الرئيسية

مفارقة جديرة بالتأمل

يونس جنوحي
في الوقت الذي يكتفي فيه السياسيون المغاربة بالتعبير عن الفرح من خلال البلاغات أو التصريحات السياسية، في حال أعلنت دولة ما في أقاصي الأرض تخليها عن دعم دولة في الصحراء، تدور سباقات محمومة تحت سقف لجان الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
منذ سنة 2011 جرت تقلبات وأحداث كثيرة نجح المغرب خلالها، على الأقل، في الحفاظ على حلفائه الدائمين بخصوص ملف الصحراء المغربية وكسب رهان الحصول على دعم دول أخرى وقعت بها تحولات سياسية.
الأنظمة الديكتاتورية غالبا تقف في صف انفصال الصحراء وتدعم الجمهورية الوهمية وتمولها علنا وفي السر. وعندما وقعت تحولات سياسية في بعض الأنظمة، سواء في إفريقيا أو في أمريكا اللاتينية، خسرت الجمهورية الوهمية حلفاءها الذين لم يستطيعوا «للأسف» إقناع شعوبهم، فكيف إذن سوف تكون قلوبهم مع الصحراويين الذين يعيشون حياة بدائية في مخيمات يتسول بها زعماء الانفصال ليحصلوا على دعم الصناديق السوداء حيث لا زالوا يحاولون حُكم تلك الأراضي على طريقة العصابات.
نُشرت بعض التقارير التي أكدت ضلوع قياديين بارزين في البوليساريو في اتصالات سرية لتسهيل عبور إرهابيين من الصحراء عبر الجزائر وتوجيههم إلى أوربا وسوريا لتنفيذ أعمال مسلحة. ولعل الفيلم السينمائي «تومبوكتو» أوصل هذه الحقيقة إلى العالمية عندما فاز بجوائز في مهرجانات دولية بارزة، وسلط الضوء على مشكل التطرف وصناعة الإرهاب الذي تجري وقائعه في تلك الأراضي المتنازع عليها، والتي يحصل الانتهازيون فيها على دعم سخي ولا مشروط يحولونه لحسابهم الخاص.
مناسبة هذا الكلام كله هي تمسك المغرب، من خلال موقف سفيره الدائم بالأمم المتحدة، عمر هلال، الاثنين الماضي، بالمواقف السابقة للمغرب بخصوص حل نزاع الصحراء المغربية وعدم التنازل عنها كأراض تثبت الاتفاقيات والوثائق التاريخية أنها جزء من الامتداد الترابي للدولة المغربية.
والسؤال الذي يجب طرحه يتعلق بمدى جاهزية الأحزاب المغربية للدفاع عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة، خصوصا في ظل التحولات التي تعرفها الجزائر، الداعم الرسمي الأول للانفصال، بالإضافة إلى رحيل القذافي ونهايته المأساوية في ليبيا، باعتبار أنه أكثر القادة سخاء عبر التاريخ في دعم انفصال الصحراء عن المغرب. بالإضافة أيضا إلى زعيم جبهة الانفصال الأول والارتباك الذي وقع أثناء فترة اختيار خلف له، وما تزامن معه من احتجاجات تطالب المجتمع الدولي بالتدخل لإنقاذ سكان المخيمات المساكين الذين يعيشون تحت رحمة مُسلحين يحلمون بإقامة دولة وهمية في قلب الصحراء المغربية.
وحتى في البرلمان، تتابع بعض اللجان موسميا ملف الصحراء، ولا يكاد يُذكر إلا في المناسبات الوطنية، وتنظم بشأنه أيام دراسية لا يناقش فيها إلا ميزانية اللقاء وفاتورة ممون الحفلات الذي يتكفل بغذاء المدعوين الذين يلتقون غالبا في «فيلا» على الشاطئ.
هناك أيضا شريحة أخرى تتاجر بقضية الصحراء، ويتعلق الأمر ببعض طلبة الجامعات الذين يجعلون من القضية موضوعا لبحوث جامعية، لا يأتون فيها بأي جديد وإنما يعملون على تجميع المواقف القديمة ويعتمدون على بعض المراسلات المتاحة للجميع وليس للباحثين فقط، وأحيانا على قصاصات الجرائد، ويسمونها بحثا في الدراسات المعمقة، ويصبحون بفضلها أساتذة جامعيين، رغم أن الأمر الوحيد الذي قد يربطهم بالصحراء فعليا هو الشاي الصحراوي.
لماذا لم يتحرك الأمناء العامون للأحزاب، والقياديون والوزراء السابقون لتوظيف علاقاتهم ويتجهوا نحو ممارسة ضغط لحث الانفصاليين على الاستسلام بعد «الزلازل» السياسية التي عصفت بهم في أقل من ثلاث سنوات متتالية؟ لا بد أن هؤلاء السياسيين مشغولون بحضور اللقاءات والجنائز التي يدفنون فيها بعضهم البعض، ويظهرون باحتشام وكأنهم يذكروننا بأنهم لا يزالون على قيد الحياة. تقاعدوا من السياسة والبرلمان، لكنهم لا زالوا يتوصلون بمعاشاتهم، دون أن يفكروا في تقديم آخر خدمة للبلد الذي أعطاهم كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى