شوف تشوف

الرئيسية

هكذا يتحايل اللصوص من أجل سرقة المصلين بالمساجد

كوثر كمار

ينشط بكثرة خلال شهر رمضان لصوص من نوع خاص، يستهدفون المساجد ويستغلون خشوع المصلين للسطو على أحذيتهم وهواتفهم النقالة. أما آخرون فيتظاهرون بالصلاة لسرقة صناديق التبرعات من بيوت الله.
فرغم من قدسية المكان لدى المسلمين، إلا أن هؤلاء اللصوص لا يتورعون عن انتهاك حرمة المساجد والتسلل بين المصلين بغية السطو على كل ما تطوله أياديهم التي قد تصل حتى إلى مكبرات الصوت المنصوبة على جنبات بيوت الله.
«الأخبار» تكشف في هذا التحقيق عن طرق وحيل لصوص المساجد خلال شهر رمضان.

تتداول على نطاق واسع بين رواد الفايسبوك، هذه الأيام شرائط فيديو توثق لعمليات السرقة داخل المساجد المغربية.
ففي الوقت الذي يعتقد فيه اللصوص أنهم ينفذون عملياتهم في غفلة من المصلين، فكاميرات المراقبة تفضح أعمالهم الإجرامية.
ومن بين أكثر الفديوهات تداولا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو يظهر من خلاله رجل يبدو أنه في عقده الخامس يسرق الأحذية من المكان المخصص لها والتي يخبئها في سترة يحملها في يديه.
فاللص كان يستغل خشوع المصلين ليختار الأحذية الجديدة بكل أريحية.
وقد أثار الشريط استياء العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا هذه الممارسات انتهاكا صارخا لحرمة المساجد.

سرقة الأحذية الثمينة
في السابق، كان معروفا لدى عموم الناس أن لصوص المساجد يستهدفون كل حذاء جديد، لذلك اعتاد المشرفون عليها على كتابة عبارة «ضع حذاءك أمامك» لتنبيه المصلين إلى السارقين المتربصين بأحذيتهم. أما اليوم فلم يعد اللصوص يكتفون بالأحذية الجديدة، بل باتوا يحرصون على اختيار الماركات العالمية والتي قد يصل سعرها إلى ألف درهم أو يتجاوزه.
الحاج عمر رجل في عقده الخامس يواظب على أداء الصلوات الخمس بالمساجد حيث يشعر بالأمان، إلا أنه مازال مصدوما بعدما تعرض تكرارا للسرقة داخل بيت الله.
ويحكي الحاج عمر بحرقة في معرض حديثه مع «الأخبار»، أنه دأب على إقامة الصلاة بمسجد الحي الذي يقطنه به وتحديدا بالحي المحمدي بمدينة الدار البيضاء، وقبل شهرين فقط ذهب إلى المسجد ذاته يوم الجمعة حيث كان مكتظا بالمصلين، إذ اضطر عدد منهم إلى آداء فريضة الصلاة أمام ساحة المسجد.
يقول الحاج عمر: « في اللحظة التي كنت أسجد فيها خاشعا لله سبحانه وتعالى عمد أحدهم إلى سرقة حذائي والذي اشتريته من أحد أشهر المحلات العالمية بكندا ويصل سعره إلى حوالي ألف درهم، بعدما انتهيت من أداء فريضة صلاة يوم الجمعة اكتشفت أن الحذاء قد اختفى لأعلم بعد ذلك أن اللص أقدم على سرقة بعض المصلين فاضطررت للذهاب إلى المنزلي حافي القدمين». ومنذ ذلك الحين لم يعد الحاج عمر يرتدي الأحذية الجديدة بل أصبح يذهب إلى المساجد مرتديا نعالا بلاستيكيا خوفا من السرقة.
فالبرغم من أخذه كافة التدابير الاحتياطية إلا أنه قد تعرض لسرقة سجادته، ويروي محدثنا أنه بعدما انتهى من أداء الصلاة قام بطي سجادته وانشغل بحديثه مع بعض أصدقائه. ليقوم اللص بتغيير سجادة جديدة ببالية من أجل عدم إثارة انتباهه.
ويضيف الحاج عمر أنه بعدما ذهب إلى المنزل اكتشفت زوجته أن السجادة قد تم تغييرها بأخرى.

هواتف نقالة..
يستغل اللصوص اكتظاظ المساجد، خاصة أيام الجمعة وأثناء أداء التراويح خلال شهر رمضان، إذ يستلون بخفة من جيوب المصلين هواتفهم الذكية ومحفظاتهم.
محمد شاب يبلغ من العمر 27 سنة، يحرص على أداء صلواته الخمس في أحد المساجد بسيدي مومن. يقول في حديثه مع «الأخبار»: «في اليوم الأول من شهر رمضان تعرضت لحادثة سرقة غريبة لحظة أدائي لصلاة التراويح، فبعد انتهائي من الصلاة لم أعثر على هاتفي النقال ومحفظتي، فاعتقدت في البداية أنني نسيتهما في المنزل أو وقعا مني خارج المسجد لأتفاجأ بصديقي يخبرني بأنه هو الآخر تعرض للسرقة»، ثم يردف محمد بحسرة أن اللصوص يستخدمون أساليب ماكرة من أجل سرقة المصلين أثناء سجودهم من دون إثارة الانتباه.
مازال محمد يتردد على المسجد ذاته من أجل أداء فريضة الصلاة بالرغم من تعرضه للسرقة، إلا أنه أصبح أكثر حذرا، يضع محفظته في الجيب الداخلي لسترته.

مكبرات صوت وقطع أثرية
لم يكتف اللصوص بسرقة حاجيات المصلين، إذ تطور الأمر إلى سرقة مكبرات الصوت التي يصل سعرها إلى 5 آلاف درهم بالإضافة إلى الحصائر والزرابي والقطع الأثرية. ففي مطلع العام الجاري أقدم مجهولون على سرقة مكبرات الصوت بمسجد مدينة تحناوت، حيث مازالت الأبحاث جارية حول مقترفي هذه الجريمة.
وعبرعدد من ساكنة تحناوت عن استنكارهم بسبب انتهاك حرمة المسجد وسرقة مكبرات الصوت.
وقد شهد مسجد القرويين بفاس سنة 2013 حالات سرقة متعددة، وذكرت مصادر إعلامية أن المسجد التاريخي تعرض لسرقة «جامور القبة»، كما سبق أن تمت سرقة الستائر وبعض الأشياء الأثرية.

سارقات المساجد
في بعض المساجد المخصصة للنساء تنشط بعض السارقات اللواتي يستولين على حقائب المصليات، وقد انتشر شريط فيديو على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي يوثق لحادثة سرقة داخل مسجد خاص بالنساء. كاميرا المراقبة رصدت سيدة استغلت خشوع النساء لحظة أداء فريضة الصلاة، حيث جلست قرب الحقائب اليدوية للنساء وشرعت في فتحها واختيار الأشياء الثمينة لوضعها داخل محفظتها، قبل أن تقرر الفرار، إلا أنها تفاجأت برجال الأمن الخاص الذين قاموا بإحباط عمليتها.
كريمة فتاة تبلغ من العمر 25 سنة، صادفناها بأحد المساجد بالحي الحسني بمدينة الدار البيضاء حيث كانت تؤدي صلاة العصر.
ترتدي كريمة خمارا بني اللون وتحمل في يديها سجادة حمراء اللون. وهاتفا نقالا قديم الصنع.
فمنذ حادثة السرقة التي تعرضت لها لم تعد تحمل معها الأشياء الثمينة داخل المسجد.
تروي كريمة في حديثها مع «الأخبار» تفاصيل حادثة السرقة. فالبرغم من مضي سنة على ذلك إلا أنها مازالت تتذكر وقائع الحادث بحرقة.
قائلة: «خلال العام الماضي وتحديدا في شهر رمضان، تعرضت لحادثة سرقة غريبة عندما كنت أؤدي صلاة التراويح، حيث كان المسجد مكتظا عن آخره. وضعت حقيبتي اليدوية في المكان المخصص لها كسائر المصليات ولم اكتشف السرقة حينها».
وتضيف كريمة أنها بعدما خرجت من المسجد توجهت إلى مخبزة للحلويات لشراء الخبز، إلا أنها بعدما فتحت الحقيبة لم تعثر على محفظتها وهاتفها الذكي.
لم يخطر ببال كريمة أنها قد سرقت داخل المسجد، إذ كانت تعتقد أنها نسيت هاتفها ومحفظتها داخل المنزل، وفي الطريق صادفت الشابة صديقتها التي هي الأخرى كانت ضحية لصة المساجد فكانت الصدمة قوية بالنسبة لهما.

أساليب ماكرة
يعتمد لصوص المساجد على أساليب ماكرة من أجل سرقة المساجد، وبالعودة إلى بعض تسجيلات كاميرات المراقبة التي تفضح أفعالهم الاجرامية، فإن البعض منهم يتركون نعالهم البالية مكان الأحذية الجديدة التي يسرقونها ويلبسونها، بينما يقوم آخرون بوضع بعض الأحذية المختارة في كيس وإخراجها إلى خارج المسجد، ليحملها شخص آخر يكون على اتفاق مسبق مع السارق. ويتظاهر آخرون بالصلاة من أجل السطو على صناديق التبرعات مستغلين خشوع المصلين.
فيما يقتحم آخرون بعض المساجد الصغيرة في الفجر لسرقة الزرابي ومكبرات الصوت.
عبد الصمد التاغي الخبير في علم الاجرام يرى أن اللصوص يعتمدون على العديد من الأساليب الماكرة من أجل سرقة المصلين خاصة في المساجد التي توجد في الأحياء الراقية، حيث أحذية ذات ماركات عالمية باهظة الثمن.
ويشير التاغي إلى أن اللصوص يستغلون أجواء الخشوع والخضوع لله سبحانه وتعالى من أجل اقتراف جرائم السرقة من دون اكتشافهم، فهناك من يتظاهرون بالصلاة من أجل السرقة، بينما آخرون يتظاهرون بالتسول أمام أبواب المساجد، وبعد القيام بعملياتهم الاجرامية يلوذون بالفرار.
ويعزو الخبير في علم الاجرام أسباب السرقة في المساجد إلى عدة عوامل من بينها الاكتئاب والفقر والادمان على المخدرات.
ويقول التاغي: « إن الأشخاص الذين يسرقون داخل المساجد هم على وعي تام بما يقدمون عليه خاصة أنهم يعيشون داخل مجتمع مسلم، لذا يجب أن يتم تشديد العقوبة على هؤلاء اللصوص»، ثم يردف «أن الحل من أجل معالجة ظاهرة السرقة بصفة عامة هو أنه يجب عرض اللصوص على أطباء نفسيين داخل السجون المغربية، فقد يكون اللص قد دأب على هذه الممارسات الغير الاخلاقية منذ طفولته من خلال السرقة داخل المدرسة والمنزل وبالتالي قد يكون هذا السلوك مرضي».

القبض على اللصوص
رغم الخطط والحيل التي يعتمد عليها عدد من اللصوص بالمساجد، إلا أن مخططاتهم في بعض الأحيان تبوء بالفشل عند انفضاح أمرهم بفضل كاميرات المراقبة أو من قبل المواطنين.
فخلال شهر ماي المنصرم تم تفكيك عصابة متخصصة في سرقة المساجد بمدينة جرادة، وذكرت مصادر إعلامية أن عناصر الأمن ألقت القبض على ثلاثة أشخاص من بينهم قاصر، بعدما تأكد ضلوعهم في العديد من السرقات داخل المساجد، بالإضافة إلى مقر الزاوية البودشيشية ليتم بعد ذلك استرجاع بعض المسروقات وإحالة المتورطين على أنظار العدالة.
أما في مدينة إنزكان فقد ألقي القبض خلال شهر رمضان الماضي على لص بمسجد الموعظة بحي الجرف بعدما نصب له كمين من قبل أعضاء الجمعية المسيرة للمسجد. وحسب مصادر إعلامية، فالجاني كان يتماطل في الخروج بعد صلاة المغرب، ليقوم بالسطو على صندوق التبرعات إذ تم ضبطه متلبسا وبحوزته آلة حديدية لفتح الأقفال، ليعترف بعد ذلك بتنفيذه عدة سرقات في مساجد أخرى بانزكان وأكادير ليتم تقديمه إلى العدالة.

الدكتور شفيق الإدريسي: باحث في مقاصد الشريعة الإسلامية : «لصوص المساجد يزرعون الرعب في ضيوف الله»

يرى شفيق الإدريسي الباحث في مقاصد الشريعة أن ظاهرة السرقة في المساجد تعد جريمة شنعاء وانتهاكا صارخا لحرمة هذا المكان الطاهر، فاللصوص الذين يسرقون لا يقدرون مكانة المساجد، مضيفا أن المصلين هم ضيوف الله سبحانه وتعالى فهم يلجؤون إلى بيوت الله ليأمنوا، إلا أن اللصوص يزرعون فيهم الرعب ويسطون على ممتلكاتهم.
وأضاف الباحث في مقاصد الشريعة الإسلامية أن اللافتة الملصقة على أبواب المساجد والتي كتب عليها «أخي المصلي ضع حذاءك أمامك» تعد مظهرا للتخلف، في حين يجب أن توضع الأحذية في الأماكن المخصص لها من دون أي خوف.
وأكد أن هذه الظاهرة موجودة بكثرة في المغرب على عكس بعض الدول الفقيرة كمالي والسينغال، والتي لا تقع فيها مثل هذه الجرائم.
وعزا شفيق الإدريسي ظاهرة السرقة في المساجد إلى الجهل بالدين والمقامات، وعدم وعي اللصوص بأهمية بيوت الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل البقاع هي المساجد وشر البقاع هي الأسواق»، مردفا أن المجرمين لو علموا بشاعة ما يقدمون عليه من جرم في حق الله وفي حق ضيوفه لامتنعوا عن ذلك.
ودعا الباحث في مقاصد الشريعة إلى تربية الناشئة على أهمية دور العبادة والتشبث بالشعائر الدينية، بالإضافة إلى تشديد العقوبات القانونية على ممارسي هذه الأفعال الإجرامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى