكارى.

في هذا الملتقى الكروي، سقطت توقعات خبراء الفيفا، حين وضعوا قرعة موجهة ورسموا مسار الكبار وفتحوا أبوابا خلفية لخروج الصغار. خذل المحللون مشغليهم ومتابعيهم حين خرج من تحت الجلباب منتخب «منبت الأحرار» وكسر قواعد القرعة ورمى بأشلائها في البحر.

في النسخة العربية من كأس العالم سقطت مقولة «الخروج بشرف» بالتقادم، وأصبح الإيمان بلازمة «المهم هو المشاركة» إدانة بنشر اليأس وترويج الخذلان، لم يعد أحد يقبل أن تظل طائرة منتخب في حالة تأهب للعودة بعد انتهاء الدور الأول.

في كأس العالم، التي ما زالت تجري مبارياتها الآن، كانت آمالنا وأمانينا تدور في فلك «الستر»، فلم نكن نرغب في أكثر من أن نخرج من المونديال دون أن نصبح مادة للسخرية لبقية أمم الأرض. ولم يكن سقف أحلامنا يتجاوز خياشيمنا، بل وكانت مبررات الخروج المبكر جاهزة تنتظر إشارة النشر. لكن جاءت من الدوحة إشارة النصر وأصبحنا محل إشادة وإعجاب العدو قبل الصديق.

لم يعد الخروج بأقل الهزائم خروجا بشرف، ولم يعد في القلب متسع لقبول انسحاب مبكر من محفل كروي كوني، ومع منتخب وليد استعادت مقولة «ما حك جلدك مثل ظفرك» عافيتها.

لن يحكي أجدادنا عن أساطير الكرة المغربية الذين خرجوا من مونديال 1970 مبكرا، ولن ننصت لحكايات لمؤرخين ربطوا هزائم منتخب بالأبيض والأسود بمؤامرات المستعمر الغاشم فصدقناهم.

اليوم من حق الجيل الحالي أن يروي قصص مغامرة منتخب قاده «رأس لافوكا» وسار في ركبانه لاعبون منتصبو القامات مرفوعو الهامات، بعد أن فشل رؤوس «الباذنجان» في قيادة المنتخب الوطني إلى بر الأمان.

في كأس العالم لم يعد التصنيف العالمي للمنتخبات «همة وشان»، فالكرة تعلمنا دروس الديمقراطية والمساواة بين الشعوب، أن تكون المصنف الأول عالميا لا يعني قدرتك على الفتك بمنافسيك، فكثير من أصحاب التصنيفات المتقدمة تابعوا المونديال في بيوتهم بعد أن عجزوا عن استخلاص تذكرة عبور.

تحطمت معتقدات صمدت لسنوات ضد عاديات الزمن، وآمن بها هواة الفأل والتطير، بل ونشروا دعوتها في مجتمع جاهز لتصديق التخاريف حين يتعلق الأمر بالكرة. قيل إن هزائم منتخبنا يتحمل جزءا منها مشجع يدعى ظلمي، وكلما ظهرت طلعته على شاشة التلفزيون قبل كل مباراة دفن المشاهدون وجوههم بين أيديهم وقالوا «هذا نحس مبين» ومنهم من طالب بإخلاء المدرجات من «القواسة» وتمشيطها من كل شاهد على عصر النكبات.

حصل «ظلمي» على شهادة البراءة من تهمة «التقواس» فطالب برد الاعتبار، وكلما تقدم منتخبنا خطوات إلى الأمام تهاطلت على المشجع زخات الاعتذار.

يكفي أن تنتصر في مباريات كأس العالم لتصبح قوة عالمية يهابك رجال السياسة والاقتصاد ويدين لك الشعراء بقوافي المديح وينسحب من أمامك الشعراء الصعاليك الذين رابطوا لسنوات أمام مقرات إقامتك.

في أقل من أربع وعشرين ساعة بلغ عدد التدوينات والتغريدات المتعلقة بالمغرب قرابة مليون ونصف مليون تدوينة وملايير النقرات الباحثة عن المغرب، هذا الترويج حطم رقما كان في حوزة المغرب في نكبة ريان، لكنه اليوم يرتبط بفرحة وليد وبسعادة شعب حول الكرة إلى عقيدة. 

مع «أسود الأطلس» كذب المحللون ولو صدقوا.

حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى