شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

هل تعود أوروبا إلى عصر الظلام؟

 

 

 

يونس جنوحي

 

«زلزال» الضرائب المفروضة على الجمارك، الذي أحدثه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليس مجرد قرار رئاسي اقتصادي ببعد سياسي «مفضوح»، فالمتخصصون يرون أنه «عاصفة تجارية» دفعت الاتحاد الأوروبي الآن إلى حالة من الفوضى.

هذه الرسوم الجمركية الإضافية، التي أقرها الرئيس الأمريكي على المنتجات الأوروبية، اعتبرتها صحيفة «بروكسيل سينيال»: «مطرقة ثقيلة على اقتصاد أوروبا. والأسوأ أنه إذا لم تستيقظ أوروبا، فإن هذه الرسوم سوف تؤدي إلى جعل الاتحاد الأوروبي تابعا جيوسياسيا للصين»!

بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، خلال سنة 2023، ما مقداره 500 مليار يورو. وفي النصف الأول من السنة الحالية، هناك مجازفة قدّرها الخبراء بأزيد من 200 مليار يورو.

كبريات الشركات الأوروبية، التي تحوز على الحصة الكبرى من أرباح الاتحاد الأوروبي، سوف تلحق بها أضرار كبيرة بسبب ما بات يُعرف الآن بـ«رسوم ترامب».

المعني الأول بهذا الخطر المحدق شركات السيارات الأوروبية، الألمانية على وجه الخصوص، والتي تنافس بقوة في السوق الأمريكية، بالإضافة إلى شركات الصلب والألمنيوم العملاقة. وينتظر أن تتلقى هذه الشركات جميعها ضربة اقتصادية موجعة بسبب الرسوم الجمركية.

حتى شركات الموضة، التي تحظى بإقبال كبير بين الأمريكيين، مثل شركات الحقائب النسائية الفاخرة، سوف تتضرر هي الأخرى. كان الله في عون أثرياء الولايات المتحدة، فقد تعرف كل هذه السلع ارتفاعا صاروخيا في الأسعار لسد «العجز» الذي تتسبب فيه سياسة الرئيس.

قائمة الشركات الأوروبية التي سوف ترتبك حساباتها بسبب الجمارك الأمريكية، تطول كل يوم، ومن بينها شركات صناعة الأدوية والمنتجات الكيماوية التي تهيمن منذ عقود طويلة على حصص مهمة في السوق الدولية، بفضل انتشارها الواسع فوق تراب الولايات المتحدة. وبحسب صحيفة «بروكسيل سينيال»، فإن هذه الشركات بدأت فعلا تستعد لتلقي الخسائر، بملايير الدولارات.

المفوضية الأوروبية وعدت، في خطاب بداية هذا الشهر، بفرض رسوم جمركية مضادة على السلع الأمريكية، بقيمة 26 مليار يورو على المشروبات واللحوم الأمريكية التي تروج في السوق الأمريكية. هذا القرار وُصف بالجريء لكن لا تمكن مقارنة تداعياته مع حجم المخاطر التي سوف يتعرض لها الاتحاد الأوروبي بسبب القرار الأمريكي.

رد الفعل الأوروبي، أو «الرد بالمثل»، قد يتحول إلى حرب تجارية سوف تلحق ضررا بالغا باقتصاد أوروبا.

الفائض التجاري للصين، مع الاتحاد الأوروبي، بلغ 292 مليار يورو في سنة 2023. رسوم ترامب الجمركية على الصين، التي بلغت الآن 34 بالمئة على البضائع الصينية، حولت إنتاج الصين من السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والبطاريات، منخفضة الجودة، إلى السوق الأوروبية، وهو ما يعني أن سوق الاتحاد الأوروبي سوف تغرق حرفيا بالمنتجات الصينية، وهو ما سوف يُضر كثيرا بالشركات الأوروبية المحلية التي لن تستطيع مجاراة الصين في انخفاض كلفة الإنتاج.

وصف الدكتور البولندي، المتخصص في الاقتصاد، «دونالد توسك»، رسوم ترامب الجمركية بـ«الغبية». والساحة السياسية في أوروبا بدأت منذ الآن تتفاعل مع هذا القرار الأمريكي التاريخي. اليسار الجديد في أوروبا يسير الآن في اتجاه معاد للولايات المتحدة، والأحزاب القومية الأوروبية تلقي خطابات تندد بـ«حماقات» الرئيس الأمريكي.

الخبراء الأوروبيون يتخوفون من هيمنة الصين على سوقهم لسد الهوة التي حفرها القرار الأمريكي، ويتخوفون أكثر من هيمنة الصين على سوق روسيا، ويعتبرونها الممول الفعلي لموسكو في الحرب على أوكرانيا. بل إن المحللة «أليسيا غارسيا» تقول إن «الصين ليست محايدة بشأن أوكرانيا».

الأوروبيون لن يكونوا قادرين في المستقبل على انتقاد سياسات الصين في ما يتعلق بحقوق الإنسان والأوضاع الاجتماعية للعمال، وربما لن نسمع مستقبلا عن «عقوبات» الاتحاد الأوروبي على الصين بسبب السلع والمنتجات التي لا تحترم معايير الأمان والسلامة الصحية للأطفال. إذ أن 55 بالمئة من واردات الصين من التكنولوجيا الخضراء صوب الاتحاد الأوروبي يعود لها الفضل في تلبية حاجة ملايين الأوروبيين إلى التيار الكهربائي. وهذا يعني أن أي أزمة سياسية مع الصين، حتى لو كانت مجرد انتقاد، قد تجعل أوروبا تغرق في الظلام مجددا!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى