
تتواصل فضائح المجالس الجماعية وتورط أعضاء في جرائم خطيرة تتعلق بالنصب والاحتيال والتزوير والاتجار في المخدرات والرشوة الانتخابية، وتسخير شبكات التشهير والابتزاز لإرهاب الأصوات المعارضة والصحافة المهنية، بواسطة جرائم الطعن في الأعراض والتهديد، حيث وصلت الأمور حد تصريح عضو بجماعة أولاد الطيب بفاس، في جلسة رسمية واعترافه جهرا أمام ممثل وزارة الداخلية بقبض رشوة أربعة ملايين سنتيم من الرئيس دون التصويت عليه، علما أن العضو نفسه قضى عشرة أشهر بالسجن في ملف للاتجار في المخدرات.
إن توالي فضائح أعضاء بالمجالس الجماعية، دون التفعيل الأمثل لربط المسؤولية بالمحاسبة يرفع من خطر طوفان التمييع الذي ضرب العمل السياسي، وتسفيه دور الجماعات الترابية كمؤسسة دستورية في التنمية والتشغيل والاهتمام بانشغالات المواطنين اليومية، والتفاعل مع الشكايات والمطالب وفق سياسة القرب.
لقد تجاوزت التصريحات الخطيرة بالفساد والرشوة والنصب والاحتيال وجرائم المخدرات وغيرها كل الحدود خلال انعقاد الاجتماعات الرسمية والتداول في نقاط جداول أعمال الدورات، ما يتطلب تدخل النيابة العامة المختصة لإعادة الأمور إلى نصابها، لأن المزايدات الانتخابوية لا تعني الفوضى وتشمل انتقاد تسيير الشأن العام المحلي، مع تقديم ما يفيد بشأن كل اتهامات الفساد، وليس تدمير وجه المؤسسات الرسمية بالتصريحات الخطيرة والدفع في اتجاه التطبيع مع الفساد داخل المجالس الجماعية وأثناء انتخاب المكاتب المسيرة والحملات الانتخابية.
ومع اقتراب الحملة الانتخابية، يجب الحسم في شأن الملفات القضائية التي يتابع فيها أعضاء ورؤساء جماعات وبرلمانيون، والوضوح بشأن عودة منتخبين إلى ممارسة مهامهم بشكل عادي، بعد قضاء العقوبة السجنية، وكأنهم كانوا في عطلة استجمام، بينما الحقيقة هي تورطهم في جرائم خطيرة، مثل التزوير في محررات رسمية والنصب والاحتيال وبيع أحكام قضائية والاتجار في المخدرات.
وعندما نتحدث عن الحاجة إلى تشريعات قانونية جديدة، فإن الأمر ليس ترفا قانونيا، وإنما يتعلق بمواكبة فعالة للتحولات السياسية المتسارعة، ومحاصرة فيروس الفساد المتحور، ومنع تزكية الفاسدين الذين سبقت متابعتهم قضائيا وذوي السوابق العدلية، وتوقيف الأعضاء الذين يغادرون السجن عن ممارسة مهامهم، وضمان عدم عودتهم إلى التسيير.
يجب تقدير تبعات تمييع دورات المجالس الجماعية على المديين القريب والمتوسط، وردع اختيار منتخبين وبرلمانيين ربط علاقات مع شبكات للتشهير والابتزاز على المنصات الاجتماعية، وتطور الأمر سريعا لينتقل من مهاجمة الفرقاء السياسيين والصحافيين، إلى مهاجمة مسؤولين كبار في الداخلية والتشهير بهم وإقحامهم في تسريبات خطيرة، دون اعتبار لمكانة المنصب وهيبة المؤسسات التي توجد على المحك.
إن مؤسسات الجماعات الترابية ليست ملكا للمنتخبين الفاسدين، كي يتم تركهم يعبثون بها ويهدمون تراكماتها ومساهمتهما في البناء الديمقراطي، لذلك فقد آن الأوان لتطبيق القانون وفق الصرامة المطلوبة، لأن ما وصلنا إليه من اعترافات بالفساد والرشوة أمام العموم وتصوير ذلك ونشره بتقنية المباشر فاق كل التصورات، وطموح المملكة ملكا وشعبا في مستقبل زاهر لا يمر حتما من الطريق التي يسلكها هؤلاء الفاسدون المبتزون، الذين يوجد مكانهم بالسجن، وعندما يغادرونه مزبلة التاريخ وليس العودة إلى ممارسة المهام ومجالسة المنتخبين والمسؤولين في وزارة الداخلية، جنبا إلى جنب مع كل ما يحمله ذلك من معان سياسية كارثية ترسخ في أذهان المواطنين.