الرأيالرئيسية

مشاكل القُراء..

يونس جنوحي

حصيلة المعرض الدولي للكتاب، الذي أغلق أبوابه الأسبوع الماضي، تبعث على الأمل في نفوس حاملي هم الكتابة ومجال النشر والتوزيع.
على مدى أسبوع، جاء المغاربة من كل أرجاء المملكة لكي يلتقوا مع ناشرين مغاربة وأجانب. وإلى جانب الشكوى من ارتفاع أسعار الكتب، هناك من دفعوا بسخاء للحصول على نُسخهم من الإصدارات الجديدة.

بعض الناشرين العرب يعرفون جيدا أن «التاريخ لا يزال يبيع جيدا»، في حين أن كتب التنمية الذاتية لا تزال تحصد المزيد من الجماهير، رغم أن مضمونها منشور على الأنترنيت ويمكن الحصول عليه بسهولة، كما أن محتوى هذا النوع من الكتب حوله «اللاهثون» وراء النقرات إلى مقاطع فيديو ربحوا من ورائها بالعملة الصعبة.

ككل سنة، ينتقد أصحاب الحداثة الانتشار الكبير لدور النشر الدينية التي تقدم إصدارات قديمة وأخرى جديدة للفقهاء والعلماء، في حين أن هذا النوع من الكتب يحقق دائما واحدا من أعلى إيرادات معارض الكتاب ليس في المغرب فقط وإنما على الصعيد العربي. بل إن الأمر يتكرر في جناح الكتب العربية في المعارض الدولية في أوروبا وأمريكا. أي أن مبيعات الكتب الدينية تسجل أعلى الإيرادات في الغرب أيضا.

ولّى زمن «يُهدى ولا يُباع». كل الكتب تباع اليوم، بما فيها الكتب التي تحث على الصدقة الجارية. بل إن بعض دور النشر التي لا تزال تطبع كُتبا مات أصحابها، خصوصا الروايات العربية الشهيرة، لا تخصص أي نسبة من الإيرادات للعائلات وذوي الحقوق رغم أنهم يتوفرون قانونيا على الملكية الفكرية. هذا دون الحديث عن دور القرصنة التي تنشط طول السنة، وتأتي في معارض الكتاب العربية لكي تقدم دروسا في الندوات ولقاءات التوقيع، وتوزع النصائح في الأخلاقيات.

بعض الناشرين الذين لا يعرضون أي شيء، يزورون معرض الكتاب كأيها الناس ويقتنون الإصدارات الجديدة من معرض الكتاب، وبعد أشهر على المعرض، يعرضون إصدارات في معرض وطني في الهواء الطلق. بل إن هناك كتابا مغاربة صدموا عندما وجدوا طبعات جديدة لكتبهم دون علمهم، تباع في الأرصفة وبطبعات رديئة بدون علم الناشر.

سرقة في وضح النهار، لكنها لا تمنع مقترفيها من إبداء تخوفهم من مستقبل الكتاب العربي، بل ويدعون الناس إلى التصالح مع الكتاب ويقيسون بدورهم تقدم الأمم بازدهار القراءة.

مشكلة الكتاب العربي ليست في المضمون أو صعوبة التسويق. معضلة كل ما هو عربي توجد في جيب المواطن العربي. وثقافة اقتناء الكتاب لا تزال غير مترسخة رغم أنها كانت في السنوات الخمسين الماضية شبه عقيدة لدى المتعلمين. اليوم يصعب أن تقنع أحدا ممن ينتسبون إلى الأطر العليا باقتناء كتاب، لكنه في المقابل مستعد لاقتناء عُدة كاملة من تجهيزات التصوير لكي يبدأ بث محتوى في «اليوتوب»، يشجع فيه الشباب على القراءة!
سوف يأتي دجنبر، وتأتي معه إحصائيات «التعذيب» النفسي التي تقارن بين عدد ساعات القراءة في الغرب مع نظيرتها في العالم العربي والإسلامي. ومن جديد سوف نكتشف أن الإصدار الوحيد الذي نقرؤه هو «الحسيفة». وهذا أمر لا مبالغة فيه. تأملوا جيدا في المحتوى الذي «يستهلكه» المغاربة اليوم في وسائل التواصل المجانية. الفضائح والحياة الخاصة للأفراد، إلى جانب قنوات أخرى تحول مضامين الكتب إلى محتوى «مسموع» يسجل متابعة ملحوظة. والذين يتابعونه غالبا ما يعلقون شاكرين لصاحب القناة صنيعه، لأنهم، حسب التعليقات دائما، لا يملكون وقتا للقراءة، لكنهم يملكون وقتا للاستماع.

لا تملك في الأخير إلا أن ترى أن المشكل ليس معضلة الكتاب. لدينا مشكل قراء، لا أقل ولا أكثر. أما الكتاب فلا يزال يصدر بغلاف ودفتين، منذ ظهوره فوق الكوكب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى