شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

لاجئون شرّدهم الألماس..

 

مقالات ذات صلة

 

يونس جنوحي

آلاف المواطنين في غرب زامبيا، الذين يعيشون قرب مناجم «كانسانشي»، غادروا منازلهم في رحلة نزوح جماعي، بدأت منذ سنة 2005، لكنها تشهد حاليا ذروتها، بسبب عدم احترام شركات التنقيب للمعايير الدولية وحتى القوانين التي وضعتها زامبيا.

في النصف الأول من العام الماضي، حققت شركة تنقيب واحدة فقط، ما يناهز نصف مليار دولار من الأرباح الصافية. وهو ربح خيالي لا يمكن تحقيقه إلا في ظروف تنقيب مستمرة لا تتوقف. وهو ما أقرت به الشركة نفسها، عندما أعلنت أنها وسعت من مساحة المناجم، وهو ما أجبر العائلات على مغادرة منازلهم.

بعض هذه المنازل والقرى تدخل في إطار الموروث الثقافي للإنسانية، واعتاد ملايين السياح سنويا حول العالم، أن يأتوا إليها ليعيشوا تجربة القبائل التي تسكن هناك منذ آلاف السنين بجوار المحميات الطبيعية.

وكل هذه المناظر تبخرت حاليا، بسبب أنشطة استخراج الألماس والمعادن النفيسة التي يدخل بعضها في صناعة الأسلحة والتكنولوجيات الدقيقة.

السكان الذين أجبروا على النزوح، تدبرت الحكومة الزامبية أمر تحديد مواطن جديدة لإيوائهم، لكن المتابعين لهذه القضية يتحدثون عن البُعد الإنساني، ويؤكدون أن هؤلاء النازحين أعيد إسكانهم في «مناطق غير مناسبة»، لا تتوفر فيها الأراضي الصالحة للزراعة وتربية المواشي.

وهذا ما يعني أن عادات هذه القبائل منذ آلاف السنين، تتجه نحو الانقراض. ولن يستطيع أفرادها بعد اليوم ممارسة أنشطتهم الزراعية ولا تقاليد صيد السمك، التي تُعتبر تراثا إنسانيا بشهادة المنظمات الدولية.

بعض التقارير تحدثت عن سيطرة شركات صينية على مجال التنقيب عن المعادن النفيسة، والمعادن الأخرى التي تدخل في عصب الصناعات التكنولوجيا الدقيقة. وهذه الشركات الصينية، بشهادة المنظمات الحقوقية، لا تحترم قوانين زامبيا ولا توصيات المجتمع الدولي بشأن استفادة سكان المناطق القريبة من المناجم، من عائدات هذه المناجم، ولو بطريقة غير مباشرة.

وما يقع، يعارض تماما كل التوصيات. فبدل أن يستفيد السكان من أنشطة ثقافية واقتصادية، تُمول من عائدات استخراج الألماس والنحاس والذهب، يكافؤون بتضييق المساحات التي يعيشون فيها سنة بعد سنة، ويُرحّلون منها لكي تتوسع المناجم على حساب وجودهم فوق أراض أجدادهم، التي يعمرونها منذ أكثر من ألف سنة.

بل إن شركة صينية أعلنت أخيرا توظيفها لتكنولوجيا الذكاء الصناعي، لتطوير عمليات التمشيط عن المعادن، وهو ما يعني تحديد نقاط استخراج جديدة، سوف تقلب حياة من يعيشون بالقرب منها رأسا على عقب.

أنشطة استخراج الألماس، دمرت حياة آلاف السكان القرويين، ولم يلتف أحد إلى مأساتهم. بل حتى المتخصصين في التراث الإنساني، لم يصمدوا طويلا في رحلة التنبيه إلى مخاطر الإجهاز على ثقافة قبائل تعيش منذ أكثر من عشرة قرون في نفس الظروف وتحافظ على نفس التقاليد والأنشطة الزراعية..

النازحون من غرب زامبيا اتجهوا إلى مناطق أخرى لا تصلح للعيش، بحسب ما جاء في التقارير الدولية، وهو ما يعني أن وجود هؤلاء السكان – وهم بالآلاف حتى الآن- مؤقت فقط، وأنهم سوف ينزحون لا محالة، إلى أماكن أخرى، خارج حدود زامبيا.

بسبب مناجم التنقيب الصينية التابعة لشركات لا تمارس أي نشاط من الأنشطة الإنسانية أو الخيرية، سوف يتحول غرب زامبيا قريبا إلى أرض خلاء لا يظهر منها في صور الأقمار الصناعية سوى دخان المناجم وآلات النقل الثقيلة. في حين أن الزامبيين، قد يتابعون هذه المشاهد مستقبلا على شاشات التلفزيون في مراكز اللجوء.. إن قبلت بهم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى