الرئيسية

مدينة الجديدة.. فوضى وعشوائية وزحف للاسمنت يخنق السكان

عزيز الحور

منذ أن سقطت الجديدة من اسم جهة الدار البيضاء- سطات التي تنتمي إليها، اختفى أي ذكر للمدينة. عمالة الجديدة لم تعد الآن سوى إقليم ترابي ينتمي إلى جهة كبرى. خلال عام كامل لم يرد اسم الجديدة في عناوين «الأخبار» إلا مرتين؛ بمناسبة تنظيم معرض الفرس، آخر الأحداث التي تلفت الانتباه إلى هذه المدينة، وأثناء مداهمة منزل تبين أنه كان يؤوي خلية إرهابية. ما الذي يحصل في هذه المدينة؟ هل جرى تهميشها بالفعل؟ وما آثار هذا الوضع في الحياة بها؟
يسهل على زائر المدينة أن يتفق مع سكانها على تقسيمها وفق النحو التالي: المنطقة الساحلية عند مدخل الجديدة من طريق الدار البيضاء، وهنا المشهد أكثر نظاما واتساقا، ووسط المدينة، حيث تبدأ معالم فوضى وعشوائية في البروز، ثم المنطقة السكنية الجديدة شرق المدينة بالحي الصناعي، حيث يبرز امتداد جديد للمدينة ينمو بشكل غير متسق ومضبوط.
عند مدخل الجديدة إذن «كورنيش» مرتب نسبيا، بجواره ملعب كرة وفيلات و«شاليهات» اصطياف وفنادق. بالموازاة مع «الكورنيش» هناك شارع آخر رئيسي مرتب هو أيضا، بجنباته تنتشر مقاه حديثة ومطاعم و«سناكات».. لكن بمجرد الوصول إلى وسط المدينة عبر الشارعين معا، تبدأ مظاهر الفوضى في البروز.
عند ساحة قبالة الحي البرتغالي يبدو المنظر غير متسق، خصوصا في فترة الصيف حيث يحل بالمدينة عدد من سكان المدن المجاورة. الباعة المتجولون ينتشرون بأرجاء المكان، بمحيط سوق محلاته غير مرتبة. محلات بيع سمك منتشرة، بعضها تحتل مداخل أسواق أو يبدو أنها مجرد «كراجات» تم تحويلها إلى مطاعم رخيصة.
مدينة تائهة
بالتوغل وسط الجديدة تبدأ مشاهد منفرة في الظهور، خصوصا عند الاقتراب من المحطة الطرقية الصغيرة الواقعة وسط كل ذلك البنيان المتراكم. المحطة قديمة وغير مجهزة، ينتشر بها بشكل منفر الباعة المتجولون وباعة المأكولات الخفيفة الرخيصة.
حال الطرق، عند وسط المدينة، تزداد سوءا.. الحفر منتشرة في كل مكان، احتلال الملك العمومي بارز جدا هنا. جل المحلات التجارية والمقاهي تسيطر على ممرات مارة.
بدخول الحي البرتغالي يفر زائر المدينة من فوضاها.. بازارات تنتشر قبالة «السقالة» الشهيرة بالمدينة. كان لافتا كثرة الأجانب الذين يظهرون بين الفينة والأخرى داخل بيوت الحي البرتغالي. مصدر بالمدينة يقول إن الأجانب تملكوا نحو 4 منازل من أصل الـ340 منزلا الموجودة بالحي البرتغالي. حولوها إلى رياضات ومضافات للسياح الذين يقدمون إلى هنا صيفا.
بمجرد التوغل داخل الحي البرتغالي صوب الشاطئ، تبدأ مشاهد لا يفترض وجودها في مكان سياحي معترف به من طرف «اليونسكو».. هكذا داخل مدينة بينها ومدينة ميامي الأمريكية اتفاقية توأمة؛ مياه آسنة تنتشر بها الأزبال متراكمة عند السور الذي يفصل الحي عن البحر؛ أكوام أزبال مرمية في زوايا عديدة بالسور..
عند المخرج الشمالي للحي البرتغالي، والذي يحيط به خلاء فسيح، يطلع المشهد على مدى التهميش الذي يعرفه المكان. من هنا وحتى الوصول إلى شاطئ سيدي بوزيد بضواحي المدينة، تنتشر معالم عشوائية. الشريط الساحلي ما زال أعذر، لا وجود لـ«كورنيش» أو أي بناء يحد مياه البحر. عدد من سكان الأحياء العشوائية المقابلة للبحر يتخذون من جنبات الطريق أماكن لتجفيف الطحالب التي يجمعونها لبيعها لمختبرات الصناعة الدوائية. يبدو أن هذا هو النشاط الوحيد لعدد من الأسر هنا.
في الجهة الأخرى من المدينة تبدأ معالم حي سكني جديد في الظهور. المنطقة صناعية في الأصل، لكن سمح فيها بالتعمير قبل سنوات. هي الآن تضم تجزئات فيلات وعمارات سكنية عدة.
كان من الملفت غياب مرافق عمومية في هذا التجمع السكاني الجديد. في المقابل، بدا واضحا انتشار المدارس التعليمية الخاصة. بتجزئة «السبيل»، إحدى تجزئات هذه المنطقة، بدا أن انتشار المدارس الخصوصية هاته أمر مزعج وغير مرحب به من طرف السكان. سكان التجزئة راسلوا سلطات المدينة ومسؤولي قطاع التعليم بها احتجاجا على الترخيص بتحويل فيلا سكنية إلى مؤسسة تعليمية خاصة أخرى.
وتشير رسالة وجهها السكان، مؤازرين بهيآت حقوقية، إلى هذا الوضع، ذاكرة أن «المتتبع للشأن التعليمي بالجديدة يندهش ويستغرب لحرمان سكان النصف الجنوبي للمدينة من مدارس عمومية، رغم تمدده الأكبر؛ من المنطقة الصناعية إلى السعادة 3 وسيدي بوزيد، مرورا بأحياء عدة، منها النجد والسلام والسعادة 2 والسعادة 3 وحي المطار وملك الشيخ ونجمة الجنوب والبحارة… ما يجبر التلاميذ على قطع 4 إلى 5 كيلومترات للوصول إلى أقرب مؤسسة عمومية. كما عرفت هذه المناطق تفويت أراض خاصة لمدارس عمومية إلى القطاع الخاص بقدرة قادر».

داخل دواليب القرار
كل المؤشرات تفيد أن خللا ما حاصل على مستوى مؤسسات تدبر المدينة. وباستثناء حملة أخيرة للسلطات المحلية لجمع دواب هائمة بأرجاء الجديدة، لم يشعر السكان الذين تحدثت إليهم «الأخبار» بأي تغيير، والسبب، حسب مصادر عارفة بخبايا دواليب القرار في الجديدة، يعود إلى أن مراكز تدبير المدينة لم تعرف تغييرا منذ مدة. الأمر الذي أفضى، تقول المصادر، إلى تكريس علاقات ومصالح تحول دون اتخاذ إجراءات شاملة لتغيير الأوضاع هنا.
وتكشف رسالة وقعها مواطنون وبعثوا بها إلى مراكز قرار عليا بالبلاد، رؤوس خيوط ما يحدث داخل مؤسسات تدبر الشأن المحلي هنا. تقول الرسالة: «المدينة تتراجع يوما عن يوم. تخدع النافورة التي توجد عند مدخل المدينة كل الزوار. ولكنهم عندما يتجاوزونها في اتجاه الوسط، فإنهم سيصابون بالدهشة. الأزبال في كل مكان والطرق غارقة في الحفر، وكراء الشقق بل وحتى الغرف من أجل ممارسة الجنس، يتم أمام أعين السلطات بدون أي تدخل من طرفها، ما جعل المدينة تعد من أشهر المدن في الفساد الأخلاقي. أما عربات الخضر والفواكه فتجدها في كل ركن من أركان المدينة ولا يجد لا الراجلون ولا أصحاب السيارات من أين يمرون».
وتضيف الرسالة: «وسط المدينة الذي من المفروض أن يعكس وجه المدينة ككل، أصبح عشوائيا ومنظره مقززا. عربات الأكلات السريعة منتشرة في كل جهة، بالإضافة إلى ظاهرة «الفرّاشة» التي انتشرت بقوة».
ولم تتوقف الرسالة عند هذا الحد، بل تضمنت معطيات دقيقة عما اعتبرته أصل المشكلة بالجديدة. أول المعطيات يرتبط بأنشطة ثقافية ومهرجات تنامت في المدة الأخيرة بالمدينة. تصرف على هذه المهرجانات أموال كثيرة سنويا. عمالة إقليم الجديدة هي التي تشرف على كل ذلك. هذه العمالة عرفت، أخيرا، هيكلة جديدة لأقسام العمالة. إعادة الهيكلة أشرف عليها مكتب خاص هو الذي تكلف بإجراء مقابلات توظيف مع بعض أطر العمالة. بين من كانوا مرشحين لتقلد مناصب في إطار إعادة الهيكلة هاته، مسؤول توبع قضائيا بتهمة الاختلاس والتزوير ومتهم بتفويت عقارات ومساحات خضراء، قبل أن يصدر حكم قضائي يبرئه.
ويوجد شقيق برلماني بدوره ضمن المتحكمين في دواليب عمالة الجديدة. تم تعيينه أخيرا للإشراف على قطب الجماعات والشؤون الإدارية والمالية ورئاسة قسم استحدث داخل العمالة يخص الجماعات المحلية.
وكشفت الرسالة، التي طالبت بإيفاد لجنة تحقيق في ما يحدث داخل عمالة الجديدة، معطيات تخص مباريات توظيف داخل العمالة في إطار الهيكلة سالفة الذكر. وسجلت معطى مثيرا هو إشراف موظفي العمالة على امتحانات مهنية شارك فيه موظفون بالعمالة وآخرون منتمون للجماعات. افتراض وجود تعامل غير متزن وارد هنا.
بدا واضحا، حين زيارة «الأخبار» لمقر العمالة، قلة الحركة بها رغم أن المعطيات تشير إلى وجود عدد كبير من الموظفين هنا. معطى آخر يفيد أن عمالة الجديدة بين أكثر العمالات في المغرب التي تتوفر على رجال سلطة برتبة «خليفة»، فضلا عن انتدابها لموظفين متقاعدين ما زالوا يحصلون على تعويضات عن مهام يقومون بها.
مرافق «الأخبار» في جولتها بالمدينة ذكر أن هذا الوضع الإداري الذي تعرفه عمالة إقليم الجديدة هو سبب ما تشهده المدينة من جمود لا يذوب نسبيا إلا خلال تنظيم معرض الفرس وأثناء الصيف، حيث تكثر المهرجانات ويفد على المدينة سياح مدن داخلية.
حاولنا نقل الصورة التي التقطناها إلى مسؤولي العمالة، لكننا لم نجد من نتحدث إليه عشية زيارتنا.. واتصلنا بمسؤولين بالعمالة قصد ترتيب موعد لكن دون جدوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى