شوف تشوف

سري للغاية

محمد الأبيض : هذه كواليس اللقاءات السرية للجنرال الدليمي بفنادق روما سنة 1974

حاوره: يونس جنوحي
أريد أن توضح لي قضية تجنيد شبان مغاربة سرا وبعثهم إلى الجزائر للقيام بأنشطة استخباراتية في عهد الجنرال الدليمي.
+لقد تم هذا ما بين سنتي 1973 و1984. كان يتم اختيارهم بعناية وفق شروط محددة أهمها الطول واللياقة البدنية وحسن المظهر. ويتم زرعهم داخل مؤسسات ومصالح خارج المغرب لكي يرسلوا تقارير إلى الرباط، وكانت السفارات المغربية في الخارج تتعامل مع بعضهم. لكن المشكل أن بعض هؤلاء المكلفين بالمهام السرية كانوا يترددون كثيرا على السفارة، وهذا الأمر انتقده الضابط ميلود التونزي كثيرا، وحضرت مرة اجتماعا بينه وبين الجنرال الدليمي في روما سنة 1974.

ماذا دار في هذا الاجتماع؟
+كان بسبب الصور التي تم إرسالها إلى الجنرال الدليمي من الجزائر، والتي ظهر فيها بعض مُخبريه السريين وقد تعرضوا للتعذيب والقتل ثم التمثيل بهم. وقد كان الجنرال الدليمي في غاية الغضب.
كان ميلود التونزي يقول للجنرال إنه حذره مرارا من خطر تردد العناصر المخابراتية على السفارات. وكان يعطيه المثال ببعض المخبرين المهمين للغاية والذين كانوا يتظاهرون بأنهم مخبولون أو فلاحون بسطاء وحرفيون، أو ماسحو أحذية، لكنهم في الحقيقة كانوا مصادر مهمة للمعلومات الاستخباراتية ويرسلون للمغرب معلومات مهمة جدا عن تحركات الجزائريين على الحدود وتزويدهم للبوليساريو بالسلاح.

هل كان الاجتماع مشحونا؟
+نعم. وكان ميلود التونزي على أعصابه أيضا لأني حضرت مرات كثيرة لاجتماعات حذّر فيها من تبعات تردد العناصر المكلفة بإرسال المعلومات على السفارات. وفي الحقيقة كانت هذه غلطة كبيرة. إذ إن بعض هؤلاء كانوا معروفين حتى لدى موظفي السفارة المغربية فما بالك بالأجانب. بينما كان يتوجب ألا يتعرف عليهم أحد.

أنت أيضا كنت تشتغل لصالح الجنرال الدليمي لكنك في الحقيقة «أمين السر» في السفارة المغربية في روما. بماذا ترد؟
+بالعكس. أنا كانت مهمتي أن يتم التعرف عليّ على أنني دبلوماسي ومسؤول في السفارة المغربية في روما. هذا المنصب يخول لي لقاء شخصيات مهمة في داخل إيطاليا وخارجها أيضا. وفي نفس الوقت أرسل تقارير إلى الرباط لم أكن لأصل إليها لولا أنني أعمل في ذلك المنصب.
كما أنني قمت بمهام ميدانية، مثل ملف ابن السيدة المغربية المتزوجة من الضابط الليبي المقرب من القذافي. لولا صلاحياتي الدبلوماسية وجوازي الدبلوماسي لما كان ممكنا إنجاح العملية.
كنتُ بدوري أتعامل مع مصادر معلومات على الميدان. لكني كنت أحرص على لقائهم سرا، وألا يتعقبني أحد. عندما أرى أن هناك من يلاحقني لا ألتقي أي مصدر مهم، وأجري المكالمات من الهواتف العمومية في الشارع وليس من مكتب السفارة. بينما التقارير التي أرسلها إلى الرباط كنت أبعثها بعد رقنها بآلة خاصة تدربت عليها للتشفير. وقد كان ميلود التونزي يُثني على عملي كثيرا أمام الجنرال الدليمي، وهذا الأمر جرّ عليّ عداوات كثيرة داخل السفارة.

ماذا تقصد؟
+في سنة 1977 جاء الجنرال الدليمي للقاء بعض الشخصيات العسكرية في روما لأغراض استخباراتية. وكان اللقاء في فندق خارج روما، المكان المفضل للجنرال الدليمي. وكانت مهمتي مرافقة الشخصيات العسكرية الإيطالية والحرص على مرور الاجتماع في ظروف مواتية وسرية أيضا ومنع أي شخص من الجلوس في الصالون وتفتيش الغرفة بحثا عن أدوات تنصت إلخ..
والمثير أن الجنرال الدليمي عندما وصل إلى مطار روما كان لوحده ولم يحضر معه أي ضابط من المخابرات ولا من أمنه الخاص. وكان هذا الأمر يعني أن اللقاء بينه وبين الجنرالات الإيطاليين كان سريا للغاية.

هل كانت لديه لقاءات من هذا النوع؟
+نعم. ابتداء من هذا التاريخ صارت هذه الاجتماعات تتكرر، وكان يلتقي بعض الشخصيات العربية أيضا.

سياسيين؟
+لا، بل من عالم المخابرات والجيش. التقى جزائريين أيضا.

ماذا كان يدور في تلك اللقاءات؟
+كانت سرية ولم أحضرها.

لماذا؟
+لم يدعني إليها. كانت مهمتي تنتهي باصطحابه من المطار. وكان في بعض اللقاءات يقول لي إنه لا يريد نهائيا أن يعرف أحد في السفارة، حتى السفير نفسه، بأمر اللقاءات التي يعقدها في روما. وكان يؤكد عليّ ألا آتي بسيارة السفارة وأن أكتفي بسيارتي الخاصة حتى لا أثير الأنظار إليه. عندما كان يلتقي ضيوفه كنت أبقى بعيدا إلى أن ينتهي الاجتماع. مهمتي كانت تأمين تنقله ولقاءاته فقط.
وعندما كان ينتهي من اجتماعاته كنت أصطحبه إلى السفارة لأنه كان يحب الاحتفال مع الموظفين، إذ غالبا ما يتم تنظيم لقاء عشاء أو سهرة على شرفه بحضور السفير وكل موظفي السفارة في «فيلا» تابعة للسفارة كانت مخصصة لاستقبالات من هذا النوع.

هل كان موظفو السفارة منفتحين على الجنرال الدليمي في تلك السنوات؟
+في الحقيقة كان بعضهم يريد التودد إليه. وكانت علاقتي به تثير غيرة الكثيرين منهم، وسوف أحكي لك واقعة بهذا الخصوص. فقد قام أحدهم مرة بإزعاج الجنرال الدليمي في خلوته بعد انتهاء العشاء، وهمس له بأنني أنا، أي «امحمد الأبيض»، أقوم بأعمال غير شرعية في روما، وأنني أجلس في أماكن مشبوهة وألتقي أشخاصا خطيرين بل وزاد أنني أتعامل مع المافيا الإيطالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى