
لم تكن عودة عبد الإله بنكيران لقيادة العدالة والتنمية أمرا مفاجئا قياسا لحملة منهجية قادها شخصيا طيلة سنوات لمنع ظهور قيادات حزبية بديلة، بدليل التشويش الكبير الذي تعرض له زميله سعد الدين العثماني عندما كان على رأس الحكومة السابقة، غير أن هذه العودة والإصرار على تصدر المشهد الحزبي والشعارات التي رافقت مؤتمر الحزب أعادت للأذهان القرارات التي اتخذها ذات الشخص عندما كان على رأس الحكومة، خصوصا تلك التي لها علاقة بالجانب الاجتماعي، وعلى رأسها قطاعي التعليم المدرسي والجامعي، وهي قرارات تبنت تصورات ليبيرالية متطرفة اعتبرت أن التعليم والصحة عبآن ينبغي التخلص منهما، بل إنه انتقد الزيادة العامة في الأجور التي استفاد منها أطر هذين القطاعين.
المصطفى مورادي:
الليبرالية في ثوب المحافظة
في النسخة الثانية من حكومته، حرص بنكيران على أن يكون له رأيه الخاص في ما يتعلق بمجانية التعليم، وشدد حينها على أنه “حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية، مثل الصحة والتعليم، فلا يجب أن تشرف على كل شيء، بل ينبغي أن يقتصر دورها على منح يد العون للقطاع الخاص الراغب في الإشراف على هذه الخدمات”.
هذا الموقف الصادم، انضاف إليه موقف آخر هو رفض القانون الإطار الذي أمر به الملك محمد السادس لفرض الطابع الإلزامي للرؤية الاستراتيجية، وتجسد هذا الموقف الغريب بعد تولي زميله سعد الدين العثماني رئاسة الحزب وقيادة الحكومة، حيث هدد بالانسحاب من الحزب في حالة تم تمرير هذا القانون الإطار.
ففي 2018 قاد عبد الإله بنكيران، أول تمرد على خلفه سعد الدين العُثماني، الأمين العام الجديد ورئيس الحكومة، في أول دورة للمجلس الوطني لحزب “المصباح”، ورغم تأكيده على أنه مجرد عضو عادٍ حضر المجلس الوطني مثل باقي الأعضاء واختار التموقع في الصفوف الأخيرة، فإن اللافت للنظر هو سيطرة الأعضاء المحسوبين عليه على مكتب المجلس الوطني، الذي انتخب، أخيرا، بقيادة إدريس الأزمي الإدريسي، في مركز النيابة عبد العالي حامي الدين، وعضوية كل من آمنة ماء العنين وخالد البوقرعي، وهم الأعضاء الذين اختار العُثماني إبعادهم عن الأمانة العامة. بنكيران وفِي أول عودة له حينها إثر مغادرته منصب الأمين العام، وجه ضربة موجعة إلى العثماني، على خلفية النقاش الذي فتحه حول مشروع القانون رقم 51.17، الذي نص على ضرورة مساهمة جميع الأطراف والشركاء المعنيين في تمويل منظومة التربية والتعليم، وفِي مقدمتها مساهمة الأسر الميسورة، والجماعات الترابية، والمؤسسات والمقاولات العمومية، والقطاع الخاص. واختار رئيس الحكومة نفي التخلي عن مجانية التعليم العالي بعد الغضب الذي رافق الإفراج عن مشروع القانون.
اختزال إصلاح التعليم في اللغة العربية
“عندما علمت بالقرار فكرت كثيرا في مغادرة الحزب، حيث إنني لم أعد أشعر بأنه يشرفني الانتماء لحزب تتخذ أمانته العامة هذا القرار”، بهذه الكلمات خاطب عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية السابق الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية رفاقه في الحزب بأوصاف غير مسبوقة على خلفية قضية “فرنسة التعليم”. الخطاب الغاضب -الذي استخدم فيه بنكيران كلمات وصفت بالقوية- جاء على إثر تصويت نواب العدالة والتنمية بالامتناع خلال موافقة لجنة برلمانية في مجلس النواب المغربي بالأغلبية على مشروع قانون لإصلاح التعليم يسمح أحد بنوده بتدريس بعض المواد باللغة الفرنسية. وبالمخالفة لقرار الأمانة العامة للحزب صوت عضوان اثنان فقط برفض مشروع القانون، هما المقرئ الإدريسي أبو زيد ومحمد العثماني.
ولام بنكيران أعضاء الحزب على عدم التصويت بالرفض، حيث فضلوا الاكتفاء بالامتناع عن التصويت، مما سمح للجنة بتمرير مشروع القانون، موضحا أنه عاش “ليلة من أسوأ الليالي” عندما سمع بما جرى، وأنه يعتبر هذه الخطوة أول خطأ جسيم يرتكبه الحزب منذ دخوله دوامة التدبير الحكومي عام 2011. وصوت لصالح المادة الثانية نواب الأغلبية الحكومية باستثناء الكتلة النيابية للعدالة والتنمية، وصوت بنعم أيضا على هذه المادة نواب الأصالة والمعاصرة، وامتنع عن التصويت نواب حزبي العدالة والتنمية، والاستقلال.
وتنص المادة الثانية من قانون إصلاح التعليم على “اعتماد التناوب اللغوي، وذلك بتدريس بعض المواد -خصوصا العلمية والتقنية منها- أو أجزاء بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية”. ووصف بنكيران ما جرى بأنه “أضحوكة الزمان” وبـ “الفضيحة”، إذ كيف “لحزب بمرجعية إسلامية أن يتخلى عن العربية في التعليم ويحل محلها لغة الاستعمار؟ هذه فضيحة” على حد تعبيره.
وتعليقا على حديث بعض قيادات الحزب عن وجود ضغوط قوية مورست على الحزب للقبول بتمرير مشروع القانون بعدم التصويت برفضه، وهو ما كان من شأنه إسقاطه، أعلن بنكيران أن العمل السياسي مليء بالضغوط المختلفة بغرض إجبار طرف ما على تقديم تنازلات، لكنه أكد أن التنازل ضمن التقديرات السياسية أمر ممكن بشرط ألا يمس المبادئ.
وضرب على ذلك مثلا بالضغوط التي مورست على التنظيم بعد تفجيرات 16 ماي 2003 الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء المغربية، حيث طلبت الدولة من الحزب التخلي عن المرجعية الإسلامية، فرفض وإن كان قبل بتنازلات سياسية كعدم الترشح في كل الدوائر الانتخابية مثلا في الانتخابات البلدية لاحقا.
وقال بنكيران “نحن لسنا من الناس الذين يظهرون ولاءهم للملكية بشدة الانحناء”، موضحا أن الحزب وقف مع البلد وقت الشدة كما حدث عقب اندلاع الربيع العربي عندما رفض هو وجل قيادات الحزب أن يشارك الحزب في احتجاجات 20 فبراير 2011 حفاظا على الملكية وعلى أمن البلاد واستقرارها، حيث أقدم الملك محمد السادس في مارس من العام نفسه على اتخاذ خطوات إصلاحية بارزة، أهمها تعديل الدستور ومنح رئيس الحكومة صلاحيات مهمة، إلى جانب مكاسب حقوقية وسياسية أخرى.

عن كثب:
من لا بَرّ له.. لا بَحْرَ له
نافذة:
تم تعريب التعليم لأبناء الشعب في حين تم السماح لأبناء الأغنياء بمغادرة المغرب قصد التعلم باللغات الحية وعلى رأس هؤلاء ابن وابنة بنكيران
عندما تم تصنيف التعليم قضية ذات أسبقية وطنية بعد قضية الوحدة الترابية، كان القصد هو أن استكمال الوحدة الترابية ينبغي أن يرافقها تكوين الإنسان والذي يعد الثروة الحقيقية في المستقبل، غير أن قدوم أول حكومة بعد دستور 2011 كان لها رأي آخر، ليس فقط في رفض حل معضلة العلاقة بين المدرسة وسوق الشغل، بل أيضا في رفض كل محاولات إصلاح نظام الوظيفة في قطاع التعليم وإقرار زيادة للموظفين.
حينها، أي بعد تعيين حكومة بنكيران حاول هذا الأخير اختزال الإصلاح في الدفاع عن اللغة العربية. وقد عكس النقاش الذي أثارته حينها مذكرة تدريس العلوم باللغة الفرنسية الأزمة الحقيقية للمدرسة العمومية المغربية، ذلك أن طغيان السياسوية الضيقة في الكلام غير اللائق لبنكيران الموجه لوزير التربية الوطنية السابق رشيد بلمختار أنست الجميع حقائق يعكسها واقع هذه المدرسة، الأولى هي أن اللغة العربية لم تستفد إطلاقا من كونها لغة وحيدة للتدريس، بدليل ضعف تحكم التلميذ المغربي بها، والثانية أن الأحادية اللغوية على مستوى لغات التدريس تعتبر عائقا في التكوين والتعليم العالي وكذا في آفاق الحصول على عمل محترم، والثالثة أن بنكيران “غضب” حينها للغة العربية ولم يغضب لفشله الذريع في إدماج الأمازيغية، كلغة رسمية في التعليم، والنتيجة هي أن حكومته كانت تعيد السكيزوفرينيا نفسها التي أنتجتها حكومة عز الدين العراقي، عندما تم تعريب التعليم لأبناء الشعب في حين تم السماح لأبناء الأغنياء بمغادرة المغرب قصد التعلم باللغات الحية. وهذا فعلا ما حصل، حيث يدرس ابنه في المدارس الفرنسية، تماما كما فعل العراقي.
فرئيس الحكومة السابق نسي في غمرة السياسوية وانفعال “اللحظة”، بأنه طالب سابق في كلية العلوم، وأنه كان يدرس الفيزياء بالفرنسية، ومازالت إلى اليوم تُدرس في الجامعات المغربية باللغة الفرنسية، إذن السؤال الذي تفاداه بنكيران حينها، بإيعاز من مستشاريه الذين نصبوا أنفسهم “حماة” للغة الضاد هو ألا يجدر بالحكومة أن تجد جسورا على مستوى لغات التدريس بين تعليم ثانوي معرب وتعليم جامعي وعال مفرنس؟ ألا يعطي غياب هذه الجسور الأسبقية للتعليم الخاص؟ وهل الحفاظ على أحادية اللغة في التعليم الثانوي يخدم مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص في التعليم العالي؟ ثم ماذا سيقول بنكيران في كون أكثر من 70 في المائة من طلبة كلية الطب والصيدلة هم من تلامذة البعثات الأجنبية؟ ما هو رده على أن 10 في المائة فقط من طلبة المدارس العليا للمهندسين هم من خريجي المدارس العمومية، في حين أن 90 في المائة الأخرى يتخرجون من المدارس الخاصة ومدارس البعثات؟ أين الإنصاف من كل هذا؟ ماذا استفادت اللغة العربية حتى الآن من كونها لغة تدريس وحيدة؟ هل يتحكم فيها تلامذة التعليم العمومي بالرغم من كونه لغة تدريس وحيدة؟
المفارقة هنا، هو أن حزب بنكيران ما فتئ يشجع خريجي الجامعات على العمل في القطاع الخاص، على أساس أن الدولة لا يمكنها تشغيل الجميع، والسؤال الذي طرحناه حينها هل له أن يعطينا اسم مهنة واحدة في القطاع الخاص يمكن لصاحبها الاكتفاء باللغة العربية وحدها؟ لماذا لم يطالب وزيره في التعليم العالي الحسين الداودي حينها والمنتمي لحزبه، بالتفكير في تعريب التعليم الجامعي حتى يكون منسجما مع الأنظمة التعليمية المعربة في باقي الأسلاك، ولماذا لم يؤاخذه على تصريحاته التي انتقد فيها تدريس المواد الأدبية في التعليم العالي، وأغلبها معربة؟
//////////////////////////////////////////////////////////////
رقم: 200 مليون درهم
أفاد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، بأن البرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار 2025-2028، خصص، لأول مرة، غلافا ماليا بقيمة 200 مليون درهم لتعبئة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج. وأوضح ميداوي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية، أن هذا الغلاف المالي المخصص لتعبئة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج يهدف إلى تشجيع ميكانيزمات محددة لاستقطاب الأدمغة المغربية العاملة في الخارج، من أجل المساهمة في تطوير البحث العلمي بالمغرب، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعبئة الكفاءات الوطنية عبر العالم. وأضاف الوزير أن هذا التوجه يسعى، أيضا، إلى تحفيز هذه الكفاءات على العودة والانخراط داخل المؤسسات الجامعية ومراكز البحث الوطنية، بما يعزز دينامية الابتكار ويساهم في نقل الخبرات والمعارف. وأشار إلى أن هذا البرنامج الوطني تم بشراكة استراتيجية مع مؤسسة المجمع الشريف للفوسفاط، وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني. وأبرز أن هذا البرنامج، الذي رصد له غلاف مالي إجمالي قدره مليار درهم، يروم إحداث نقلة نوعية في المنظومة الوطنية للبحث العلمي والابتكار، سواء من حيث حجم التمويل أو من حيث رهاناته الاستراتيجية، موضحا أن هذا الغلاف يمثل ضعف مجموع التمويلات المرصودة للمجال طيلة الثلاثة عقود الماضية.
///////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
280 ألف طفل يغادرون مقاعد الدراسة سنويا
الحكومة عازمة على تقليص ظاهرة الهدر المدرسي إلى النصف
نافذة:
المبادرة السابعة ضمن التدابير الحكومية في مجال التشغيل تهم محاربة الهدر المدرسي وتهدف إلى تقليص أعداد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة
أكد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، أن الوزارة ستعمل على تقليص ظاهرة الهدر المدرسي إلى النصف، بعدما كشفت المعطيات عن مغادرة حوالي 280 ألف تلميذ للمقاعد الدراسية سنويا، من ضمنهم 160 ألف تلميذ في التعليم الإعدادي.
الهدر.. ظاهرة مقلقة
أوضح برادة، في تصريح للصحافة، عقب اجتماع خصص لموضوع إنعاش التشغيل، ترأسه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بحضور القطاعات الوزارية المعنية، أن الهدف يتمثل في تقليص الهدر المدرسي إلى النصف، وتوجيه ما لا يقل عن 80 ألف تلميذ من المستوى الإعدادي المتوقع انقطاعهم عن الدراسة نحو “مدارس الفرصة الثانية” حيث يتلقون تكوينا حرفيا يؤهلهم للاندماج في سوق الشغل، أو التكوين المهني، أو حتى العودة إلى المسار الدراسي.
وأبرز برادة أن الوزارة تعمل على محاربة هذه الظاهرة من خلال عدة محاور، لا سيما “إعداديات الريادة” التي تمكن من تتبع التلاميذ عبر توفير دعم بيداغوجي داخل الأقسام، وتنظيم أنشطة موازية في مجالات كالموسيقى، والرياضة، والمسرح، بهدف استعادة ثقتهم بأنفسهم. وأشار إلى أن الوزارة تعمل أيضا على إحداث خلايا للتتبع النفسي والتربوي للأطفال المعرضين للهدر المدرسي، انطلاقا من معطيات التي توفرها منظومة “مسار”، حيث يتم إدماجهم بشكل مباشر في الأنشطة الموازية ومواكبتهم بشكل فردي حتى لا يغادروا الفصول الدراسية.
وفي السياق ذاته، سلط برادة الضوء على أهمية برامج الدعم الاجتماعي في العالم القروي، لا سيما من خلال توفير النقل المدرسي والمطاعم ودور الإيواء، لضمان عدم مغادرة التلاميذ للفصول الدراسية وعدم تأثرهم بالعوامل الاجتماعية.
خطة شاملة
تمكين المرأة من الولوج إلى سوق الشغل، شكل بدوره أحد الإجراءات التي تم التداول بشأنها، ويتعلق أساسا بتذليل العوائق أمام النساء الراغبات في العمل، لاسيما فيما يخص جانب رعاية الأطفال، وذلك عبر تعزيز عرض دور الحضانة. وأكد رئيس الحكومة في هذا الاجتماع، أن الحكومة حريصة على تحقيق التعبئة والالتقائية بين مختلف القطاعات، قصد الرفع من نجاعة التدابير الحكومية الواردة في خارطة طريق قطاع التشغيل، مبرزا أهمية إرساء نظام للحكامة الجيدة بهدف تنسيق تدخلات كافة القطاعات المعنية.
وأوضح عزيز أخنوش، أن هذه الخارطة ستساهم في ضخ دينامية تهم قطاعات متعددة من أجل إنعاش التشغيل من خلال إجراءات عملية، وذلك إيمانا من الحكومة بأن التشغيل يعد أولوية وطنية كبرى بالنظر لدوره في تعزيز منسوب الكرامة لدى المواطنين، وضمان العيش الكريم للأسر. يشار إلى أن خارطة طريق قطاع التشغيل، التي تضم 8 مبادرات عملية لتعزيز دينامية التشغيل والحد من البطالة، عبأت الحكومة لتنزيلها غلافا ماليا يقدر بحوالي 15 مليار درهم. وأن المبادرة السابعة، ضمن التدابير المدرجة لتنفيذ السياسة الحكومية في مجال التشغيل، تهم محاربة الهدر المدرسي. وتهدف إلى تقليص أعداد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة من 295.000 برسم سنة 2024 إلى 200.000 تلميذ في أفق 2026.