شوف تشوف

الرئيسيةخاص

هكذا تورطت حكومة بنكيران في ما سمي بالمرسومين المشؤومين واستعملت القمع لتمريرهما

حسن الخضراوي
لم تعد قضية الأساتذة المتدربين ونضالهم ضد ما سمي بالمرسومين المشؤومين شأنا خاصا، بل تعدى الأمر ذلك ليصبح قضية رأي عام بعد المتابعة المكثفة من الإعلام الوطني والدولي وجميع الهيئات السياسية والحقوقية. وتم تسجيل تضامن المواطنين مع القضية بشكل واسع، خاصة بعد القمع والتعنيف الذي وصف بالمبالغ فيه وتعرضت له مسيراتهم واحتجاجاتهم السلمية من طرف حكومة بنكيران، ما أثار موجة عارمة من السخط والتذمر ساهمت في تأجيجها أكثر تصريحات مسؤولين ووزراء في الحكومة بعدم علمهم بواقعة التدخل العنيف وخروج الكتائب الإلكترونية لحزب العدالة والتنمية بتبريرات واهية وبيانات تضامنية أثارت سخرية الجميع هدفها خلط الأوراق، بحسب متتبعين، وذلك بعدما اتجهت مجددا إلى الحديث بشكل غامض عن العفاريت والتماسيح لتبرئة الحكومة التي يقودها «البيجيدي» من إعطاء أمر بالتدخل لتعنيف الأساتذة المتدربين بشكل غير مسبوق، يهدد بناء المؤسسات الديمقراطية والاصلاح المنشود الذي رفعته الحكومة كشعار تحت عنوان «الإصلاح في ظل الاستقرار».
يستمر الأساتذة المتدربون في اعتصاماتهم ومسيراتهم الحاشدة طيلة أسابيع مع مقاطعتهم للتكوين ومطالبتهم بالاستجابة لمطالبهم المشروعة والعادلة، وفق القوانين الجاري بها العمل، مركزين على أن المرسومين لا يشملانهم من الناحية القانونية. وتستمر الحكومة في تعنتها وتصميمها على تمرير المرسومين مهما كلف الأمر والبداية كانت بتدشين عملية تدخل بالقمع والتعنيف الذي خلف ضحايا من الأساتذة المتدربين وتناقلته وسائل إعلام دولية، ما يخدش صورة الإصلاح في المغرب.

قضية وطنية
يقول الأستاذ «م، ر» إن قضية الأساتذة المتدربين ونضالهم وإن كان يظهر أنه نضال خاص بهم وبحقوقهم إلا أنه في العمق نضال يخص التعليم العمومي باعتباره قضية المغاربة جميعا.
ويضيف المتحدث نفسه، أن من المصائب الكبرى على قطاع التربية والتعليم بالمغرب، الاعتقاد الخاطئ والمكرس منذ زمن بعيد بكون شؤون التربية والتعليم تخص فقط المدرسين ومن لهم ارتباط بالمؤسسات التعليمية إقليميا وجهويا ومركزيا، وهكذا يتم إبعاد الأسرة وبالتالي كافة شرائح الشعب المغربي عن دورها الجوهري في الدفاع عن القطاع بكل استماتة، والمساهمة في تطويره. ولعل قضية الأساتذة المتدربين، بحسب الأستاذ ذاته، من القضايا الوطنية التي تستدعي الالتفاف حولها، والتضحية في سبيلها بكل غال ونفيس.
تطرح قضية الأساتذة المتدربين بمختلف المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين أكثر من علامة استفهام حول المرسومين اللذين أقرتهما الحكومة والصادرين بتاريخ 23 يوليوز 2015 تحت رقم: 2-15-588 وهو المرسوم القاضي بفصل التكوين عن التوظيف، والمرسوم الوزاري الثاني رقم: 2-15-589 القاضي بتخفيض مبلغ المنحة من 2450 درهما إلى 1200 درهم.
وتكمن خطورة المرسوم الأول 2-15-588 القاضي بفصل التكوين عن التوظيف، في أنه سيتم تكوين أفواج من الأساتذة في مراكز التكوين، وذلك بعد الانتقاء الأولي واجتياز الاختبار الكتابي والشفوي وسنة تكوينية، ليطالبوا مجددا باجتياز مباراة توظيف فيتم ترسيب أغلبهم، حسب المتحدث دائما، وبالتالي فسح المجال للقطاع الخاص للاستفادة من خدمات هؤلاء الأساتذة الذين كونتهم الدولة بأموال عمومية لدافعي الضرائب، وهنا نرى بشكل واضح توجها صريحا للحكومة نحو خوصصة التعليم، يقول المتحدث ذاته.
أما المرسوم 2-15-589 القاضي بتخفيض مبلغ المنحة من 2450 درهما إلى 1200 درهم، فيمكن اعتباره قرارا تقشفيا خطيرا وتجويعيا حسب وصف المتحدث، لم تراع فيه الحكومة التي تدعي الدفاع عن حقوق البسطاء والضعفاء أن أغلب الطلبة الأساتذة ينتمون إلى الطبقات الفقيرة ويعانون من تكاليف الكراء الغالية في المدن، ومصاريف الأكل والتنقل إلى غير ذلك.
وختم المتحدث نفسه، كلامه بأنه يشد بحرارة على أيدي كل أعضاء التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين، مذكرا الحكومة بأن قضية الأساتذة المتدربين هي قضية المغاربة جميعا، ومنبها المسؤولين إلى مقولة لأبراهام لنكولن: «إذا كنتم ترون أن التعليم مكلف جدا، جربوا الجهل وسترون أنه أعلى كلفة».
قضية الأساتذة المتدربين تحولت إلى قضية رأي عام، ما سيشكل ضغطا قويا على رئيس الحكومة بنكيران ووزيره في التعليم لمراجعة المرسومين وفتح حوار مع المعنيين من أجل الاستجابة للمطالب واستئناف التكوين بالمراكز.

تضامن واسع
حظيت قضية الأساتذة المتدربين بتضامن واسع من طرف المواطنين والهيئات النقابية والأساتذة الممارسين داخل المؤسسات التعليمية، كما انضم الأطباء والممرضون وهيئات المحامين إلى التضامن والدعم بحيث لقيت الطريقة التي دعت إليها تنسيقية الأساتذة المتدربين للاحتجاج، والمتعلقة بحمل شارة تضامن حمراء ضد قرار حكومة بنكيران وما سمي بالمرسومين المشؤومين، تجاوبا واسعا من طرف الجميع ومطالبة الحكومة باحترام بنود الدستور والتوقف عن تعنيف وقمع المتظاهرين من الأساتذة بشكل سلمي وحضاري يكفله القانون الجاري به العمل.
وسبق للأساتذة المتدربين أن نفذوا اعتصامات إنذارية أمام مراكز التربية والتكوين للمطالبة بتحقيق مطالبهم، والتنديد بالعنف الذي يتعرضون له وزملاءهم بعدد من المراكز، كما رفع المحتجون شعارات ضد حكومة بنكيران تندد بالمرسومين وتطالب بإسقاطهما في أقرب وقت ضمانا لحقوق الأساتذة المتدربين خلال مسيرات وطنية وجهوية جابت شوارع المدن الرئيسية وشارك فيها آلاف من الأساتذة المتظاهرين ضد القرار القاضي بفصل التوظيف عن التكوين وتقليص المنحة المخصصة. لكن ذلك لم يلق آذانا صاغية من الحكومة التي ظلت تسير في اتجاه تنزيل المرسومين والتحذير من الاستمرار في الاحتجاج بادعاء أن هناك جهات خفية تحركه كطريقة للهروب من الحوار ومعالجة الملف بالحوار.
وصمم الأساتذة المتدربون على عزمهم المضي في برنامجهم النضالي رغم القمع والترهيب الذي يمارس عليهم من طرف حكومة بنكيران حتى تحقيق مطالبهم المشروعة، مشددين على أنهم سينظمون مسيرات أخرى جهوية ومحلية تشارك فيها الأسر إلى جانب فعاليات أخرى سياسية ونقابية تدعمهم، وتهدف بالأساس إلى التنديد بالقمع والعنف الذي تعرض له الأساتذة المتدربون خلال وقفاتهم الاحتجاجية ومسيراتهم واعتصاماتهم ذات الطابع السلمي والحضاري، مسجلين ارتياحهم للتفاعل الايجابي الذي أبداه المجتمع المدني مع قضيتهم.
وسجل التضامن مع الأساتذة المتدربين بعد القمع الذي تعرضوا له توسعا غير متوقع وتجاوبا كبيرا بحمل الشارة الحمراء، وإشهار السيارات لملصقات على الزجاج تنادي باحترام الأستاذ مربي الأجيال ومنحه حقوقه الكاملة.

تبريرات واهية
أثار قمع الأساتذة المتدربين ومنعهم من الاحتجاج السلمي زوبعة على المواقع الاجتماعية ونقاشا ساخنا حمل المسؤولية لرئيس الحكومة بنكيران في ما وقع للأساتذة من إصابات خطيرة تم تداولها على «الفيسبوك»، من خلال صور أثارت سخط وتذمر الكثيرين، الذين تساءلوا عن الدستور الجديد وتنزيل بنوده التي تكفل وتضمن حقوق التظاهر السلمي.
وحاولت الكتائب الإلكترونية لحزب العدالة والتنمية كعادتها تبرير التدخل الأمني وقمع الاحتجاجات، بادعائها تارة أن بنكيران لا يمكنه أن يصدر أمرا بالتدخل العنيف ضد الأساتذة المتدربين واحتجاجهم السلمي، وتارة أخرى بالقول إن بنكيران لا يتحكم في الداخلية، ما أثار سخرية الجميع من التبريرات التي وصفت بالواهية والرامية إلى تمييع النقاش الجاد في تحمل كل مسؤول للمسؤولية الملقاة على عاتقه ونتائج قراراته دون الاختفاء وراء لغة غامضة للتماسيح والعفاريت مل المواطن المغربي من ترديدها وأصبحت أسطوانة مشروخة.
وذكر رواد المواقع الاجتماعية المناهضين لسياسة بنكيران أن الدستور واضح والاختصاصات كذلك، وأنه لا مجال للمناورة وخلط الأوراق منبهين في نفس الوقت إلى الإنجازات التي يتم الحديث عنها وترويجها من قبيل تخفيض أثمنة الدواء ومساعدة الأرامل هل له علم بها أيضا، أم أنها تمت دون استشارته وبأوامر في ظروف غامضة من العفاريت والتماسيح.
وسخرت آلاف التعليقات من بيانات لشبيبة «البيجيدي» تعلن تضامنها مع الأساتذة المتدربين ضحايا القمع، بينما المسؤول المباشر عليه هو حزبها الذي يقود تحالف الحكومة ويشرف على جميع الملفات المطروحة على الساحة لمعالجتها. وذكرت نفس التعاليق بإرسال البيانات إلى الحكومة ومقر الحزب ومطالبتهما بتوضيح في الأمر.
وقال أحد المعلقين أن هذه الحكومة تنسب إليها ما تعتبره إيجابيا فقط، وتتنصل من كل السلبيات لتبحث عن مشجب تعلقها عليه، لذلك نرى كيف خرجت الكتائب الإلكترونية لـ «البيجيدي» بعد تعرض الأساتذة للقمع وتضامن الجميع معهم، لتحدثنا عن مؤامرة ضد حزب العدالة والتنمية ومحاولة للنيل من شعبيته قبل الانتخابات البرلمانية ما يطرح أكثر من علامة استفهام ويعرقل بناء مؤسسات قوية تربطها بالمواطن علاقة ثقة عالية، وتساهم في تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود.
وعادت الكتائب الإلكترونية لـ «البيجيدي» لتذكر كما عادتها دوما خلال المراحل الحرجة بأن المغرب على صفيح ساخن، وأن التدخل الأمني تم في ظروف غامضة، في محاولة منها لخلط الأوراق وكسر التضامن الواسع لرواد المواقع الاجتماعية مع الأساتذة واستيائهم وتذمرهم من رئيس الحكومة. غير أنها فوجئت بسخرية لاذعة والتذكير بفصول الدستور الجديد.
يذكر أن الأساتذة المتدربين ومن خلال التظاهرات والاحتجاجات السلمية التي ينظمونها لإسقاط المرسومين، يؤكدون في كل مرة أنهم ماضون في طريق النضال حتى تحقيق المطالب المشروعة والعادلة، كما أن دائرة التضامن معهم اتسعت بشكل كبير عند تعرضهم الخميس الماضي، للقمع والتعنيف بشكل وصف بالمبالغ فيه.

ما فراسيش… !
أثارت التدخلات الأمنية العنيفة التي طالت مسيرات الأساتذة المتدربين في مدن مختلفة موجة من الاستياء والغضب العارم في أوساط المواطنين، ووصلت حملة الغضب أوجها ضد رئيس الحكومة بنكيران ووزيره في التعليم والداخلية، عندما تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا عن تصريحات تقول إن العديد من الوزراء أكدوا أن عملية التدخل بشكل عنيف لم تكن في علمهم، كما خرج العديد من المسؤولين في «البيجيدي» ليدلوا بتصريحات مفادها أن قرار تعنيف الأساتذة تم في ظروف غامضة ويهدف بالأساس إلى التشويش على تجربة حزب العدالة والتنمية في الإصلاح.
وتسببت صور الدماء والإصابات التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام في انضمام العديد من المواطنين بمختلف فئاتهم إلى صف الأساتذة وسط دعوات من أجل الخروج في مسيرات احتجاجية أمس الأحد، تطالب بإسقاط الحكومة أو تحملها لكافة النتائج المترتبة عن قراراتها التي تتخذها وتحاول التنصل منها عند فشل عملية التنزيل.
واعتبر المتتبعون أن التدخل كان مخططا له من أجل تمرير قرار فصل التكوين عن التوظيف، ساخرين بشدة من تصريح «مافراسيش» ومنبهين بنكيران إلى تدشينه «مخطط المغرب الأحمر الجديد» في إشارة إلى الدماء الغزيرة التي نزفت من أصحاب البذلة البيضاء الأساتذة المتدربين.

صرخة تلميذ
خرج تلميذ يدرس في السنة السادسة من التعليم الأساسي ليعلن تضامنه مع الأساتذة المتدربين ودعمهم حتى إسقاط المرسومين المشؤومين في فيديو مسجل يتم تداوله بشكل واسع، مذكرا أن حديث الحكومة عن الجودة لا يمكن بأي حال من الأحوال ربطه بالمرسومين اللذين يجهزان على حقوق الأستاذ المتدرب ويدخلانه في دوامة عدم الاستقرار والتركيز الذي تحتاجه المهنة لارتباطها بمستقبل الوطن وبناء الأجيال.
وطالب التلميذ من المسؤولين في الحكومة الالتفات إلى بناء المدارس والزيادة في عدد الأساتذة تفاديا للاكتظاظ، إذا كانوا حقا يريدون إصلاح التعليم والرفع من الجودة، عوض تقزيم المنحة المخصصة للأساتذة المتدربين وممارسة الضغوط التي تجعلهم يفقدون التركيز ويتيهون في التفكير في الأمور المادية وامتحان نهاية التكوين. ونبه التلميذ بطريقة راقت جميع مشاهدي الفيديو ونالت إعجابهم المسؤولين إلى الخصاص المهول الذي تعانيه المدارس بالمناطق النائية من حيث المدرسون والمدارس، بالإضافة إلى افتقار المؤسسات إلى الأنشطة الموازية التي تبرز المواهب وتصقلها، مركزا على أن هذا هو المجال الذي يجب العمل عليه لمن يريد الرفع من جودة التعليم وليس إصدار مرسومين وربطهما بالجودة في أشهر نكتة للسنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى