شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

ملف الصحراء يدخل مرحلة الحسم 

اعتراف دولي بالحكم الذاتي وبسيادة المغرب على صحرائه

يعرف ملف الصحراء المغربية في الآونة الأخيرة تطورات مهمة، حيث بدأت تظهر مؤشرات للحسم النهائي لهذا الملف، حيث أكد ستافان دي ميستورا، ‏مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة لإيجاد حل للنزاع المفتعل، وطالب المغرب بمزيد من التفاصيل حول الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية. وكان الملك محمد السادس قد خصص الخطاب الذي ألقاه أمام مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، للتطورات الأخيرة لملف الصحراء المغربية، باعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة، وقال الملك: «إننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف، ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية». وفي خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، أكد الملك أن المغرب تمكن، في إطار الدفاع عن وحدته الترابية ومغربية صحرائه، من ترسيخ واقع ملموس وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية، وتأتي هذه التطورات في ظل الاعتراف المتزايد للدول العظمى بسيادة المغرب على صحرائه، وبمبادرة الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية المغربية، كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.

مقالات ذات صلة

 

إعداد: محمد اليوبي- النعمان اليعلاوي

الصحراء المغربية من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير

 

خصص الملك محمد السادس الخطاب الذي ألقاه أمام مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، للتطورات الأخيرة لملف الصحراء المغربية، باعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة.

وأكد الملك أنه، منذ اعتلائه العرش، قال “إننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف، ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية”.

وعلى هذا الأساس، يضيف الملك “عملنا لسنوات، بكل عزم وتأني، وبرؤية واضحة، واستعملنا كل الوسائل والإمكانات المتاحة، للتعريف بعدالة موقف بلادنا، وبحقوقنا التاريخية والمشروعة في صحرائنا، وذلك رغم سياق دولي صعب ومعقد”، وقال “واليوم ظهر الحق، والحمد لله؛ والحق يعلو ولا يعلى عليه، والقضايا العادلة تنتصر دائما”.

وأشار الملك إلى اعتراف الجمهورية الفرنسية بسيادة المملكة على كامل تراب الصحراء، ودعمها لمبادرة الحكم الذاتي، في إطار الوحدة الترابية المغربية، كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل، وبهذه المناسبة، تقدم الملك باسمه شخصيا، وباسم الشعب المغربي، بأصدق عبارات الشكر والامتنان، لفرنسا وللرئيس إيمانويل ماكرون، على هذا الدعم الصريح لمغربية الصحراء.

وسجل الملك أن هذا التطور الإيجابي، ينتصر للحق والشرعية، ويعترف بالحقوق التاريخية للمغرب، لاسيما أنه صدر عن دولة كبرى، عضو دائم بمجلس الأمن، وفاعل مؤثر في الساحة الدولية، وذلك بالإضافة إلى أن فرنسا تعرف جيدا، حقيقة وخلفيات هذا النزاع الإقليمي.

وأكد الملك أن هذا التطور يأتي لدعم الجهود المبذولة، في إطار الأمم المتحدة، لإرساء أسس مسار سياسي، يفضي إلى حل نهائي لهذه القضية، في إطار السيادة المغربية، مبرزا أن هذا الموقف الفرنسي يأتي في إطار الدينامية الإيجابية، التي تعرفها مسألة الصحراء المغربية، والتي ترتكز على ترسيخ سيادة المغرب على ترابه، وعلى توسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.

وفي هذا السياق، نوه الملك أيضا باعتراف دول وازنة، ودائمة العضوية في مجلس الأمن، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، كما عبر الملك عن اعتزازه أيضا بمواقف الدول العربية والإفريقية الشقيقة، التي تساند، بكل وضوح والتزام، الوحدة الترابية للمملكة، لاسيما تلك التي فتحت قنصليات لها في العيون والداخلة.

وبموازاة ذلك، لفت الملك إلى أن مبادرة الحكم الذاتي، تحظى كأساس وحيد للتوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع، في إطار سيادة المغرب، بدعم واسع من طرف عدد متزايد من الدول من مختلف جهات العالم، وذكر من بينها إسبانيا الصديقة، التي تعرف خبايا هذا الملف، بما يحمله موقفها من دلالات سياسية وتاريخية عميقة، إضافة إلى أغلبية دول الاتحاد الأوروبي.

واغتنم الملك هذه المناسبة للتعبير لكل هؤلاء الأصدقاء والشركاء، عن بالغ تقديره لمواقفهم المناصرة لقضية المغرب الأولى، معربا عن شكره أيضا، لكل الدول التي تتعامل اقتصاديا واستثماريا، مع الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني، وهي بذلك تواكب مسار التنمية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تشهدها الصحراء المغربية، وتعزز موقعها كمحور للتواصل والتبادل بين المغرب وعمقه الإفريقي، كما تضعها في صلب المبادرات القارية الاستراتيجية، التي أطلقها الملك، كمشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، إضافة إلى مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.

وأبرز الملك أنه رغم كل ما تحقق، فإن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع، المزيد من التعبئة واليقظة، لمواصلة تعزيز موقف المغرب، والتعريف بعدالة قضيته، والتصدي لمناورات الخصوم، وفي هذا الإطار، دعا الملك إلى شرح أسس الموقف المغربي، للدول القليلة، التي ما زالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ، والعمل على إقناعها، بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية، التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء، وهو ما يقتضي، يضيف الملك، تضافر جهود كل المؤسسات والهيآت الوطنية، الرسمية والحزبية والمدنية، وتعزيز التنسيق بينها، بما يضفي النجاعة اللازمة على أدائها وتحركاتها.

وأكد الملك على الدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية، في كسب المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي، داعيا إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص، وركز الملك على ضرورة وضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية.

وأضاف قائلا “إن ما حققناه من مكاسب، على درب طي هذا الملف، وما تعرفه أقاليمنا الجنوبية من تنمية اقتصادية واجتماعية، كان بفضل تضامن جميع المغاربة، وتضافر جهودهم، في سبيل ترسيخ الوحدة الوطنية والترابية”، وفي هذا الصدد، أشاد الملك بالجهود التي تبذلها الدبلوماسية الوطنية، ومختلف المؤسسات المعنية، وكل القوى الحية، وجميع المغاربة الأحرار، داخل الوطن وخارجه، في الدفاع عن الحقوق المشروعة لوطنهم، والتصدي لمناورات الأعداء.

وبمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، وجه الملك محمد السادس، خطابا ساميا إلى الشعب، أكد من خلاله أن المغرب تمكن، في إطار الدفاع عن وحدته الترابية ومغربية صحرائه، من ترسيخ واقع ملموس وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية.

وقال الملك في خطابه إن الأمر يتعلق، على الخصوص، بـ “تشبث أبنائنا في الصحراء بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة، القائمة عبر التاريخ، بين سكان الصحراء وملوك المغرب”، وأضاف الملك أن الأمر يتعلق، أيضا، بـ “النهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية”، و”الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي”.

وبالموازاة مع هذا الوضع الشرعي والطبيعي، يضيف الملك، هناك مع الأسف، عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن، وقال الملك إن “هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت، يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق”، لافتا إلى أن “هناك من يستغل قضية الصحراء، للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي”.

وتابع الملك “لهؤلاء نقول: نحن لا نرفض ذلك”، مذكرا بأن المغرب كان قد اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة، ولاحظ الملك أن “هناك من يستغل قضية الصحراء، ليغطي على مشاكله الداخلية الكثيرة”، بينما هناك من يريد الانحراف بالجوانب القانونية، لخدمة أهداف سياسية ضيقة، وشدد الملك “لهؤلاء أيضا نقول: إن الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب، لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية، وسيادته الوطنية”.

وفي هذا الصدد، أكد الملك أن الوقت قد حان لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته.

الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة لحل ملف الصحراء المغربية

أكد ستيفان دي ميستورا، ‏مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، إن الأشهر الثلاثة القادمة ستكون حاسمة لإيجاد حل للنزاع المفتعل، وطالب المغرب بمزيد من التفاصيل حول الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية.

وقال المبعوث الأممي، في إحاطة أمام مجلس الأمن، إنه عندما قدم آخر إحاطة لأعضاء هذا المجلس بشأن الصحراء المغربية قبل ستة أشهر، عبّر عن أمله في أن يكون بحلول أبريل 2025 في وضع يسمح له بتقديم تقرير عن التقدم المحرز نحو التوصل إلى حل عادل ودائم ومتفق عليه للنزاع.

وأضاف دي ميستورا أن عام 2025 يمثل الذكرى الخمسين لإدراج قضية الصحراء المغربية على جدول أعمال الأمم المتحدة. وحسب المبعوث الأممي، فإن الأشهر الثلاثة المقبلة تشكل فرصة لتقييم كيف يمكن لدفعة جديدة قائمة على انخراط نشط ومتجدد من بعض أعضاء المجلس، بمن فيهم الأعضاء الدائمون، أن تُسهم في تهدئة إقليمية، وفي الوقت نفسه، إطلاق خريطة طريق جديدة نحو حل نهائي لنزاع الصحراء المغربية، ‏وأضاف «في مثل هذا السيناريو سنكون قادرين على تقديم دعم فعّال، وقد تصبح جلسة أكتوبر 2025 فرصة حاسمة لهذا المجلس».

وأشار دي ميستورا إلى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، يوم 8 أبريل الجاري، إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي بيان نُشر من قبل وزير الخارجية الأمريكي روبيرو بعد لقائهما، وفي سياق تأكيد واضح لإعلان الرئيس ترامب عام 2020، أعاد الوزير الأمريكي تأكيد التزام حكومته بمبادرة «الحكم الذاتي الجاد»، وأشار إلى إصرار الرئيس الأمريكي على ضرورة أن يكون الحل «متوافقاً عليه بشكل متبادل»، وهو ما أكد الوزير روبيرو أن الولايات المتحدة ستعمل بنشاط على تسهيله.

وأكد دي ميستورا أن الحكم الذاتي يجب أن يكون «جاداً»، وهذا ينسجم مع قناعته وطلبه بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية يجب أن تُشرح بمزيد من التفصيل، ومن ثم توضيح الصلاحيات التي سيتم تفويضها لكيان يتمتع بالحكم الذاتي الحقيقي في الصحراء المغربية، وشدد على ضرورة أن يكون «حلا مقبولا للطرفين»، وبأن تكون المفاوضات الفعلية بين الأطراف المعنية من أجل التوصل إلى حل.

وأضاف المبعوث الأممي، في إحاطته، أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعتزم الانخراط المباشر في تسهيل التوصل إلى حل متفق عليه. وفي مثل هذه الحالة، واستناداً إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتحت إشراف هذا المجلس والأمين العام، فإن الأمم المتحدة، وهو شخصياً، يمكن أن تكون داعمة لهذا الانخراط.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أصدر تقريره السنوي حول الصحراء المغربية، الذي يوصي فيه مجلس الأمن الدولي بتمديد مهمة المينورسو لمدة 12 شهرا، إلى غاية 31 أكتوبر 2025. وعلى غرار السنوات الماضية، يستعرض هذا التقرير المستجدات التي عرفتها قضية الصحراء المغربية، على الصعيدين الميداني والدولي. وتناول التقرير الجوانب الأمنية المتعلقة بعمل المينورسو، سيما أنشطتها المدنية والتحديات التي تواجهها في تنفيذ مهمتها.

وأكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بنيويورك، أن دينامية الدعم المتنامي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، تعكس تأييد المجتمع الدولي لرؤية المملكة من أجل مستقبل الصحراء المغربية، وأوضح أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي قدمتها المملكة من أجل التسوية النهائية للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، حل يتطلع إلى المستقبل، في حين أن موقف الجزائر يظل حبيس رؤية ماضوية.

وشدد هلال، أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن «المغرب، ومن خلال تقديم هذه المبادرة إلى مجلس الأمن سنة 2007، راهن بشكل جريء على حل تفاوضي غير مفروض. حل شامل وغير جزئي». وأكد السفير أن المملكة لا تتصور تسوية لقضية الصحراء المغربية خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، مذكرا بأن المغرب طالما جدد تأكيد انخراطه الكامل في العملية السياسية التي يشرف عليها بشكل حصري الأمين العام للأمم المتحدة بتيسير من مبعوثه الشخصي.

وأوضح هلال، أمام أعضاء اللجنة، أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي «تقترح حكامة ديمقراطية محلية جوهرية، وذلك بفضل تفويض واسع للسلطات من أجل مشاركة أكبر للساكنة المحلية في اتخاذ القرار السياسي، وهو ما يتوافق مع مبادئ الميثاق الذي يهدف إلى دعم المجتمعات المحلية والعمل على أن تتم ممارسة تدبير الشؤون المحلية من قبل الساكنة المحلية وتلبية احتياجاتها وتطلعاتها».

 

الاعتراف الأمريكي.. لحظة تحول في موقف واشنطن من نزاع الصحراء المغربية

 

منذ عقود ظل موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية الصحراء المغربية يتسم بالحذر والدبلوماسية المتوازنة، دون الانحياز المعلن لأي من الأطراف المتنازعة. غير أن سنة 2020 شكلت منعطفاً حاسماً وتاريخياً، حينما أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب اعترافها بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، واعتبرت أن مبادرة الحكم الذاتي، التي اقترحها المغرب عام 2007، هي الحل الوحيد الواقعي والجاد لإنهاء هذا النزاع الإقليمي.

في 10 دجنبر 2020 أعلن البيت الأبيض، في بلاغ رسمي، أن الولايات المتحدة تعترف لأول مرة، بشكل صريح، بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية. وتضمن البلاغ دعماً قوياً لمبادرة الحكم الذاتي، التي وصفها الرئيس ترامب بـ«الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع».

وقال ترامب، في تغريدة على حسابه الرسمي حينها: «وقّعت اليوم إعلاناً يعترف بسيادة المغرب على الصحراء. اقتراح المغرب للحكم الذاتي هو الخيار الوحيد العادل والدائم لحل النزاع حول الصحراء الغربية».

هذا الإعلان جاء متزامناً مع قرار المغرب استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، في إطار الاتفاق الثلاثي بين الرباط وواشنطن وتل أبيب، ما أضفى على القرار الأمريكي بعداً جيوسياسياً واستراتيجياً يعكس عمق التحالف بين المملكة والولايات المتحدة.

قرار ترامب لم يكن مجرد تصريح سياسي عابر، بل أعاد رسم خارطة التعاطي الدولي مع ملف الصحراء. فبعد سنوات من الجمود، جاء الاعتراف الأمريكي ليمنح المغرب زخماً دبلوماسياً قوياً، ويدفع بعدد من الدول إلى مراجعة مواقفها أو التعبير عن دعم صريح لمقترح الحكم الذاتي، مثل ألمانيا وإسبانيا والبرتغال وهولندا وبلجيكا، وغيرها من القوى الغربية.

القرار فتح الباب، أيضا، أمام استثمارات أمريكية مباشرة في الأقاليم الجنوبية، من خلال مشاريع بنيوية كبرى، خصوصاً في مجالات الطاقات المتجددة والبنية التحتية البحرية، ما عزز موقع المغرب كشريك استراتيجي في شمال إفريقيا والساحل.

ورغم رحيل ترامب عن البيت الأبيض لم تتراجع إدارة جو بايدن عن قرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، بل أكدت، في أكثر من مناسبة، على أن مبادرة الحكم الذاتي تظل الإطار الواقعي الوحيد لتسوية النزاع، فيما عبر مسؤولو الخارجية الأمريكية، بمن فيهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، عن استمرار الدعم للشراكة الاستراتيجية مع المغرب، بما في ذلك الموقف من الصحراء.

هذا الثبات في الموقف، وإن جاء بلغة أكثر دبلوماسية، يُعد تأكيداً على أن القرار الذي اتخذه ترامب ليس مجرد مناورة ظرفية أو قرار معزول، بل يعكس قناعة أمريكية بأن مقترح المغرب يوفر المخرج العملي والواقعي لإنهاء النزاع.

ولعل أحد العوامل الأساسية التي دفعت إدارة ترامب نحو اتخاذ هذا القرار التاريخي، يتمثل في الطابع الاستراتيجي للعلاقات المغربية- الأمريكية. فالمغرب يُعتبر حليفاً عسكرياً من خارج حلف شمال الأطلسي، ويحتضن مناورات الأسد الإفريقي، التي تُعد من أكبر المناورات متعددة الجنسيات في القارة. فضلا عن أن يلعب دوراً محورياً في جهود مكافحة الإرهاب ومحاربة شبكات الهجرة غير الشرعية والتطرف في منطقة الساحل والصحراء، وبالتالي فإن الدعم الأمريكي لمقترح الحكم الذاتي ليس دعماً لموقف ترابي فحسب، بل هو تعبير عن رؤية استراتيجية تروم تثبيت الاستقرار في منطقة حيوية ومتصلة بالمصالح الأمريكية.

قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثّل لحظة فارقة في ملف الصحراء المغربية، وأعاد الاعتبار للمقاربة الواقعية التي تقودها المملكة تحت قيادة الملك محمد السادس. وهو قرار لا يزال صداه يتردد دولياً، حيث تنضم المزيد من الدول إلى قائمة المؤيدين لمبادرة الحكم الذاتي، وفي ظل المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة يبدو أن موقف إدارة ترامب في هذا الملف سيرسم ملامح التسوية النهائية، ويعزز مكانة المغرب كفاعل إقليمي ودولي يتمتع بالمصداقية والرؤية الواقعية لحل أحد أعقد النزاعات في إفريقيا.

فرنسا تجدد التأكيد على دعمها لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية

 

 

جددت فرنسا موقفها الثابت والداعم لسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، مؤكدة التزامها الواضح بدعم مخطط الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي لتسوية قضية الصحراء. وجاء هذا التأكيد في بيان رسمي صادر عن وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، عقب لقاء جمع بين الوزير الفرنسي جان- نويل بارو، وناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وذلك في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس.

وأوضح البيان أن فرنسا «تتمسك بموقفها الثابت» من قضية الصحراء، مجددة ما جاء في الرسالة التي بعث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بتاريخ 30 يوليوز 2024، والتي عبر فيها عن أن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان ضمن السيادة المغربية». كما أكد الوزير الفرنسي أن بلاده تدعم «بوضوح وثبات» مخطط الحكم الذاتي المغربي، واصفا إياه بـ«الإطار الوحيد» الذي يجب أن تُحلّ في إطاره هذه القضية، باعتباره «الأساس الوحيد» للتوصل إلى حل سياسي دائم وعادل، وأشار بارو إلى وجود «إجماع دولي متزايد» داعم للمبادرة المغربية، مبرزا أن فرنسا تعتزم المساهمة بفعالية في هذا التوجه الدولي، من خلال دعمها السياسي والاقتصادي.
وفي السياق ذاته، عبرت باريس عن التزامها بمواكبة جهود المملكة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية، مذكرة بالإجراءات والمبادرات الفرنسية المتخذة سابقا في هذا الصدد، ومعبرة عن رغبتها في تعزيز هذه الدينامية خلال المرحلة المقبلة.
ويندرج هذا الموقف الفرنسي ضمن سياق دولي يعرف زخما متزايدا لصالح المبادرة المغربية للحكم الذاتي، ويعكس متانة العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين الرباط وباريس، سواء على المستوى الثنائي، أو في إطار التعاون الإقليمي والدولي.

ويشهد ملف الصحراء المغربية تحولات نوعية على الصعيد الدولي، مدفوعة بدينامية دبلوماسية فعالة يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أسفرت عن تعزيز الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتوسيع دائرة الدعم لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي للنزاع الإقليمي المفتعل، حيث تواصل هذه الدينامية ترسيخ مكانة المغرب على الساحة الدولية، حيث حققت الدبلوماسية المغربية اختراقات مهمة في عدد من الدول الأوروبية، من بينها فرنسا، المجر وإستونيا، التي طورت مواقفها بشكل ملحوظ نحو دعم أكبر للموقف المغربي.
ففي رسالة وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، أكد فيها أن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان ضمن سيادة المغرب»، وهو الموقف الذي تم تعزيزه بالإعلان المشترك حول «شراكة استثنائية معززة»، وُقّع بالرباط في أكتوبر 2024.
كما يندرج هذا التحول في سياق دعم أوروبي متنامٍ لمبادرة الحكم الذاتي، إذ تعتبر العديد من العواصم الأوروبية أن هذا المقترح الجاد وذا المصداقية يشكل قاعدة واقعية لحل دائم للنزاع. وتزامنت هذه التحركات مع عقد مجلس الأمن لجلسة مغلقة قدم خلالها ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، إحاطة حول مستجدات الملف. في هذا الإطار، أكد مراقبون أن المغرب اختار توقيتا دقيقا لتعزيز حضوره الدبلوماسي، من خلال زيارة وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة إلى عدد من الدول الشريكة، وتوضيح موقف المملكة وتجديد التأكيد على تشبثها بمبادرة الحكم الذاتي.
وتأتي هذه التحركات في أعقاب زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، التي استغلتها بعض الأطراف لشن حملة تضليلية حول وجود «تراجع» في الموقف الفرنسي، غير أن زيارة بوريطة والنتائج المترتبة عليها دحضت هذه الادعاءات، وأعادت التأكيد على دعم باريس المستمر لسيادة المغرب على صحرائه، سيما وأن فرنسا تتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي، خلال شهر أبريل الجاري.
ونجح المغرب في تحويل شهر أبريل، الذي كان في السابق يُعتبر مرحلة حرجة بسبب الاستحقاقات الأممية، إلى فرصة للقيادة والمبادرة، حيث بات يفرض أجندته، ويتصدر النقاشات الدبلوماسية، ويخلق الحدث بفضل رؤية ملكية استراتيجية تجمع بين الاستباق والتأثير في القرار الدولي، كما تحرر من الإيقاع المفروض من قبل الأجندة الأممية، وفرض بدلا من ذلك نسقا دبلوماسيا جديدا يجعل من مبادرة الحكم الذاتي محورا لتحالفات دولية واسعة، مستندا إلى وضوح رؤيته في الدفاع عن وحدته الترابية.

113 دولة تدعم الحكم الذاتي و50 دولة سحبت اعترافها بجمهورية الوهم

 

 

أكد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن سنة 2024 كانت «سنة مهمة في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، بفضل الزخم القوي الذي أضفاه الملك محمد السادس على هذا الملف ومتابعته اليومية له».

وأوضح بوريطة، خلال ندوة صحفية مع نظيره الزامبي مولامبو هايمبي بمدينة العيون، عقب انعقاد الدورة الأولى للجنة المختلطة للتعاون المغرب- زامبيا، أن التطورات التي عرفتها قضية الصحراء خلال سنة 2024، يمكن اختصارها في عدد من النقاط، أهمها تأكيد فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن، دعمها لسيادة المغرب على صحرائه في الرسالة التي بعثها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك في يوليوز، والذي تأكد أثناء زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي، نهاية شهر أكتوبر، واصفا هذا التطور بـ«الكبير».

وأبرز بوريطة الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي الذي استمر خلال هذه السنة، مسجلا أن أربعة بلدان أوروبية، على الأقل، انضافت إلى الدول الداعمة لهذه المبادرة كأساس لحل النزاع في الصحراء، وهي سلوفينيا، فنلندا، الدانمارك وإيستونيا، ليصل عدد دول الاتحاد الأوروبي التي تعبر عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي إلى أكثر من 20 دولة، في وقت بلغ هذا العدد 113 دولة على المستوى الدولي.

وفي السياق ذاته، سجل الوزير تزايد تعليق الاعتراف بالجمهورية المزعومة، (الإكوادور في أكتوبر وبنما في نونبر)، و«هو تأكيد على أن الطرح الانفصالي ما فتئ يتلاشى، حيث إن 50 دولة، تقريبا، سحبت في العقدين الأخيرين الاعتراف بالجمهورية الوهمية ليتراجع عدد البلدان التي ما زالت تعترف بهذا الكيان الوهمي إلى حدود 28 دولة فقط».

وأبرز بوريطة، أيضا، انعقاد خلال سنة 2024، للجان مشتركة في مدينتي العيون أو الداخلة، مشيرا في هذا الصدد إلى انعقاد اللجان المشتركة لزامبيا اليوم وقبلها غينيا بيساو ومالاوي، وغامبيا، و«كلها دول عبرت عن سيادة المغرب على هذا الجزء من ترابه، من خلال عقد الاجتماعات وتوقيع الاتفاقيات بالأقاليم الجنوبية».

وذكر الوزير بقرار مجلس الأمن، خلال هذه السنة، و«الذي كان إشارة قوية، بالرغم من أن التركيبة بمجلس الأمن فيها أطراف معنية مباشرة بالنزاع، ولكن المجلس أكد أن توجه المجموعة الدولية والأمم المتحدة واضح والقرار لم يحافظ فقط على مكاسب المغرب، ولكن أضاف عنصرين أساسيين، هما الدينامية التي خلقها الملك في هذا الملف، وتأكيده (مجلس الأمن) على أن «من يختار السلاح، ويختار المس بوقف إطلاق النار، لا مكان له حول طاولة حل هذا الملف، وبأنه بدون احترام صارم لوقف إطلاق النار، ليس هناك حوار ولا مفاوضات ولا مسلسل سياسي، لأن المسلسل السياسي يكون مع الأطراف الجدية، ذات المصداقية، والتي تحترم القوانين الدولية وتحترم الاتفاقيات، وخاصة وقف إطلاق النار».

وبذلك، يقول مجلس الأمن بشكل صريح، يضيف بوريطة، إن كل ما يهدد وقف إطلاق النار والأمن يمس بالمسلسل السياسي بحد ذاته. وتوقف الوزير عند استمرار فتح القنصليات سنة 2024 بالأقاليم الجنوبية للمملكة، حيث تم فتح قنصلية تشاد بمدينة الداخلة، ليصل عدد القنصليات التي تم فتحها لحد الآن إلى أكثر من 30 قنصلية، وهو ما يمثل تقريبا 40 بالمائة من دول الاتحاد الإفريقي التي لها قنصليات في العيون، أو في الداخلة.

وعلى مستوى الاتحاد الإفريقي، أكد بوريطة أنه خلال سنة 2024 تواصلت الرؤية التي أرادها الملك والمتمثلة في أن يكون الاتحاد الإفريقي مجالا للتعاون، وليس طرفا يتم استغلاله في الدفع بأطروحات معينة، كما كان الأمر في السابق، وأوضح أن الاتحاد الإفريقي اليوم ومنذ ثلاث أو أربع سنوات، وهذه السنة بالخصوص، لم يصدر أي تصريح ولا تقرير، ولا موقف يهم قضية الصحراء المغربية الموجودة بين أيدي الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن الاتحاد الإفريقي ومنذ نواكشوط 2017، أصبح دوره هو مواكبة الأمم المتحدة، دون أن يكون له موقف بشأن هذا الملف.

وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، أبرز بوريطة أنه «ولأول مرة، ومنذ 22 سنة لن يكون هناك وجود لمجموعة «الصحراء الغربية»، بعدما كانت موجودة في الأربع ولايات السابقة للبرلمان الأوروبي، حيث إن الفرق الكبرى قررت بأنه لا مجال لخلق، هذا الفريق الذي كان يشتغل كلوبي للانفصال».

وشدد الوزير على أن هذه «إشارة قوية من الاتحاد والبرلمان الأوروبيين إلى أن اليوم هناك مسار واحد وضعه الملك، وأن هناك دينامية خلقها الملك واشتغل عليها، واليوم تبدو نتائجها على المستوى الثنائي وعلى المستويين الأممي والأوروبي، وأساسها كل المشاريع التنموية والنموذج التنموي الجديد منذ سنة 2016 الذي تظهر نتائجه الملموسة».

تاج الدين الحسيني في أسطر
أستاذ القانون الدولي بالرباط
نائب رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات
رئيس منتدى 21 للحوار والتنمية
محام مقبول لدى محكمة النقض
من مؤلفاته:
* سياسة الوفاق (أسبابها ومظاهرها ومضاعفاتها)
* الوجيز في القانون الدولي الاقتصادي
* المجتمع الدولي وسياسة التدخل

 

تاج الدين الحسيني *

 

«الأشهر الستة المقبلة ستكون حاسمة في ملف الصحراء تزامنا مع خمسينية المسيرة الخضراء»

 

  • ما المستجدات التي حملتها إحاطة دي ميستورا أمام مجلس الأمن الدولي بخصوص ملف الصحراء المغربية؟

+ تجب الإشارة أولا إلى أننا بصدد الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، وذلك في نونبر القادم، وبالتالي فإن دلالة المناسبة تحمل الكثير من المعاني. ومن هذا المنطلق نقف عند تقرير المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، والذي قدمه أمام مجلس الأمن الدولي، وهي الإحاطة التي وجب أن توضع في سياقها الحالي. فسنة 2025 سنة رمزية بامتياز، لأنها ستصادف الذكرى الخمسين لانطلاق المسيرة الخضراء كما ذكرت، واسترجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، فخمسون سنة ليست بالزمن الهين، بل تمثل نصف قرن من التراكم السياسي والدبلوماسي، ومن التضحيات الميدانية والتمسك بحق تاريخي مشروع لا يسقط بالتقادم.

في المقابل، ظل الملف يراوح مكانه داخل أروقة الأمم المتحدة، رغم وضوح الصورة القانونية والسياسية، ومجلس الأمن، بصفته الجهة الوحيدة صاحبة الاختصاص في تسوية النزاعات الإقليمية من هذا النوع، أصبح اليوم أكثر وعياً بضرورة اتخاذ موقف حاسم،  لقد آن الأوان لأن تُضرب ضربة قوية على الطاولة، لتُقال كلمة واحدة: «كفى».

إن مبادرة الحكم الذاتي ليست فقط حلاً واقعياً، بل تمثل فرصة حقيقية لمنطقة الصحراء لكي تستعيد موقعها التاريخي، كمركز ترابط بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب. لقد آن لها أن تخرج من كونها مجرد «ملف» في العلاقات الدولية، إلى أن تصبح فاعلاً مؤثراً فيها. آن لها أن تفرض صوت مواطنيها، وتحظى باحترامهم، لا فقط عبر المؤسسات الوطنية، بل أيضاً في الفضاءات الإقليمية والدولية، وفي كل المحافل التي تصنع القرار وتوجه السياسات.

إننا أمام منعطف جديد في ملف الصحراء، وهذا  الأمر يسير في أفق انتقال المجتمع الدولي من التأكيد على دور الوساطة بين الأطراف لحل النزاع إلى اعتماد الحكم الذاتي كحل أوحد ووحيد للملف، وهذا الأمر يجد تعزيزه في الموقف الأمريكي المعبر عنه في دجنبر سنة 2020، والذي لم يتمكن ترامب من بلورته بعد انتهاء ولايته، غير أن الواضح أنه بعد عودته للرئاسة مجددا، أكد ترامب عبر وزير خارجيته تشبثه بحل الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد، زيادة على الموقف الفرنسي وربما تنضم بريطانيا، وبالتالي سنكون إزاء ثلاث دول لديها العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي وحق الفيتو، لتبقى الصين الشعبية التي لديها مواقف مناهضة للانفصال ودعم حقوق الدول في وحدتها الترابية، ثم روسيا التي تجمعها علاقات جيدة مع المغرب تعود إلى اتفاقية القرن الموقعة منذ سبعينات القرن الماضي، وأيضا اتفاقية التعاون الاستراتيجي المعمق التي وقعت إبان الزيارة الملكية للملك محمد السادس إلى موسكو، وهذان العضوان لا يرفضان التصويت بل يمتنعان عن التصويت على اعتبار موقع واشنطن باعتبارها حامل القلم في صياغة تقرير مجلس الأمن في الملف.

 

  • هل يمكن لهذه التطورات أن تحدث تغييرات ملموسة نحو الحل النهائي للنزاع المفتعل؟

أعتقد أن اجتماع دي ميستورا مع مسؤولة أساسية في وزارة الخارجية الأمريكية، سيكون له ما بعده بالتأكيد. فالخلاصة الأولى التي كان أعدها دي ميستورا تختلف بشكل كبير عما توصل إليه بعد الاجتماع، ودي ميستورا يرى أن الثلاثة أشهر المقبلة ستكون حاسمة، وأنا أرى أن الأشهر الستة هي الأكثر حسما، خصوصا في أكتوبر القادم على بعد شهر من الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء، سيما مع ارتفاع عدد البدان التي تعترف بمغربية الصحراء، زيادة على إخراج ملف الصحراء من اللجنة الرابعة لما تسمى لجنة تصفية الاستعمار، علما أن المغرب هو الذي قدم طلب إدراج الملف في اللجنة عندما كانت الأقاليم الجنوبية تحت سيطرة الاستعمار الاسباني، وبالتالي فصاحب قرار إدراج الملف هو من يحمل قرار سحبه من اللجنة.

يجب العمل، خلال الأشهر الحالية والقادمة، على تعزيز مكانة المغرب في المحيط الإقليمي والإفريقي على وجه التحديد، من خلال الاستمرار في تعزيز الدينامية المهمة التي يقدمها المغرب في الاتحاد الإفريقي، وبالتالي ارتفاع عدد الدول الإفريقية التي تسحب اعترافها بالكيان الوهمي في أفق طرده من المنظمة الإفريقية، وبالتالي فتحقق هاذين الهدفين سيكون تطورا مهما وإيجابيا وحاسما في الملف.

 

  • ما أهمية تجديد فرنسا التأكيد على موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الظرفية الحالية؟

إن المتتبع لتطور الموقف الفرنسي من هذا الملف يلاحظ بوضوح تحوّلاً استراتيجياً في اتجاه دعم صريح لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007، باعتبارها الإطار الوحيد الواقعي والقابل للتطبيق لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل. ويكفي أن نستحضر ما صدر عن الرئاسة الفرنسية من رسائل تؤكد أن مستقبل الصحراء لا يمكن تصوره خارج إطار السيادة المغربية، وهي تصريحات بالغة الأهمية لأنها تنهي سنوات من الغموض أو الحياد السلبي.

بل إن الأهمية الكبرى لهذا الموقف الفرنسي تكمن في كونه صادراً عن عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وفاعل رئيسي داخل مجموعة أصدقاء الصحراء، وهي مواقع تخول لباريس لعب دور مؤثر في توجيه النقاش الأممي وتنسيق المبادرات الدولية. ومن المرتقب أن يكون لهذا الدور وقع خاص خلال رئاسة فرنسا لأشغال المجلس، سيما في أفق تقديم المبعوث الشخصي للأمين العام، ستافان دي ميستورا، لإحاطته المرتقبة حول مستجدات القضية.

ولا يمكن عزل هذا الموقف الفرنسي المتقدم عن ما تشهده الساحة الدولية من تقارب مواقف كبرى القوى المؤثرة في الملف. فالولايات المتحدة الأمريكية، التي سبق أن اعترفت بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، جددت أخيراً موقفها الداعم للحكم الذاتي، وأكدت على ضرورة إشراك كل الأطراف المعنية، بما في ذلك الجزائر، في أي مسار تفاوضي مستقبلي.

وإذا ما انضمت المملكة المتحدة إلى هذا التوجه، كما هو مرجح بالنظر إلى انسجامها التقليدي مع الموقف الأمريكي، فسنكون أمام نواة صلبة داخل مجلس الأمن قد تساهم في بلورة قرار أممي حازم، ينقل الملف من حالة الجمود إلى أفق التسوية النهائية، على قاعدة احترام السيادة المغربية.

إن المغرب، وهو يستعد لإحياء الذكرى الخمسين لانطلاق المسيرة الخضراء، يواجه فرصة تاريخية لتعزيز هذا الزخم الدولي، من خلال الترافع السياسي والدبلوماسي المكثف، والدفع نحو تفعيل مقتضيات المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة، التي تخول لمجلس الأمن دور الوساطة في النزاعات الإقليمية، وهي الأرضية التي يمكن أن تُبنى عليها تسوية عادلة، قائمة على مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي يحظى بدعم متزايد عبر العالم.

*أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس – الرباط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى