سهيلة التاور
يعيش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصعب فترة في حياته السياسية، فقد اتحدت عدة عوامل لتكون ضده. وقد جاء مقتل جورج فلويد على يد الشرطي ليؤجج الشوارع الأمريكية ويجعلها تزدحم بالاحتجاجات وأعمال الشغب والعنف، فيما بصم طريقة احتوائه للاحتجاجات بدعواته للعنف ضد المحتجين، وذلك بعد الآثار التي خلفتها أزمة كورونا والركوض الاقتصادي، ومواقف مساعديه الحاليين والسابقين. كل هذا يتضافر لإضعاف موقفه السياسي قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية المقررة إقامتها في شهر نونبر المقبل.
تشهد أمريكا أزمات تداخلت في ما بينها لترسم وضعا جديدا أثر بشكل واضح في الوضع السياسي للبلاد. أولا، وباء كورونا الذي تسبب في وفيات عديدة على صعيد الولايات. ثانيا، الركود الاقتصادي الذي تسبب فيه الوباء واضطرت البلاد أن توقف عجلة الاقتصاد في إطار الحجر الصحي والإجراءات الاحترازية لإخماده. ثم ثالثا، الاحتجاجات ضد العنصرية. الشيء الذي جعل الانتخابات الرئاسية تأخذ مسارا آخر وتزيد من حظوظ الديموقراطيين وقلق الجمهوريين.
فواشنطن بعد أن كانت تعزف على أسطوانة الديموقراطية، وأنها محصنة ضد أعمال الشغب والاضطرابات التي تسببها المطالبة بهذه الديموقراطية كون شعبها ليس في حاجة لطلبها ويتمتع بكل أشكالها، جاء مقتل فلويد لكشف المستور في بلاد الديموقراطية وأبان عن هشاشة قوانينها ومبادئها. وما زاد الطين بلة، تعامل ترامب مع الأزمة الذي دعا بدوره إلى كل أساليب القمع والعنف لإخماد الغضب الشعبوي ضد العنصرية قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية ظنا منه أنه أفضل حل لتفادي الخسارة.
ثلاثة عوامل ضد ترامب
جاءت حادثة «فلويد» التي أججت الشارع الأمريكي في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من أكبر أزمة اقتصادية تتعرض لها منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي نتيجة وباء كورونا الذي دفع 40 مليون أمريكي للانضمام إلى طوابير العاطلين خلال الشهرين الأخيرين. واستدعى انتشار الفيروس بنسب مرتفعة في صفوف الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية ذكريات أليمة في أذهان الملايين من هذه الفئة المجتمعية، ترتبط بكونها في مقدمة ضحايا الكوارث التي تحل بالولايات المتحدة. كما سلطت أزمة كورونا الضوء على واقع الظروف المعيشية والصحية للأمريكيين من أصول أفريقية. وعلى سبيل المثال، وصلت نسبة المصابين بكورونا في ولاية مينيسوتا -حيث قتل جورج فلويد- إلى 20%، في الوقت الذي لا تتخطى فيه نسبة السود هناك حاجز 7% فقط من إجمالي السكان.
ودفعت تبعات وباء كورونا إلى انعدام الثقة في السلطات المحلية والاتحادية مع فشلهما في إدارة الأزمة وارتفاع الإصابات بين السود.
وضاعفت طبيعة الرئيس دونالد ترامب وطريقة تعامله مع الأزمة من حدة رد فعل السود وغيرهم من الغاضبين، حيث هدد ترامب المحتجين وطالب حكام الولايات من الديمقراطيين بأن يكونوا «أقوياء» في مواجهة «الفوضويين»، ودعاهم إلى الاستعانة بقوات الحرس الوطني في ولاياتهم.
ومن جهته، لوح الرئيس الجمهوري بتفعيل «قانون الانتفاضة» الذي يمكنه من نشر قوات الجيش داخلياً للسيطرة على المظاهرات وهو ما رفضه علناً وزير الدفاع مارك إسبر ليزيد من متاعب ترامب.
كذلك أصدر جيمس ماتيس، وزير دفاع ترامب السابق، بياناً اتهم فيه ترامب بخلق انقسامات بين صفوف الأمريكيين مضيفاً أنه لم «يرَ رئيساً يتصرّف كما يتصرّف ترامب».
وقال ماتيس: «دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الشعب الأمريكي ولا يتظاهر حتى بالمحاولة. بدلاً من ذلك يحاول تقسيمنا. إننا نشهد نتائج ثلاث سنوات من هذا الجهد المتعمد. نشهد عواقب ثلاث سنوات بدون قيادة ناضجة».
ولم يقم ترامب حتى الآن بإظهار صفات القيادة الضرورية في هذه اللحظة الاستثنائية من التاريخ الأمريكي، كما لم يوجه خطابا موحدا تصالحيا إلى الأمة الأمريكية، وبدل ذلك لجأ إلى التغريد مهددا المحتجين الغاضبين.
جو بايدن يدخل السباق الرئاسي
حصل جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق على ما يكفي من أصوات مندوبي الحزب الديمقراطي ليفوز رسميا بترشيح الحزب لخوض سباق الرئاسة أمام الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. ويحتاج أي مرشح إلى 1991 من أصوات مندوبي المجمعات الانتخابية على الأقل للحصول على ترشيح حزبه لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في نونبر. وقد تخطى بايدن ذلك الرقم عندما ظهرت نتائج في وقت متأخر من مساء الجمعة 5 من الشهر الجاري بعد أن أجريت الانتخابات التمهيدية في 7 ولايات وفي العاصمة واشنطن. وهذا الإنجاز يعد استكمالا رسميا لترشيح بايدن بعد أن أصبح المرشح المفترض منذ أن انسحب منافسه الرئيسي بيرني ساندرز العضو في مجلس الشيوخ عن فيرمونت من السباق في أبريل الماضي.
وقال بايدن «لقد كان شرفًا لي المنافسة إلى جانب أحد أكثر مجموعات المرشحين عن الحزب الديمقراطي موهبة… وأنا فخور بأن أقول إننا سنخوض هذه الانتخابات العامة كحزب موحد».
كما يرى الديموقراطي المحنّك (77 عاماً) الفرصة سانحة لتقديم نفسه على أنه جامع ورجل صلح قادر على جمع الجناحين التقدمي والمعتدل في حزبه مع استقطاب الناخبين المستقلين الذين ينفرون من ترامب. وكتب في تغريدة: «حان الوقت لأن يصبح الوعد الذي قطعته هذه الأمة حقيقة لجميع سكانها».
كما قال جو بايدن إن ترامب «غير مؤهل بشكل خطير» لمنصب الرئاسة. ويبدو بايدن الذي غاب لأسابيع عدة عن الساحة السياسية بسبب العزل في منزله في ولاية ديلاوير، مصمماً على اغتنام اللحظة.
ووعد بايدن، وهو عضو في مجلس الشيوخ ونائب سابق للرئيس في عهد باراك أوباما، بأن يختار امرأة لتشاركه السباق في منصب النائبة وهناك أكثر من مرشحة من أصل أفريقي في قائمة الترشيحات المرجحة.
حق الاحتجاج
دخل المرشح الديمقراطي للانتخابات الأمريكية الرئاسية جو بايدن على خط الاحتجاجات التي تعيشها الولايات المتحدة، بسبب مقتل الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد جراء عنف الشرطة، بحيث أدان العنف في الاحتجاجات، مشددا في الوقت نفسه على حق الأمريكيين في التظاهر. وقال بايدن في بيان إن: «الاحتجاج على هذه الوحشية حق وضرورة. إنه رد فعل أمريكي خالص». لكنه أضاف أن الأمر لا ينطبق على «إحراق مدن وتدمير مجاني».
وبدورها، صرّحت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس التي خلفت باول في المنصب في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش لشبكة «سي بي إس» أنها كانت «بالتأكيد» لتنصح ترامب بالامتناع عن أي زج للجيش في السعي لاحتواء احتجاجات سلمية. وقالت رايس، وهي أول سيدة أمريكية من أصول أفريقيّة تتولى وزارة الخارجية، «هذه ليست ساحة معركة».
لكن مسؤولي الإدارة الأمريكية دافعوا مجددا عن مقاربة الرئيس فيما يتعلق بالاضطرابات، حيث صرح وزير الأمن الداخلي تشاد وولف لشبكة «إيه بي سي» الأمريكية أن واشنطن كانت «مدينة خارج السيطرة». واعتبر أن خفض العنف هو نتيجة الجهود التي بذلتها الإدارة، نافيا وجود مشكلة عنصرية متأصلة في صفوف الشرطة.
وعود ديموقراطية
تعهد الديمقراطيّون بالدفع قدما باتجاه القضاء على العنصرية المتأصلة في صفوف قوات إنفاذ القانون، في مؤشر إلى بداية انتقال معركة التغيير التي انطلقت على خلفيّة قضية الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد الذي قضى خلال توقيفه على يد شرطي أبيض، من الشوارع إلى أروقة المعترك السياسي.
وبعد يوم جديد من المظاهرات السلمية الحاشدة في مختلف مناطق الولايات المتحدة، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأحد بسحب الحرس الوطني من العاصمة واشنطن، معتبرا أن الوضع أصبح الآن «تحت السيطرة الكاملة».
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، وهو أول أمريكي من أصل أفريقي يتولى حقيبة الخارجية، أنه سيصوّت لبايدن في الانتخابات الرئاسية في نونبر، معتبرا أن ترامب «يحيد» عن الدستور. وقال باول وهو جمهوري معتدل إن ترامب أضعف موقف الولايات المتحدة في العالم.
مشروع قانون محاسبة الشرطة
في حين لم تقترح الإدارة بعد أي تغيير في السياسة ردا على الغضب العارم إزاء قضية فلويد، من المتوقع أن قدمت كتلة الأعضاء السود في الكونغرس الاثنين 8 من الشهر الجاري اقتراح قانون يرمي إلى تفعيل آليات محاسبة الشرطة.
ويهدف مشروع القانون إلى تسهيل مقاضاة عناصر الشرطة على خلفية حوادث مميتة، وحظر أسلوب التوقيف القائم على الخنق الذي أدى إلى موت فلويد وطلب استخدام كاميرات تُثَبّت على زي الشرطيين وإعداد قاعدة بيانات وطنية لتسجيل سوء سلوك الشرطة.
وتحدثت عضو اللجنة، النائبة عن فلوريدا فال ديمينغز، التي طُرح اسمها نائبة محتملة لبايدن في الحملة الرئاسية، عن تغييرات تعتبرها ضرورية. وذكرت ديمينغز، وهي قائدة سابقة لشرطة أورلاندو في فلوريدا لشبكة «إيه بي سي» الأمريكية «لدينا عمل كثير، العنصريّة المتأصلة هي الشبح الحاضر دوما». وتابعت «ما علينا القيام به كأمة هو محاسبة الشرطة، وتوفير الرقابة اللازمة لذلك، النظر في معايير التدريب وفي سياسات استخدام العنف وفي آليات التوظيف وفي التنوع»، وإعداد تشريعات لضمان الإصلاح. وذكرت أن الرئيس «يجب أولا وقبل كل شيء أن يتحدث بلغة الوحدة، لغة التعاطف… (للمساعدة في) تخطي انقساماتنا وليس تعميقها».
لكن وزير العدل الأمريكي وليام بار قال إنه يعارض أي خطوة تحد من حصانة عناصر الشرطة. وصرح «لا أعتقد أن هناك ضرورة لتقليص الحصانة من أجل ملاحقة شرطيين سيئين، لأن هذا الأمر سيؤدي حتما إلى تراجع الشرطة» عن أداء واجبات إنفاذ القانون اللازمة. واعتبر أن وظيفة الشرطة هي الأصعب في البلاد. ودافع بار عن عملية إخلاء ساحة لافاييت الواقعة أمام البيت الأبيض بالقوة قبيل خروج ترامب سيرا لتفقد كنيسة مجاورة تعرضت لأضرار خلال الاضطرابات، مؤكدا أن محتجين كانوا قد رشقوا حجارة خلال المظاهرة، مناقضا بذلك تقارير كُثُرٍ كانوا حاضرين. كما نفى تقارير إعلامية أفادت بأن الرئيس طلب في لحظة معينة نشر عشرة آلاف جندي في المدن الأمريكية لقمع الاضطرابات. وقال بار إن «الرئيس لم يطلب أبدا ولم يعتبر أن هناك ضرورة لنشر الجيش النظامي حينها»، مبديا ارتياحه «لتمكننا من تجنب هذا الأمر».
قلق جمهوري
أظهر استطلاع للرأي في ولاية تكساس، أحد معاقل الجمهوريين والتي انتُخب فيها ترامب بفارق كبير عن منافسته هيلاري كلينتون عام 2016، توازي شعبية ترامب الآن مع المرشح الديمقراطي بالانتخابات القادمة جو بايدن.
وتفوقت شعبية بايدن على ترامب في ولايتي ويسكونسن بفارق تسع نقاط بالمئة وفي اوهايو بفارق نقطتين بالمئة، طبقاً لاستطلاع أجرته شبكة «فوكس» الإخبارية.
وكذلك أظهر نفس الاستطلاع تفوق بايدن على ترامب في ولاية أريزونا بفارق أربعة نقاط مئوية. بينما يزداد القلق بين صفوف مناصري ترامب، تؤكد مصادر مقربة من حملة إعادة انتخاب ترامب انخفاض شعبيته بين الناخبين المستقلين غير المرتبطين بالحزب الجمهوري أو الديمقراطي.
الحرب بين بايدن وترامب
وفي إطار حرب التصريحات الأخيرة بين (ترامب وبايدن، اتهم الأخير الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بأنه «يستخدم الجيش الأمريكي ضد الشعب الأمريكي»، ويستخدم الغاز المسيل للدموع ضد «متظاهرين سلميين»، وكل هذا لمجرّد الترويج لنفسه، وذلك بعيد زيارة مفاجئة قام بها ترامب إلى كنيسة مجاورة للبيت الأبيض.
وقال بايدن في تغريدة على تويتر إن ترامب «يستخدم الجيش الأمريكي ضد الشعب الأمريكي. إنه يطلق الغاز المسيل للدموع على متظاهرين سلميين ويطلق عليهم الرصاص المطّاطي من أجل صورة».
كما تعهد جو بايدن بمحاربة العنصرية، والكفاح من أجل إجراء إصلاحات داخل جهاز الشرطة. وأضاف بايدن الذي كان نائبا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن «هناك حاجة لسياسة محددة وملموسة طال انتظارها لإنهاء العنصرية الممنهجة»، متعهدا بإنشاء لجنة مراقبة وطنية للشرطة، في حال فوزه بالانتخابات، خلال 100 يوم من توليه الرئاسة. ورأى المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة أن ثمة حاجة «لتطبيق الشرطة المجتمعية الحقيقية، والتأكد من أن كل إدارة شرطة في البلاد تقوم بمراجعة شاملة لمن يجري توظيفهم وتدريبهم.. مع قيام الحكومة الفدرالية بتوفير الأدوات، والموارد اللازمة لتنفيذ الإصلاحات».
ودعا بايدن الكونغرس لاتخاذ إجراءات فورية لحظر استخدام الخنق في عمليات التوقيف التي تقوم بها الشرطة، ووقف نقل الأسلحة الحربية إلى قوات الشرطة المحلية، ووضع معيار نموذجي لاستخدام ضباط الشرطة للقوة. وأضاف أنه وعد عائلة جورج فلويد بأنه «لن يصبح مجرد هاشتاج آخر».