
حاوره: المصطفى مورادي
لماذا مدارس الريادة؟
لأن مدرسة الريادة تمثل خيارًا استراتيجيًا لإصلاح المدرسة العمومية المغربية، وفق تصور جديد يجعل التلميذ في قلب العملية التعليمية، ويعتمد على ممارسات تربوية مجربة وفعالة.
هذا النموذج، الذي أطلقته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في إطار تنزيل خارطة الطريق 2022- 2026، يهدف إلى إحداث تحول نوعي في المدرسة العمومية من خلال ثلاثة محاور متكاملة: تمكين التلميذ من تعلمات أساسية، دعم الأستاذ بممارسات بيداغوجية ناجعة وتكوينات هادفة وتطوير أداء المؤسسة التعليمية كفضاء للتعلم والارتقاء.
مدرسة الريادة ليست مجرد تجربة معزولة، بل هي رافعة لإرساء مدرسة ذات جودة، منصفة، دامجة وناجعة، تفتح آفاقًا أوسع أمام المتعلمين وتعزز ثقتهم في المدرسة العمومية. والنتائج الأولية التي تحققت في المؤسسات التجريبية تؤكد فعالية هذا النموذج، ما يبرر توسيع نطاقه ليشمل المزيد من المؤسسات التعليمية على الصعيد الوطني.
خضعت هذه التجربة لتقويمات داخلية وخارجية على مستوى التعلمات، هل لكم أن تعطونا فكرة عن الموضوع؟
بالفعل، منذ انطلاق تجربة «مدارس الريادة»، حرصت الوزارة على مواكبتها بتقويمات دورية داخلية وخارجية، بهدف قياس أثر التدخلات التربوية بشكل موضوعي، وضمان فعالية النموذج المعتمد.
على المستوى الداخلي، بالإضافة إلى التقييمات التي يقوم بها الأساتذة والأستاذات، تقوم فرق التفتيش والتأطير التربوي بعملية التحقق من تلك التقييمات بشكل منتظم وبتتبع الأداء التربوي داخل المؤسسات المعنية، من خلال زيارات ميدانية منتظمة، وتحليل نتائج التلاميذ ومؤشرات التمدرس.
أما على المستوى الخارجي، فقد تم التعاقد مع مكتب دراسات مستقل مختبر J-PAL بتعاون مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية UM6P الذي أنجز تقويمًا علميًا شمل عينة من المدارس المستفيدة وأخرى مرجعية، باستعمال أدوات دقيقة لقياس مكتسبات التلاميذ، خصوصًا في مواد القراءة والرياضيات. وأظهرت نتائج هذا التقويم أن التلميذ المتوسط في مدرسة الريادة يحقق أداءً أفضل من 82% تقريبا من التلاميذ في المدارس العادية، مما يعكس الأثر الإيجابي للنموذج التربوي المعتمد على تحسين التعلمات الأساسية، وهو ما يعزز ثقة الوزارة في توسيع التجربة على نطاق أوسع.
سجلت الوزارة في مواكبتها لتنزيل هذا المشروع تفاوتات في النتائج بين المديريات الإقليمية، نتج عنها إعفاء بعض المسؤولين محليًا. ما خطة الوزارة لاستدراك هذه التفاوتات؟
أولًا تجدر الإشارة إلى أن التفاوتات المسجلة في نتائج تنزيل المشروع بين المديريات الإقليمية تُفسَّر بتداخل عدة عوامل ومتغيرات، من بينها الخصوصيات السوسيو- ثقافية، والتباينات المجالية والجغرافية، ومستوى تعبئة الفاعلين المحليين، إضافة إلى اختلاف إيقاع التفاعل مع المستجدات التربوية والتنظيمية. هذه العناصر مجتمعة تؤثر على وتيرة التنزيل ونتائجه، مما يستدعي تبني مقاربة مرنة وتكييف التدخلات حسب خصوصيات كل سياق ترابي، أما في ما يخص إنهاء مهام بعض المسؤولين الإقليميين فالأمر عاد وستستمر مسيرتهم المهنية من مواقع أخرى.
وفي ما يخص استدراك التفاوتات المسجلة بين بعض المديريات، فقد وضعت الوزارة خطة شمولية، تقوم على ما يلي:
– تعبئة فرق مركزية وجهوية متخصصة لدعم المديريات التي تواجه صعوبات.
– تعزيز مواكبة المؤسسات التعليمية من طرف المفتشين التربويين والفرق الإقليمية عبر زيارات ميدانية مركزة.
– إعداد وتنزيل مخططات عمل محلية دقيقة، تتضمن أشكالًا متنوعة من الدعم التربوي والمؤسساتي المكيف حسب الحاجيات.
– تفعيل آليات التيسير والمواكبة داخل المؤسسات التعليمية نفسها، بما يسمح بتجاوز التعثرات وضمان استمرارية الإصلاح.
– تنظيم دورات تكوينية مستهدفة لفائدة الأطر الإدارية والتربوية.
وتهدف هذه الإجراءات مجتمعة إلى توحيد وتيرة تنزيل النموذج، وضمان جودة تطبيقه عبر مختلف ربوع المملكة، في أفق تعميم «مدارس الريادة» كخيار وطني للارتقاء بالمدرسة العمومية.
ما مصير المؤسسات التعليمية العادية التي لم يتم إدراجها ضمن مؤسسات الريادة؟
مشروع «مدارس الريادة» لا يُنظر إليه كنموذج انتقائي أو معزول، بل كرافعة للإصلاح التربوي الشامل الذي تسعى الوزارة إلى تعميمه تدريجيًا على كافة المؤسسات التعليمية. فالمؤسسات التي لم تُدرج بعد ضمن هذا النموذج ليست خارج منطق الإصلاح، بل تُواكب تدريجيًا ضمن مخطط واضح للتوسيع، يرتكز على ما تم رصده من ممارسات ناجحة في مدارس الريادة، وعلى دروس التقويمات التكوينية والميدانية التي أنجزت في المراحل الأولى من التنزيل.
وتعمل الوزارة على توسيع دائرة مدارس الريادة بشكل تدريجي ومدروس، يراعي الجاهزية التربوية والبنيوية والموارد البشرية، مع الحرص على استفادة باقي المؤسسات من دعم تربوي ومؤسساتي مستمر، بما في ذلك التأطير، التكوين وتوفير الوسائل والموارد اللازمة. بمعنى آخر كل مؤسسة تعليمية معنية بالإصلاح، سواء أدرجت ضمن النموذج في هذه المرحلة أو في مراحل لاحقة، فالرؤية شمولية، والرهان هو تعميم الجودة والإنصاف في مختلف ربوع المملكة.

وزارة برادة تنفتح على هيئات وطنية في منح علامة “مؤسسة الريادة”
وقعت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة اتفاقية شراكة مع المرصد الوطني للتنمية البشرية، تهم مواكبة عملية منح علامة “مؤسسة الريادة” للمؤسسات التعليمية المستوفية للمعايير والشروط المحددة لذلك، برسم موسم 2024-2025. وترأس حفل التوقيع محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، اليوم الجمعة بمركز التكوينات والملتقيات الوطنية بالرباط، بمعية عثمان كاير، رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية.
الانفتاح على هيئات وطنية
وأشار بلاغ مشترك إلى أن هذه الشراكة تندرج في إطار التزام الوزارة بضمان تعليم منفتح، منصف وذي جودة، انسجامًا مع مقتضيات الدستور، والقانون الإطار رقم 51.17، والرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030. وأوشح البلاغ أن المرصد الوطني للتنمية البشرية سيتولى بموجب هذه الاتفاقية مواكبة الوزارة في هذه العملية، وذلك من خلال جمع البيانات وتحليلها لتوفير المعطيات اللازمة للجنة تصنيف المؤسسات المعنية، حيث من المقرر أن تشمل هذه العملية 2.000 مدرسة ابتدائية و512 فرعية و232 ثانوية إعدادية منخرطة في مشروع “مؤسسات الريادة”.
وأكد سعد برادة بهذا الصدد أن منح علامة “مؤسسة الريادة” للمؤسسات التعليمية المستوفية للمعايير والشروط يروم ضمان جودة التعليم والتعلم والإدارة والتدبير، وتحسين الوسط المدرسي والرفع من مستوى التحكم في التعلمات، فضلا عن تعزيز انفتاح المتعلمات والمتعلمين، وكذا تقليص نسب الهدر والانقطاع المدرسيين. وأبرز الوزير أن هذه المبادرة تندرج في إطار تنزيل خارطة الطريق 2022-2026، التي تهدف إلى إرساء نموذج جديد للمؤسسات التعليمية يقوم على الجودة والتميز والابتكار.
إصرار على إنجاح المشروع
أثار التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي نقاشا واسعا حول تجربة “مدارس الريادة”، التي أطلقتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في إطار تنزيل خريطة الطريق لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2022-2026. فعلى الرغم من إشادة التقرير بالتحسن الملموس في مستوى التحصيل الدراسي للتلميذات والتلاميذ، لا سيما في مجالات اللغات والرياضيات، إلا أنه أشار في الآن ذاته إلى عدد من التحديات والصعوبات التي تعترض التجربة، وهو ما فتح الباب أمام قراءات متباينة، تراوحت بين من رأى في هذه الإشارات مؤشرات على خلل بنيوي، ومن اعتبرها ملاحظات طبيعية تواكب أي إصلاح هيكلي طموح.
وفي سياق هذا الجدل، خرج عدد من المسؤولين والفاعلين التربويين لتسليط الضوء على النتائج الإيجابية المحققة ميدانيا، وتوضيح بعض الملابسات المرتبطة بقراءة التقرير، مؤكدين أن أغلب التحديات التي أشار إليها لا تمس جوهر المشروع بقدر ما ترتبط بأمور لوجستيكية وتقنية يمكن تداركها.
وفي السياق نفسه أكد خبراء أن من يقرأ التقرير قراءة شمولية وموضوعية سيلاحظ أنه تضمّن إشارات واضحة إلى مجموعة من الإيجابيات المرتبطة بتجربة المدرسة الرائدة، كما أشار أيضا وبكل واقعية إلى الصعوبات والإكراهات التي واجهها المشروع، وهي أمور لا يمكن لعاقل أن ينكر وجودها، خاصة في ظل الفوارق الجهوية وصعوبات التنسيق في بعض الحالات، وأن هذه الإكراهات لا ترتبط بالجانب البيداغوجي للمشروع، بل تعود في معظمها إلى الجوانب التقنية والإدارية، مثل صعوبات تدبير الصفقات المتعلقة بطباعة الكراسات وتوفير العُدة التعليمية. أما على المستوى البيداغوجي، فالأمور تسير بشكل سلس، حيث يتوصل جميع الأساتذة بالدروس والموارد التربوية في وقتها.
عن كثب:

القليل من العلم يكفي
تتجه أغلب التعليقات التي يقوم بها بعض المنتسبين للتعليم لمناقشة جوانب “شكلية” في نموذج مؤسسات الريادة، بدليل اختزال تقرير المجلس الأعلى للتربية في بعض الملاحظات السلبية التي تتحدث عن إكراهات، ولم تتم الالتفاتة للنقط الإيجابية، لذلك مثلا نجد أنه من الناذر مناقشة طريقتي التدريس التي تتبناهما هذا المشروع مناقشة علمية، أي مناقشة الأسس العلمية للطريقتين اللتين تتبناهما هذه المؤسسات، ونقصد أسس “التدريس الصريح” ونظيرتها “التدريس وفق المستوى المناسب”، خصوصا وأن الأمر يتعلق بطريقتين تتطلب من المتدخلين فيها، وخاصة المدرسين والمفتشين والمديرين، التزامات بعيدة كل البعد على “الروتين” الذي كانت تعيشه المؤسسات التعليمية.
ويتعلق الأمر بممارسات تربوية فعالة جدا، خصوصا في تتبع التلاميذ الذي يعانون من صعوبات تعلم المواد الأساسية، وخاصة القراءة والكتابة والحساب، بمعنى أن التدريس الصريح هو إضفاء الطابع الرسمي على استراتيجية التدريس المبنية على خطوات متسلسلة ومتكاملة للغاية. ووفقًا لهذا النهج، يسعى المدرس عمدًا إلى دعم تعلم التلاميذ ذوي صعوبات التعلم من خلال سلسلة من الإجراءات خلال ثلاث لحظات رئيسية، أولا إعداد الدرس، وثانيا التفاعل مع التلاميذ ذوي صعوبات التعلم أثناء التدريس، ثم أخيرا تعزيز التعلم.
لذلك من المهم أن يأخذ المدرس الوقت الكافي لإعداد الدرس. خلال هذه المرحلة، يجب عليه التفكير في نتائج التعلم المستهدفة، والأنشطة التعليمية التي سيتم تنفيذها، وتنظيم المراحل المختلفة، والمواد المطلوبة، وتقدير الوقت، وتقييم التعلم. ويجب عليه أيضا تحديد أهداف التعلم التي يسعى لتحقيقها مع التلاميذ الذين يشكون صعوبات التعلم، مما يؤدي إلى ما يسمى بيداغوجيا بنشاط التخطيط العكسي، والذي يتكون من خطوات، أولها النتائج المتوقعة، ثم أدلة التعلم، وأخيرا الأنشطة التعليمية.
فعند إجراء الدرس، يتم اعتماد نهج التدريس الواضح، المخطط لتنفيذ الأنشطة التعليمية: سيوضح المدرس للتلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم ما يجب القيام به (مرحلة النمذجة)؛ ثم سيرافقهم خلال نشاط الفريق (مرحلة التدريب الموجه أو الموجه) حتى يتمكنوا في النهاية من إنجاز المهمة بمفردهم (مرحلة التدريب المستقل).
يتعلق الأمر كما قلنا بطريقة تحديد الاستراتيجيات التي تعزز تعلم القراءة والكتابة والرياضيات، حيث تظهر نتائج التحليلات المختلفة أن أساليب التدريس المنظمة والموجهة، مثل التدريس الصريح، هي الأساليب المفضلة لتدريس هذه المواد، عبر تبني سلسلة من الأنشطة التفاعلية بين المدرس والتلاميذ، كما أن الدعم يصبح طريقة تعليمية فعالة أيضا، وفقًا للعديد من الباحثين. وفي الواقع، تعتبر الدروس الخصوصية والمعلومات المقدمة للمدرسين والتلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم، وكذلك التواصل مع أولياء الأمور، بمثابة تدابير دعم تعليمية تعمل على تحسين أدائه ذوي صعوبات التعلم في مجالات القراءة والكتابة والرياضيات. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام هذه الوسائل بالتكامل مع التدريس الصريح وأيضا ما يسمى بالتدريس المتبادل.
هذه لمحة بسيطة عن ما يسمى بالتدريس الصريح، غير أن المجهود الذي تتطلبه جعل العديد من المدرسين والمفتشين والمديرين يرفضونها، مفضلين “منطقة الراحة” التي كانوا فيها طيلة مسارهم المهني.
لذلك يبدأ التدريس الصريح بالنمذجة، وتتكون هذه الإستراتيجية من قيام المدرس بأداء مهمة أمام التلاميذ ذوي صعوبات التعلم ووصف ما يفعلونه أثناء قيامهم بذلك. وفي مرحلة النمذجة، يسعى المدرس إلى توضيح أي تفكير ضمني من خلال تعليم ماذا ولماذا وكيف ومتى وأين يجب القيام به. ويتم تقديم المعلومات في وحدات صغيرة، بتسلسل متدرج، بدءًا من الأبسط إلى الأكثر تعقيدًا، ليس فقط من أجل احترام حدود ذاكرة التلميذ الذي يعاني من صعوبات في التعلم، ولكن أيضًا من أجل جعل الروابط بين المعرفة الجديدة وتلك التي تم تعلمها سابقًا أكثر وضوحًا. ويمكن للمدرس بعد ذلك استخدام الأمثلة والأمثلة المضادة التي يمكن أن تجذب انتباه التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم.
/////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
رقم:
626
شهدت مديرية الإقليمية للرباط، توسعا متواصلا في اعتماد مدارس الريادة، إذ تم اعتماد 47 مؤسسة ابتدائية خلال الموسم الدراسي الحالي من أصل 66، أي بنسبة تقارب 71%. ومن المرتقب أن يتم تعميم البرنامج خلال الموسم المقبل ليشمل كافة المؤسسات الابتدائية، في وقت انطلقت فيه أيضا تجربة نموذجية على صعيد التعليم الثانوي الإعدادي، شملت أربع مؤسسات، حيث تشير المؤشرات الأولية إلى تحقيق نتائج إيجابية على مستويات متعددة، سواء من حيث تحسن المردودية التربوية داخل المؤسسات، أو من حيث مستوى رضا الأطر التربوية والمفتشين والأسر. وقد لوحظ تطور ملحوظ في أداء المتعلمات والمتعلمين، خصوصا في مجالي اللغات والرياضيات، وهو ما يشكل إحدى الغايات الأساسية للبرنامج، وعلى الرغم من أن هذه الحصيلة تستند إلى تقييمات داخلية، إلا أن التجربة عرفت مواكبة بتقارير ودراسات خارجية، من أبرزها ثلاث دراسات أجريت خلال الموسم الدراسي الماضي، الذي عرف انخراط 626 مؤسسة تعليمية. ومن بين هذه الدراسات، تقرير أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية، استهدف قياس درجة رضا الفاعلين التربويين الأساسيين، وعلى رأسهم الأساتذة، والمفتشون، وأولياء الأمور.