شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

هرمون القتل

تعيش مواقع التواصل الاجتماعي الغربية حالة من الجدل الشديد خلقها سؤال يبدو بسيطا لحد التفاهة.. إذا كنت عالقة في غابة موحشة، فهل تفضلين أن تلتقي بدب أو رجل غريب؟ تقاطرت أجوبة النساء من جميع أنحاء العالم لتهتف باسم الدب وتردد: عاش الدب ولا عاش من خانه.

تباينت تفاصيل اختيار رفقة الدب ولكن ظل السبب واحدا.. تقول إحدى السيدات إن أسوأ ما قد يفعله الدب بي أن يقوم بقتلي، لتجيبها أخرى أن المجتمع لن يسألني ماذا كنت أرتدي حين هاجمني الدب، ولن يجرأ القاضي على سؤالي إن كنت قاومت الدب وصرخت وقمت بإغلاق ساقيّ بشكل محكم..، لتضيف سيدة ثالثة أن عائلة الدب لن تترجاني للتنازل عن محضر الاعتداء حفاظا على سمعة ومستقبل الدب. فلماذا أصبحت المرأة تفضل المصارعة الحرة مع حيوانات ضارية على التواجد في مكان عام أو خاص مع رجال غرباء؟ ما الذي يجعل النساء يفقدن الإحساس بالثقة والأمان في الرجل؟ وماذا ارتكب هذا الأخير من فظائع حتى تختار المرأة التجول في الغابة رفقة حيوان مفترس من أجل سلامتها الجسدية والنفسية؟

ليس بالضرورة أن يكون الرجل، الذي تخشاه المرأة، شخصا كريه المظهر أو قاسي الملامح. ربما يكون شابا مثقفا ذا كاريزما جذابة ومهنة محترمة مثل تيد باندي الذي كان يعمل منسقا في الحملات الانتخابية للحزب الجمهوري نهارا، وقاتلا متسلسلا يغتصب النساء ويفتك بهن ليلا.. أو ربما يكون شخصا لطيفا وديعا، مثل إدموند كيمبر، يتمتع بمستويات ذكاء تصل إلى 145 نقطة، غير أنه قام بقطع رأس والدته وصديقها وذبح جديه ومثل بجثتيهما واستدرج نساء وقتلهن ومارس الجنس مع جثثهن الباردة.. أو ربما يكون صانع محتوى مشهورا يتابعه مئات الآلاف من المراهقين لتقديمه محتويات تعليمية هادفة على «التيكتوك»، لنكتشف بعد ذلك أن هذا الشاب، في الحقيقة، قاتل متسلسل قام باغتصاب عشرات الفتيات وتعذيبهن وإلقاء جثثهن في الصحراء.

الحديث هنا عن سفاح التجمع، الذي أثارت قضيته هذا الأسبوع جدلا كبيرا في مصر وخلفت صدمة شديدة بين أوساط متابعيه ومعجبيه. تباينت الآراء وردود الأفعال حول جرائم هذا السفاح المريض.. حيث ارتفعت أصوات الجهل المركب المعهودة في مثل هذه القضايا المتعلقة بالعنف ضد النساء، لتحاول البحث عن تبرير لهذا الفعل الشنيع. قيل إن سفاح التجمع يعاني اضطرابات ما بعد الطلاق، وهو الأمر الذي جعلني أدخل في حالة ضحك هيسترية. وقيل، أيضا، إن النسوة اللواتي استدرجهن القاتل كن عاملات جنس، وكأن وظيفة الإنسان، مهما اختلفنا معها أخلاقيا، مبرر لقتله والتنكيل به وإنهاء حياته بطريقة بشعة.

فلماذا يميل الرجال إلى الفتك بكل مستوياته، سواء العنف اللفظي أو التعنيف الجسدي، أو التحرش الفعلي والإلكتروني وصولا إلى القتل؟ لماذا ينظر الرجل إلى العالم من زاوية «التستسترون» الهائجة؟ وما السبيل لحماية أنفسنا كنساء من تقلبات هذا الهرمون المجنون؟ ولماذا نفضل أن نلقي بأنفسنا بين مخالب الدب على أن نتقاطع مع مجموعة شباب فزنقة ماكتخرجش؟

تصعب الإجابة عن هذه الأسئلة المقلقة، ولكن يظل السؤال المطروح، كم من شخص مشهور ومحبوب هو، في الواقع، مجرم متسلسل أو مضطرب نفسيا؟ وكيف نميز بين الإنسان السوي والإنسان السيكوباتي؟ ولماذا تعج «السوشل ميديا» بجحافل «كوتشات» التنمية الذاتية الذين يمارسون الأستاذية على العباد، وهم في الحقيقة مجرد جوقة جوفاء من الحمقى والمجانين والمدعين؟

يقال إن أغلب القتلة المتسلسلين في الولايات المتحدة أبدوا اهتماما متزايدا بالعمل السياسي طيلة فترة ممارستهم لجرائم القتل والتعذيب. وهو الأمر الذي لا يثير أي غرابة أو دهشة. يكفي أن نقوم بجولة سريعة في كتب التاريخ أو نلقي نظرة عما يحدث حولنا في العالم اليوم، لنتأكد من أن أبشع الجرائم التي قام بها الرجال، لم تكن قتل أو اغتصاب امرأة هنا وهناك، بل إن أفظع الجرائم هي القرارات السياسية خلف الجدران المغلقة التي تلحق الهلاك بملايين البشر.

لقد أكد سفاح التجمع الأحكام الجاهزة التي تتهم المظاهر بالزيف والخداع. وهو الأمر الذي أصبحنا نلاحظه بشكل متكرر لدى صناع المحتوى ومشاهير «الويب» العالمي والمحلي. كم من أسرة يوتوبية شهيرة تقوم بتسويق صورة الزواج المثالي والعائلة المستقرة، لنكتشف بعد ذلك أن الأمر يتعلق بزوجين نرجسيين يقومان بالمتاجرة والاسترزاق بأطفالهما. وكم من مشاهير على «الإنستغرام» و«التيكتوك» يجملون القبح ويبيعون الوهم للمراهقات. إذ كيف يعقل أن تتنقل فتاة عشرينية، بلا وظيفة حقيقية، بين جزر المالديف وشواطئ دبي، بالاعتماد فقط على نشر صور مثيرة على مدار الساعة؟ ولماذا ينبري مجموعة من الأشخاص، الذين فشلوا مرارا وتكرارا في الحياة الزوجية والعلاقات العاطفية، إلى تقديم النصائح الغبية للنساء والفتيات؟ هل نحن اليوم أمام أزمة تزييف شامل للوعي العام عبر ادعاء المثالية والثراء الكاذب أو العلم الزائف؟ هل سنختار مستقبلا مشاهدة فيديو تعليمي أو نشرة إخبارية من تقديم الدب، بدل مشاهدة «بروباغندا» قنوات الحرب والدمار؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى