
تعيش العديد من الجماعات الترابية بالمغرب وضعية مالية حرجة، بسبب تفاقم المديونية وتراكم الديون الاستهلاكية وديون التدبير المفوض، وذلك في ظل فشل مستمر في التدبير المحلي وغياب آليات فعالة لضبط التحصيل والإنفاق، فضلا عن تقاذف المسؤوليات بشأن تراكمات ملايير الباقي استخلاصه، وغياب رؤية واضحة للخروج من الأزمة.
وعوض تحرك رؤساء الجماعات الترابية للتدبير الأمثل للموارد المالية وتعويض المتضررين من نزع الملكية للمنفعة العامة، يتم إهمالهم للباقي استخلاصه الذي يتزايد سنويا، نتيجة ضعف المردودية الإدارية، وتوظيف الملف انتخابيا، وتقاذف المسؤوليات بين المنتخبين والمصالح الخارجية، دون حلول جذرية في الأفق توقف النزيف المالي، وغياب الإرادة في الدفع باتجاه التسوية القانونية للملفات العالقة بواسطة التسهيلات الممكنة، وتصفية أرشيف الديون بشكل نهائي.
وطبعا في ظل إهمال رؤساء المجالس لمصالح الجماعات التي يسيرونها وفشلهم في مهامهم، والتفرغ للسياحة والاستفادة من امتيازات المنصب، تتدخل مصالح وزارة الداخلية لملء الفراغ الخطير، واضطرارها لتوفير تمويلات مستعجلة لضمان استمرار المرفق العام والخدمات الحيوية مثل النظافة والماء والكهرباء والحيلولة دون إعلان إفلاس ميزانية الجماعات، ما يعرقل التأسيس لجماعات قوية تتمتع باستقلالية القرار المالي المحلي، وتقوم باتخاذ قرارات جريئة لضمان توازن الميزانية وتحصيل الضرائب والمستحقات دون اعتبار لفزاعة خسارة القواعد الانتخابية.
وما يقلق أيضا في ملف تراكمات مديونية الجماعات الترابية، هو غياب المحاسبة الفعلية لرؤساء الجماعات، رغم مسؤوليتهم المباشرة في هذه التراكمات المالية، وهو الشيء الذي يكرس ثقافة الإفلات من العقاب ويفتح الباب أمام مزيد من العجز المالي وسوء التدبير، والعودة في كل مرة للاستنجاد بالداخلية وقطاعات وزارية أخرى لارتباط استمرارية الخدمات بالسلم الاجتماعي بشكل مباشر.
إن معالجة أزمة المديونية بالجماعات الترابية تتطلب إعادة هيكلة شاملة للمنظومة الجبائية المحلية، وتتبع تمويل المشاريع ومردوديتها، والشفافية في تحصيل الضرائب، وتفعيل آليات المحاسبة والمراقبة بالنسبة للخروقات والتجاوزات في إهمال جمع المستحقات، والمواكبة المستمرة من قبل السلطات لنجاعة التسيير والقدرة على تحقيق التنمية المحلية بدل الغرق في الديون والتطبيع مع ذلك بتحويل الاستثناء إلى قاعدة.
لا يمكن الحديث عن نجاعة الإصلاح في ظل رؤساء جماعات ترابية يتحملون المسؤولية لسنوات طويلة، رغم فشلهم في التسيير وغرق جماعاتهم في الديون وتضخم الباقي استخلاصه، والعجز عن تنفيذ برامج العمل لغياب التمويل، والاستغراق في التدبير الروتيني دون أي قيمة مضافة بالنسبة للخدمات وجودتها وغياب المساهمة في جلب الاستثمار.
فخدمة الشأن العام مسؤولية كبيرة، ومنصب رئاسة الجماعة ليس ترفا زائدا أو مناسبة للتفاخر والتباهي بالامتيازات والمكاسب، بقدر ما يتعلق الأمر بسياسة القرب، والتنمية المحلية ونظافة المدن ووجهها السياحي، والإبداع في الحلول للمشاكل اليومية، والحضور الفعلي للتجاوب مع الشكايات، وتنفيذ مشاريع ضرورية من مرافق عمومية ومتنفسات، وهذا كله يتطلب التمويل، وفي ظل الديون لن يتم تنفيذ أي شيء وستترك المشاكل للتراكم، وهذا بالضبط ما يجب القطع معه في المرحلة القادمة لأن تكرار نفس الأخطاء لا ترجى منه نتائج مغايرة مهما تعددت المحاولات.





