شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

معارك في المقابر حكايات خلاف حول دفن شخصيات أجنبية بالمغرب

قد يتحمل المرء الاغتراب سنوات لكن الانتماء إلى الوطن يظل أمرا فطريا متجذرا في النفوس. كلما قرأت عن شاعر أو سياسي أو مفكر أو فنان مات مغتربا بعيدا عن وطنه، تحضرني سورة لقمان وتستوقفني آية تجعلني أفكر فيها، حيث يقول الله سبحانه وتعالى فى نهاية السورة «وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير».

حين حل وباء كورونا بالعباد والبلاد، لم يعد القبر مثار جدل في حياة الاغتراب، في زمن كان الموت يجوب الشوارع والأزقة ويتسلل إلى البيوت ليخطف الأرواح، أصبح القبر مجرد حفرة لدفن جثة هزمها المرض، فلم يكن هاجس الدفن في قبر في الوطن الأصلي أو في وطن الاستقبال يشغل بال أهل الميت، بالرغم من أن مسألة الدفن متأصلة في ثقافة الشعوب التي تكرم موتاها بأن تغطيهم بالتراب وتضع عليهم شاهدا ومختزل سيرة.

عند كل الشعوب تبقى للدفن قدسيته، ورغبة الشخص في أن يدفن بموطنه أو في مسقط رأسه أفضل خيار. كثير من المغتربين من الشخصيات التي اختارت المغرب موطنها الثاني أو موطئ عبور أو بلد لجوء، حين يتوقف نبض حياتهم، يدور جدل على مقربة من الجثة الملفوفة في كفن حول مكان الدفن وموعده وطقوسه.

قبل أن تصعد الروح إلى السماء، يواجه أقرب المقربين محنة العناية بمريض دخل عالم الاحتضار، يضيق محيط الأصدقاء وتكبر دائرة العزلة، لكن ما أن ينتشر خبر الوفاة حتى يصبح الميت محور كل الاهتمام، ويصبح القبر جزءا من معركة قد تحسمها السفارات والحكومات، وتتحول عبارة «من لم يدفن ببلده كأنه لم يدفن في نظر ذويه»، شعار الساعة.

 

حسن البصري

 

شاعر إفريقيا يحسم الجدل: «أدفن حيث أموت»

استقر المقام بالشاعر السوداني محمد الفيتوري في منطقة الهرهورة ضواحي الرباط، بعد أن ارتبط طويلا بالحقوقية المغربية رجات أرماز، التي تحولت إلى ممرضة تارة وأخصائية نفسية حين تصر بعض المنابر الإعلامية على استعجال رحيل الفيتوري، بعبارة لها أكثر من مغزى: «لا تحفروا قبري».

قضت المغربية رجات أرماز في عصمة الفيتوري أزيد من ربع قرن، من ثمارها ابنتهما «أشرقت» التي ابتليت بالشعر العجمي. كانت زوجته تداويه بالشعر أثناء مرضه «أقرأ له الشعر متعمدة الخطأ كي أختبر ذاكرته، لكنه يطلب مني تصحيح ما قرأت، قائلاً: كل شيء مسموح به، إلا الخطأ في الشعر».

كانت الزوجة تعرف أن الرجل عاش محنا حقيقية دون أن يسل قلمه لكتابة شعر النقائض، إذ عمل محررا بالصحف المصرية والسودانية، وعين خبيرا للإعلام بالجامعة العربية، وعمل مستشارا ثقافيا في السفارة الليبية بإيطاليا، ومستشارا بالسفارة الليبية ببيروت ثم مستشارا سياسيا وإعلاميا بسفارة ليبيا بالمغرب، وظل يتوصل براتب شهري من ليبيا قبل أن يسقط نظام القذافي ويسقط الراتب.

كان الشاعر العربي الكبير يعيش بما لديه من مدخرات قليلة، مع اهتمام شعبي كبير من السودان ومن رفاقه السودانيين المقيمين في المغرب، كما انتبهت الحكومة السودانية إلى إغفالها لشاعر العرب المغترب، فاستخرجت له جواز سفر دبلوماسيا.

في الرابع والعشرين من أبريل 2015، انتقل الفيتوري إلى دار البقاء، لفظ الشاعر أنفاسه الأخيرة في مستشفى الشيخ زايد. مات وهو مبتسم منفرج المحيا، وقبل أن يسلم الروح لبارئها قبل يد زوجته المغربية وطلب منها الصفح، وحين كان الجثمان في ثلاجة مخزن الأموات، دار سجال قوي بين أعضاء سفارة السودان وأرملة الشاعر المغربية، التي اعترضت على دفنه في السودان، وأصرت على أن يوارى جثمانه في الرباط وتحديدا بمقبرة الشهداء. لقيت الأرملة مساندة من بعض أفراد الجالية السودانية، وعلى رأسهم الصحافي طلحة جبريل. صاحت أرماز في وجه موظفي السفارة: «سيدفن الفيتوري حيث فاضت روحه لأن وصيته كانت واضحة «أرض الله واسعة.. أدفن حيث أموت»، سيما بعد أن استفزها السفير في المستشفى بعبارة لاذعة: «أنت مهمتك انتهت»، وكأنها كانت مجرد ممرضة.

اصطف في خندق الأرملة المغربية أبناء الشاعر الأربعة من زوجته الفلسطينية، إضافة إلى ابنته أشرقت، علما أن الراحل له ثلاث «سوابق» في عالم الزواج، حيث ارتبط بفلسطينية رزق منها بأربعة أبناء (ولدان وبنتان)، وسودانية وله منها ابن وبنت، ثم المغربية رجات ورزق منها بابنته أشرقت.

 

حين قاطع سفير الجزائر مراسيم دفن المفكر أركون

ولد محمد أركون في منطقة القبائل الجزائرية، لكن مدينة الدار البيضاء المغربية تظل مسقط القلب. عاش المفكر العربي تجاذبات وجدانية، فقد كان يتحدث دائما عن منطقة القبائل التي رأى النور فيها سنة 1928، بل إن كثيرا من المفكرين الجزائريين كانوا يتمنون استقراره بعد التقاعد في تيزي وزو التي يكن لها عشقا خاصا، إلا أنه أصر على قضاء ما تبقى من حياته في الدار البيضاء وأن يدفن جثمانه في تربة المغرب، لأنه كان يعتبره بلده الأول.

استقر المفكر أركون في الدار البيضاء ابتداء من سنة 1995 رفقة زوجته ثريا اليعقوبي، التي أصبحت رفيقته وبوصلة حياته، لكنه فضل عدم السفر للجزائر. في شهر شتنبر من سنة 2010، دخل محمد أركون مرحلة صحية متدهورة في إحدى مصحات العاصمة الفرنسية باريس، بعد معاناة كبيرة مع المرض، كان عمره يناهز 82 سنة. فأسلم الروح إلى بارئها، وبقرار من أرملته، وتنفيذا لوصيته، نقل جثمانه من باريس لدفنه في مقبرة «الشهداء» بالدار البيضاء، بعد أداء صلاة الجنازة عليه في مسجد الحسن الثاني، بمشاركة عدد من الشخصيات الثقافية والسياسية، فيما سجل غياب سفير الجزائر في المغرب.

ووفقا للسفير الجزائري السابق بفرنسا عبد الحميد مهري، فإن أركون، الذي توفي عن 82 عاما، يعد واحدا من المفكرين الذين جاؤوا بشيء يرفضه الكثير من العلماء والمثقفين، «لكن في العالم الإسلامي يوجد مكان لأمثال هؤلاء المفكرين». وأضاف السفير أن الخلاف حول دفن جثة غير مبرر، فالعبرة بما تركه الراحل من فكر إنساني.

ومن تداعيات رحيل المفكر أركون مبادرة نجلته «سيلفي» من زواجه بالفرنسية، التي استعادت علاقتها بوالدها بعد مرور أربع سنوات على وفاته، حين أصدرت كتابا بعنوان «حيوات محمد أركون»، استعادت فيه علاقتها بالأب من خلال محاولة اكتشافه من جديد باعتبارها من أقرب المقربين إليه.

 

بترخيص من السفارة المصرية.. نجل ملك المواويل يدفن بالمغرب

لم ينتبه أهل الفن في المغرب لوجود نور محمد عبد المطلب، ابن ملك المواويل المطرب المصري الكبير محمد عبد المطلب في المغرب طيلة أزيد من عقدين، إلا حين عانى معاناة طويلة مع المرض وقبل استكمال إجراءات عودته وعلاجه في مصر، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء بعد تدخل وزير الصحة المغربي الذي تكفل بعلاجه.

قبل عشرين سنة، قرر نور عبد المطلب، نجل المطرب المصري محمد عبد المطلب، الهجرة إلى المغرب، بعدما تعرض ملهاه الليلي في مصر للحرق بأكمله، سافر سعيا للرزق، وأقام أكثر من مشروع، لكن ضاق به الحال وساءت أحواله، وبعد أزمة كورونا، وجد نفسه مشردا في الشارع بعدما قرر مالك المنزل الذي كان يسكن به طرده.

قبل رحيله أثار نور صدمة لدى الجمهور المصري بعدما أعلن إفلاسه ولم يفكر في العودة إلى بلده، مصرا على الموت في الغربة وتحديدا بالدار البيضاء التي أقام فيها منذ سنوات متنقلا من مشروع لآخر دون أن يكون التوفيق حليفه.

وقبل أن تخنقه الضائقة المالية، قال نور، في تصريحات تلفزيونية، إن أحد أصدقائه منحه شقة في عمارة يملكها، وظل في هذا السكن مدة 12 عاما، إلا أنه بعد وفاة صديقه تفاجأ بأن أرملته أتت ومعها آخرون لطرده من الشقة.

كبرت المأساة حين مات نور في إحدى المصحات بعد أن بترت ساقه، رفض ابنه في مصر تسلم جثمان والده، وتدخلت السفارة المصرية لتدفنه في المغرب بناء على وصيته، بعيدا عن وطنه وأهله، حيث تولى عدد من أصدقائه المغاربة مراسم الدفن دون حضور أحد من أسرته.

كان نور عبد المطلب، الذي اقترب من الثمانين من عمره، هاجر من مصر إلى المغرب منذ ما يقرب من 22 عاما واستقر في الدار البيضاء. وأكد ابن الفنان محمد عبد المطلب، في تصريحات لـ«اليوم السابع» المصرية، «قبل وفاة والدي قيل لي إن بعض أصدقائه المغاربة يرعونه في مرضه وأن الفنان هاني شاكر والدكتور مدحت العدل تدخلا لتسهيل وإنهاء إجراءات عودته إلى مصر، وتواصلا مع السفارة ووزارة الصحة المصرية، وناشدوا المسؤولين بالإسراع في إجراءات عودته وتسهيل علاجه فى مصر. المستشفيات المغربية والإخوة المغاربة لم يقصروا في علاجه ومعاونته صحيا وماديا ولكنه كان يريد العودة لاستكمال علاجه في مصر، إلا أنه مات قبل أن يرحل إلى القاهرة».

 

جنازة رمزي صوفيا تكشف ديانة الصحافي المغترب

في صباح يوم الثلاثاء، 23 يونيو 2020، توفي الكاتب الصحافي العراقي رمزي صوفيا بعد صراع طويل مع مرض عضال. في زوال اليوم نفسه أعلن رؤوف، ابن شقيقة الراحل، في تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، أن رمزي «أسلم روحه إلى بارئها اليوم وأنه سيوارى الثرى غدا الأربعاء بالدار البيضاء»، دون تحديد المكان، فاعتقد الناس أن الدفن سيكون في مقبرة الشهداء، خاصة بعد أن اتجه الموكب الجنائزي صوب منطقة الصخور السوداء.

داهم المرض رمزي وكانت تنتابه، بين الفينة والأخرى، وعكات صحية، لكنه كان من الذين يكتفون بالدواء ويمقتون التمدد على أسرّة المصحات، وفي آخر حياته ظل الرجل يكتب مقالاته بانتظام متحديا الآلام.

لم تكن وفاة رمزي صوفيا لغزا، لكن اللغز يكمن في وفاة رؤوف بعد رحيل خاله صوفيا بسبب وباء كورونا، واللغز الأكبر في وفاة شقيقة رمزي التي تكبره سنا وهي عراقية الجنسية مسيحية الديانة، لكن وفاتها صادفت غياب شقيقها رمزي فتكلفت خادمتها بجنازتها على الطريقة الإسلامية رغم أن لها ديانة أخرى.

يقول الأستاذ نور الدين الرياحي، الوكيل العام السابق للملك، وهو من المقربين للفقيد رمزي صوفيا وعائلته، «أمام هول المصاب نظمت بإرادة منفردة من خادمتها مراسيم جنازة إسلامية، ودفنت أخت رمزي التي لم تفصح عن ديانتها والقرآن الكريم يتلى على روحها في مقبرة إسلامية، وكتب لها أن تدفن مع المسلمين، ولما عاد رمزي صوفيا وابن أخته إلى المغرب وجدا بأن المسؤولة عن البيت لما يقارب ثلاثة عقود، قد أقامت جنازة لمسيحية أحبت المغرب واختارت أن تموت مع المغاربة المسلمين وتدفن معهم، فكتب الله لها في آخر لحظة من لحظاتها أن تسلم بمراسيم دفن ووفاة إسلامية».

الموقف نفسه تكرر عند وفاة رمزي في مسكنه بحي المعاريف بالدار البيضاء، لكن بسيناريو مختلف، فقد فوجئ أصدقاء الراحل بما أسر به للطبيب لحظات قبل أن تفيض روحه، حين قال له: «إنني أحمل بيمناي الإنجيل وبيساري القرآن الكريم لألتقي بعيسى ومحمد في الدار الآخرة وأنا أحمل الكتابين المقدسين». وهي الرواية ذاتها التي نقلها الأستاذ نور الدين الرياحي عن لالة زهور، أرملة الفقيد الصحافي مصطفى العلوي مؤسس «الأسبوع الصحفي».

ماتت شقيقة صوفيا وتأثر كثيرا لرحيلها قبل أن يرحل في أعقابها، وظل ابن أخته رؤوف يرتب الوضع بعد الرحيل قبل أن تداهمه كورونا وتطيح به، وكأن القدر شاء أن تتساقط أوراق هذه العائلة تباعا، ويفاجأ المغاربة بمن فيهم أقرب المقربين لصوفيا بديانة العائلة.

 

الرئيس الكونغولي يدفن في الرباط وكينشاسا

في السابع عشر من شهر ماي من سنة 1997، أطاح زعيم المتمردين في جمهورية الكونغو الديمقراطية (الزائير سابقا)، بالرئيس الأسبق موبوتو سيسي سيكو وأعلن نفسه رئيسا لتلك الجمهورية. احتفل الكونغوليون بنهاية الديكتاتور سيسي، المتهم بتبديد وسرقة ثروة الزائير من مناجم الماس، بينما اختار الرئيس المطاح به منفاه في المغرب قبل أن يوارى الثرى بالعاصمة الرباط، أما الرئيس كابيلا، الذي كان وراء الانقلاب، فاغتيل على يد أحد أفراد حرسه، وتولى بعده ابنه جوزيف مقاليد الحكم في البلاد.

طرد لوران كابيلا موبوتو سيسي سيكو من السلطة في الزائير، بعد حكم دام 32 عاما، اختار الاستقرار مع أسرته بالمغرب، حيث توفي متأثرا بمرض السرطان بعد وقت قصير من إطاحة المتمردين بحكمه في 16 ماي. بادر لوران إلى تغيير اسم البلاد فأصبحت جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن كابيلا اغتيل قبل أن ينعم بالحكم كما مات موبوتو قبل أن ينشئ حكومة في المنفى ويستعد للرد على الانقلاب بانقلاب عن بعد، سيما وأن سيسي استولى بدوره على السلطة سنة 1966 بدعم من بلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد الإطاحة بالرئيس جوزيف كاسا فوبو، أول رئيس للكونغو المستقلة، ثم غير اسمه من جوزيف ديزيه إلى موبوتو سيسي سيكو قبل أن يغير سبل تدبير الشأن السياسي في هذا البلد.

علاقة موبوتو بالمغرب ترجع لبداية السبعينات، حيث ظل الديكتاتور يتردد على العاصمة الرباط ويقضي فيها فترات طويلة. وفي عام 1980 وقعت الزائير اتفاقية تعاون عسكري مع المغرب ومصر شملت تبادل الخبرات وتدريب العسكريين. لكن لوران كابيلا سينجح في اقتحام كينشاشا وتنحية موبوتو الذي هرب إلى الطوغو ثم توجه إلى منفاه بالمغرب حيث توفي في 7 شتنبر 1997 متأثرا بمرض السرطان ودفن في مقبرة مسيحية بالعاصمة المغربية الرباط. قبل خمس سنوات أوصى المجلس التشريعي في جمهورية الكونغو الديمقراطية باستعادة رفات موبوتو سيسي سيكو ودفنه في ضريح في الكونغو.

تم رد الاعتبار للحاكم الأسطوري، وارتفع عدد زوار قبر الرئيس الكونغولي السابق بشكل يومي، وإلى جانب مكان دفنه يوجد قبران لنجليه، تم دفنهما بالمقبرة نفسها في فترة لاحقة، كما أن المساحة المخصصة لعائلة موبوتو تتوفر على ثلاثة قبور إضافية شاغرة، يسهر على نظافتها عمال المقبرة بشكل دوري لجعلها في أفضل الأحوال.

 

عبد الغني الدلي.. سفير عراقي شيعي يعين بالرباط ويدفن فيها

كان العراق من أشد المدافعين عن القضية الوطنية، بل إن محمد فاضل الجمالي ممثله في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض قضيتي المغرب وتونس على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة وحركة عدم الانحياز للمطالبة باستقلالهما. وبعد استقلال المغرب سنة 1956، أعلن العراق اعترافه بالمملكة المغربية وقام بتعيين أول سفير عراقي وعربي في المغرب، وهو عبد الغني الدلي، الذي يعد رابع سفير في المغرب بعد سفراء إسبانيا وبريطانيا وبلجيكا وأول سفير شيعي في المغرب. كان أول من افتتح السفارة العراقية بالرباط سنة 1956، وبعد تقاعده استقر الدلي بالرباط ومات ودفن بها سنة 2010.

في مراسيم الدفن استفسرت السفارة العراقية ابنة الراحل عما إذا كان أوصى بدفنه في العراق، لكنها أصرت على أن يدفن بالمغرب، حيث كان يقول لمقربيه: لن أموت إلا بعد طول عمر لأنني لا أملك شهادة سياقة.

حين قام الملك المغربي محمد الخامس بزيارة العراق رافقه عبد الغني، وتحول إلى مستشاره الشخصي، خاصة وأن السفير كان عنصرا أساسيا في القصر العراقي خلال العهد الملكي، أثناء الزيارة التي حصلت سنة 1960، التقى العاهل المغربي بقادة العراق كرئيس مجلس السيادة نجيب الربيعي والزعيم عبد الكريم قاسم.

لعب عبد الغني الدلي دورا كبيرا في تعزيز العلاقات المغربية- العراقية واختار بعد تقاعده الاستقرار في الرباط، وخلال فترة تعيينه أصبح مغربيا يجيد اللهجة الدارجة، ولعب دورا كبيرا في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، ويعد من الشخصيات الجديرة بالدراسة والاهتمام التي قدر لها أداء دور ذي فاعلية وتأثير في مجرى الأحداث السياسية أو المشاركة في صنعها.

خلال مقامه في الرباط حرص الراحل على أن تدرس ابنته علياء الأدب العربي في جامعة محمد الخامس، قبل أن تواصل دراستها في أوروبا لتصبح مديرة إقليمية لمنظمة قرى الأطفال المسعفين على مستوى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، علما أن والدها السفير كان قد أصبح بعد اعتزاله أستاذا للعلوم الاقتصادية في كلية الحقوق بالجامعة نفسها.

 

محمد خيضر.. قتل في مدريد ودفن بالرباط بقرار ملكي

في مدينة بسكرة الجزائرية، التي ينحدر منها محمد خيضر، توجد عدد من المرافق العمومية تحمل اسمه، مطار وجامعة، وساحات ومدارس وشوارع، وفي مدن أخرى بالجارة الشرقية مرافق تؤرخ لرجل طبع تاريخ هذا البلد لكنه لم ينصف إلا بعد رحيل أعدائه الذين لم يهدأ لهم بال إلا بعد تصفيته بقرار من الرئيس بومدين.

ورغم أنه من مواليد القصبة بالعاصمة الجزائرية، إلا أن خيضر قضى سنوات طويلة في المغرب، بل إنه دفن بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء بناء على توصية من أرملته، بعد مقتله في مدريد يوم 3 يناير عام 1967، على يد جزائري في واحد من أشهر الاغتيالات السياسية.

من المفارقات الغريبة أن يولد خيضر أثناء توقيع معاهدة الحماية التي جعلت فرنسا تضع يدها رسميا على المغرب، لكنه تعلم دروس النضال في القاهرة، هناك التقى بمناضلين مغاربة يحملون الهموم نفسها، قبل أن ينتقل إلى المغرب حيث قضى فترة طويلة بين الرباط ووجدة وظل خلال فترة المقاومة أمينا لماليتها.

عندما حصلت الجزائر على استقلالها، عام 1962، ظهر خلاف بين الرئيس أحمد بن بلة وخيضر فاضطر الأخير إلى مغادرة الجزائر، فاتهمه بن بلة بأنه نهب أموال «صندوق التضامن» وظل مطاردا حتى بعد أن انقلب بومدين على بن بلة عام 1965.

ظهرت شهادات كثيرة عقب مقتل خيضر تؤكد براءة ذمته من تهمة السرقة، وتبين أن النظام الجزائري عمل بوصية جمال عبد الناصر الشهيرة، «وسخوه وهاتوه»، فكانت التهمة جاهزة تنتظر معارضا ليلبسها. كانت تهمة خيضر «سرقة أموال الدولة» ودفعها في حسابه، في وقت أتى التأكيد منه قبل وفاته، بأن وضعه للأموال باسمه هو حل مؤقت حتى تتم تصفية الاستعمار بالكامل، وبأن هذه الأموال من حق المعارضة الجزائرية.

تحكي أرملة خيضر عن ذلك اليوم الذي قتل فيه: «في الثالث من يناير، كنت أركب إلى جواره في سيارتنا بأحد شوارع مدريد، فجاءه مواطن جزائري وألح في طلب نزوله من السيارة كي يحدثه في أمر عاجل، غير أن محمد كان مستعجلا وطلب منه تحديد موعد في وقت آخر، وبعد نقاش قصير معه، بدأت الشكوك تساور محمد، وفي نفس الوقت، أخرج عدة أشخاص مسدساتهم، وأمطروا جسد الراحل بالرصاص».

عاشت العائلة بضع سنوات في سويسرا، إلى غاية عام 1975 تاريخ انتقالها إلى الرباط وهي في وضعية مادية سيئة، حيث استقبلها الراحل عبد الكريم الخطيب وتكفل بأسرة الفقيد طيلة عدة أشهر حتى حصلت العائلة على مساعدة ودعم من الحسن الثاني، الذي سبق له أن أصر على دفن خيضر في مقبرة الشهداء بالدار البيضاء قريبا من قبر المناضل محمد الزرقطوني.

يقيم طارق خيضر، نجل الفقيد، في المغرب، وهو شاهد على عملية التصفية ويتأبط دليل براءة والده من تهمة «سرقة مال الثورة» كما نسجها بومدين، من خلال التحقيق الأمني للسلطات الفرنسية في عملية التصفية الجسدية التي تمت بتنسيق تام مع سفارة الجزائر في مدريد، وبمباركة من الجنرال فرانكو الذي جعل من هذه الجريمة ورقة ضغط على هواري بومدين، كما جاء في كتاب «قضية خيضر.. الجريمة غير المعاقب عليها».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى