
لإنجاح المشروع الملكي الخاص بالتعليم الأولي وإنقاذهن من جشع بعض الجمعيات
رغم محاولات تنظيم عمل المربيات وإضفاء طابع الشفافية على علاقتهن بالجمعيات المشتغلة في مجال التعليم الأولي، ماتزال الوزارة تسجل خروقات كبيرة يمارسها بعض أصحاب هذه الجمعيات في حق المربيات، خروقات عنوانها الأبرز هو الاستغلال والتعسف. الأمر الذي دفع الوحدة المركزية المكلفة بالتعليم الأولي إلى خوض مفاوضات وصفت بالصعبة مع مصالح وزارة المالية لتوظيف المربيات..، خصوصا وأن الاستقرار المهني والنفسي يعتبر شرطا لازما لإنجاح المشروع الملكي الخاص بتعميم هذا النوع من التعليم.
ابتزاز واستغلال
سجّلت انطلاقة تعميم التعليم الأولي، التي تمّت خلال الموسمين الدراسيين الأخيرين، وجود مجموعة من الإشكالات والاختلالات، أبرزها الوضعية التي تشتغل فيها المربيات، والتي تتسم بانتفاء الحدّ الأدنى من شروط العمل اللائق. ولا يتوقف الأمر عند الظروف غير الملائمة التي تشتغل فيها المربيات، بل إنّ إسناد التعليم الأوّلي للجمعيات في حدّ ذاته يطرح سؤالَ مدى توفيرها للشروط القمينة بإنجاح هذا الورش، ذلك أنّ عددا منها جعلتْ من التعليم الأوّلي مَطيّة للاغتناء السريع، وذلك بفرْض رسوم على ذوي الأطفال المتمدرسين، رغم أن هذه الممارسة غير قانونية، إذ يُفترض أن يكون التعليم الأولي في القطاع العامّ مجانيا.
وتتحدث مصادر وزارية عن أن بعض رؤساء الجمعيات لا يكتفون فقط بحرمان المدرّسات من تعويضاتهن المستحقة، وإجبارهن على استخلاص رسوم غير قانونية من آباء وأمهات التلاميذ، بل يفرضون عليهن تجهيز حجرات الدراسة بأدوات العمل اللازمة من جيوبهن، رغم أنّ الجمعيات تحصل على 400 درهم شهريا خاصةٍ بتجهيزات حجرات الدرس.
المصادر ذاتها تتحدث عن أن بعض رؤساء الجمعيات حولوا التعليم الأولي إلى تجارة، فالجمعية تتلقى 1600 درهم عن كل مربية، إضافة إلى 400 درهم كمخصصات لتجهيز حجرة الدرس، بمعنى أنها إذا كانت لديها ثمان مربيات فإنها تربح ثمانية ملايين سنتيم شهريا.
المصادر المسؤولة ذاتها تتحدث، أيضا، عن أن المربيات لا يتوفرن على أي حماية اجتماعية، لكنّ وضعيتهن الهشّة ليست الأمر الوحيدَ الذي يقضّ مضجعهنّ، بل تضاف إليها الحالة النفسية غير المريحة الناجمة عن هذه الوضعية، خاصّة أنّ المشغّل يستطيع أن «يتخلّص» من المدرّسة في أي لحظة، طالما أنها لا تحظى بأيّ حماية قانونية، إذ لا تجمع الطرفين سوى عُقدة لمدّة سنة، بإمكان رئيس الجمعية أن يفسخها في أي لحظة.
المؤكد أن ظروف المربيات لها انعكاسات سلبية على العملية التربوية، ذلك لأن الضحية في نهاية المطاف هو الطفل الصغير الواقف على عتبة التعلم والاندماج في المجتمع، وهو مربط الفرس والتفسير الجلي لفشل المنظومة التعليمية التعلمية في بداياتها، مقترحا تدخل الدولة بشكل من الأشكال لمعالجة شاملة ومندمجة تشمل الجانب التربوي والتكوين الجيد قبل ولوج التكوين المستمر، والجانب المالي والقانوني.
محاولات للتوظيف العمومي
هذا الوضع دفع الوزارة إلى محاولة تغيير استراتيجيتها في التعاطي مع الجمعيات، ذلك لأن ورش التعليم الأولي يبقى من أهم مشاريع الدولة، حيث عملت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي منذ الموسم 2018/2019، باعتباره أول موسم بعد التوجيه الملكي، على تخصيص تكلفة مالية قدرها ثلاثمائة مليار سنتيم، وكل هذه الأموال لا تخدم وضعية المربي الفاعل الأساس في هذه العملية، إنما تخص التجهيزات والحجرات فقط وتخدم المكونين الذين يتقاضون أجورا عالية تتعدى ذلك الدعم الهزيل الذي يخص المربيات.
وفرضت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، على الجمعيات المكلفة بتدبير أقسام التعليم الأولي المدمجة في المؤسسات التعليمية العمومية، شروطا جديدة للاستفادة من الدعم المالي الذي تصرفه لها الوزارة عن طريق الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية، بهدف إضفاء الشفافية على طُرق تدبيره وصرْفه.
وأصبح لزاما على الجمعيات المستفيدة من الدعم أن تتعامل بالشيك أو التحويلات البنكية في جميع المعاملات والعمليات المتعلقة بالدعم، مع الاحتفاظ بالوثائق المحاسبية الأصلية لكل عملية. وستَخضع مشاريع الجمعيات المستفيدة من الدعم للمراقبة وتتبّع عملية تنفيذها من طرف لجان إقليمية وجهوية.
الشروط الجديدة التي طوّقت بها وزارة التربية الوطنية الجمعيات المستفيدة من الدعم، حسب ما جاء في نموذج اتفاقية الشراكة الجديدة بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والجمعيات، تُلزم هذه الأخيرة بتقديم ثلاثة تقارير دورية لضبط مراحل وسيْر تنفيذ المشاريع، من الانطلاقة ثم المواكبة فالحصيلة، كما تلتزم بتيسير عمل لجان المراقبة والتتبع للاطلاع على الخدمات الملتزم بها.
ولن تستفيد الجمعيات من الشطر الأول من الدعم المحدد في 50 في المائة، أي نصفه، إلا بعد إدلائها بتقارير انطلاقة مشاريعها، التي تتضمن لوائح الأطفال مستخرَجة من منظومة مسار، ومصادقا عليها من طرف مؤسسات التعليم العمومية المحتضِنة لأقسام التعليم الأولي، إضافة إلى لوائح الموارد البشرية المنخرطة في المشروع.
ولأوّل مرة أصبح لزاما على الجمعيات المكلفة بتدبير أقسام التعليم الأولي المندمجة في المؤسسات التعليمية العمومية أن تشغِّل مواردها البشرية بعقودِ عمل تتلاءم مع مدونة الشغل، بعدما كانت العقود التي تربط الطرفين في السابق غير ضامنة للحقوق الشغلية المنصوص عليها في المدونة لفائدة شغيلة هذا القطاع.
ورغم محاولات إضفاء الشفافية على علاقة المربيات بالجمعيات، من قبيل تشغيلهن بعقود واضحة وضمان مستوى محترم من الأجور، إلا أن اختلالات كثيرة ماتزال سيدة الموقف في عمل هذه الجمعيات، خصوصا وأن طابعها القانوني لا يحولها إلى مشغل، لذلك فحل ملفهن سيتم عبر التوظيف.