شوف تشوف

الرئيسية

هل كان للموساد أصدقاء مغاربة؟

يبدو أن «بن نون» يعرف تفاصيل كثيرة، تغاضت الصحافة الإسرائيلية عن ذكرها. كتابه الذي لم يترجم بعدُ إلى العربية، جاء بعنوان: «رجال الموساد وموت المهدي بن بركة»، وكتب جملة تحت العنوان، رغم أنها تدخل في باب «الإشهار» للكتاب، إلا أنها توحي بأن بن بنون سيقول أشياء قالها، ولم تنشرها له الصحافة الإسرائيلية. يقول: «إليكم الرواية الكاملة التي لم تنشرها صحيفة يديعوت أحرونوت حول ظروف موت المهدي بن بركة».

رحلة البحث عن.. «صاحب ليهود»
إسرائيل تنصح مواطنيها بعدم اختيار المغرب وجهة لسفرهم، قد يبدو الخبر جديا بالنسبة للبعض، لكنه بالنسبة للعارفين، خبر يدعو إلى السخرية أكثر مما يبطن من دعوة إلى تحذير اليهود المغاربة من زيارة المغرب، والذين تكون أغلب زياراتهم سياحية، يزورون فيها مناطق غادرها آباؤهم أو أجدادهم حتى.. في سياق تاريخي مرتبك.
هنا بيت القصيد بالضبط. لماذا أصلا يوجد يهود مغاربة في إسرائيل. كيف رحلوا ومن رحّلهم، ومن اختار أن يشحنهم نحو إسرائيل، حتى تكمل بهم الحكومة الإسرائيلية وجهازها «الموساد» تكملة العدد الذي لزمها لتأسيس دولة هناك، لا تزال تصارع للإبقاء عليها بالقوة إلى اليوم..
خلال الأشهر الأولى من السنة الماضية، قامت الدنيا في إسرائيل ولم تقعد، لأن بعض قدماء جهاز الموساد ومتقاعديه، تحدثوا عن علاقاتهم مع المغرب بكثير من الإثارة. رافي إيتان، وهو واحد من هؤلاء، ليس موضوعنا اليوم، لكنه سبق له الحديث عن علاقته بالجنرال الدليمي، وقال إن الأخير جاء إليه في أكتوبر 1965 وطلب منه أن يساعده في التخلص من جثة المهدي بن بركة وترك الرواية مفتوحة على احتمالات كثيرة كتبت فيها الصحافة الإسرائيلية أمورا كثيرة لم تقدم أي جديد في قضية المهدي بن بركة..
إلى أن جاء «يغال بن نون» وهو صحفي يهودي ألف كتابا يستند فيه إلى مجموعة من المقالات والتقارير التي جمعها بخصوص تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل، وتناول فيها علاقة الموساد وقدم أسماء بعض زعمائه، وسلط الضوء على علاقتهم بالمغرب وبالثلاثي اللغز.. ثلاثة أسماء، لازالت تصنع النقاش في موضوع علاقة الأجهزة السرية الإسرائيلية بالمغرب. المهدي بن بركة، الجنرال أوفقير والجنرال الدليمي.. وهؤلاء ثلاثتهم انتهوا نهايات غامضة لم يُحسم فيها إلى اليوم.
يبدو أن «بن نون» يعرف تفاصيل كثيرة، تغاضت الصحافة الإسرائيلية عن ذكرها. كتابه الذي لم يترجم بعدُ إلى العربية، جاء بعنوان: «رجال الموساد وموت المهدي بن بركة»، وكتب جملة تحت العنوان، رغم أنها تدخل في باب «الإشهار» للكتاب، إلا أنها توحي أن بن بنون سيقول أشياء قالها، ولم تنشرها له الصحافة الإسرائيلية. يقول: «إليكم الرواية الكاملة التي لم تنشرها صحيفة يديعوت أحرونوت حول ظروف موت المهدي بن بركة».
نفهم من كلامه، ومن خلال ما جاء في الكتاب من تفاصيل، تعرج على محطات حاسمة من ألغاز القضية، أن يديعوت أحرنوت توصلت براوية في الموضوع لم تنشرها.
سيتضح أكثر أن بن نون، في هذا الكتاب يحاول تقديم توضيحات بخصوص تصريحات سابقة له بخصوص القضية، ربما تكون الصحافة الإسرائيلية قد حورتها. يقول إنه لم يخبر الصحافة الإسرائيلية أبدا أن إسرائيل متورطة في قضية مقتل المهدي بن بركة، والتي ارتكبها حسبه، الجنرال أحمد الدليمي.
يقول بن نون إن القضية تحتاج إلى مزيد من التدقيق في ما قاله سلفا، مستغربا من الإثارة التي يريد البعض، حسبه دائما، أن يحيطوا بها الموضوع..
لماذا يبقى أمر كتابات بن نون بعيدا عن الصحافة الإسرائيلية وكأنها لا تريد للعالم أن يعرف جزءا مهما من تاريخ إسرائيل؟
يتحدث بن نون في كتابه، مستندا إلى مقالات سابقة له، يقول فيها إن الموساد يستحيل أن يكون قد تورط في دم المهدي بن بركة، ويستحيل أيضا أن يكون أحد من النظام المغربي قد خطط لتصفيته خارج المغرب، لأن الأمر يبدو ضربا من الجنون وغير محسوب العواقب، مؤكدا أنه جاء كعمل طائش ارتكبه الدليمي، وسارع إلى محاولة دفنه نهائيا لكنه لم يفلح، وهذا ما يفسر لنا ولو جزئيا فقط، ما قاله رافي إيتان سابقا.
اليوم، مع الصحفي «بن نون» سنكتشف روايات تنشر لأول مرة عن علاقة الموساد بالمهدي بن بركة وحتى الجهات والأسماء التي تولت صرف أجرته الشهرية القادمة من إسرائيل، وظروف انقطاع الدعم الإسرائيلي له وتخلي رجل الموساد عن مرافقته في باريس.
أكثر من هذا، أن المعلومات المتوفرة تكشف أصول علاقة المهدي بن بركة بالإسرائيليين، والتي تعود إلى سنة 1959، عندما طلبت منه إسرائيل عبر مبعوث خاص، تدبر أمر تسهيل تهجير اليهود المغاربة بشكل غير رسمي، حتى لا تثير إسرائيل الشبهات حولها، بداية الستينات، ولا يبدو الأمر على أنه إجبار لأقلية على إخلاء بلدها الأصلي.
بن بركة وعد الإسرائيليين بأنه سيقترح عليهم اسما مغربيا لكي توجه له إسرائيل دعوة رسمية من الحكومة الإسرائليية، ويقوم بزيارة لمسؤولين إسرائليين ويبحث معهم مقترحات المبعوث الذي تحدث للمهدي بن بركة عن الموضوع..
لكن بن بركة نفسه، كان جالسا ساعتها فوق صفيح ساخن، سيضطر معه إلى القفز بعيدا عن المغرب ولن يعود إليه إلا ليرحل عنه ثانيا، وبالتالي لم يكن بن بركة رجلا مناسبا لتبحث معه إسرائيل في هذا الباب.. فكان أن اقترح هو عليهم أن يتصلوا بعبد الرحيم بوعبيد، لكنه كان أقل حماسا من المهدي بن بركة حسب تلك الوثائق، وسيجلس مع المبعوث الإسرائيلي، دون علم عبد الله ابراهيم، الوزير الأول وقتها، وسينقل للإسرائليين رغبة سياسيين وطلبة مغاربة، في التعرف على هذه الدولة الجديدة «إسرائيل» والتعرف عن قرب على تجربتها السياسية والاقتصادية..
لكن لا مؤشرات أخرى تقول بأن وفدا «يساريا» مغربيا قد زار إسرائيل لذات الغرض في تلك الفترة.
بالعودة إلى المبعوث الذي اقترحه بن بركة والذي كان عضوا في حزب الاستقلال ومن أصول يهودية، فإن إسرائيل كانت ترغب في نسج علاقات مع مغاربة سياسيين مسلمين.. وهو الأمر الذي يشكل تساؤلا كبيرا بخصوص الرغبة الإسرائيلية.
زعماء مغاربة التقاهم هذا المبعوث الإسرائيلي في أسبوع واحد، من بينهم المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد ومبارك البكاي الوزير الأول السابق، وباحنيني وزير العدل والمقرب جدا من الملك الحسن الثاني أيام كان وليا للعهد ثم وزيرا كبيرا في عهده، ثم المحجوب بن الصديق، الوجه الذي استأثر بصورة الزعامة داخل الاتحاد المغربي للشغل لسنوات طويلة..
ستجدون تفاصيل لقاءات بين المبعوث الإسرائلي الذي حرص على ربط علاقات جيدة مع سياسيين مغاربة منذ سنة 1949، مستفيدا من التقارب بينه وبينهم، بحكم انتمائه إلى الجالية اليهودية من يهود فرنسا في الجزائر، ويجمع خلطة نادرة من الانتماءات، سيوظفها في ما بعدُ في التفاوض لصالح إسرائيل..
سيكون لزيارته ما بعدها، لأن الحضور اليهودي في الحكومات المغربية والإدارات سيعرف انكماشا وتراجعا كبيرا.. بعد أن شهد المغرب تعيين أول وزير يهودي، مغربي بطبيعة الحال، في أول حكومة مغربية، ويكون وزيرا للبريد، رغم أنه طبيب سيكون قريبا من الملك محمد الخامس، ويشرف على ملفه الطبي لفترة.. ستتدارك الحكومة هذا الاختلاف في تخصص الوزير والوزارة التي منحت له، وسيعين في أول تعديل، وزيرا للصحة، ويكون ثاني وزير للصحة في المغرب في أول حكومة وأول يهودي يشغل هذا المنصب، لتنتهي ولايته سنة 1958..
لنعد الآن إلى المهدي بن بركة، فعلاقته بالموساد يبدو أنها كانت متشعبة، وكولدا مايير نفسها أرسلت له مبعوثا إلى منفاه، وستبقى علاقاته مع إسرائيل وطيدة وقوية إلى أن طلب من المبعوث في باريس أن يدبر له أمر الحصول على أسلحة، لتختار إسرائيل الانسحاب وتقطع عنه الأجرة الشهرية التي كانت تصرف له في ظروف نذكر تفاصيلها في هذا الملف.. وهنا سينقلب بن بركة على إسرائيل، وسيظهر الأمر في خطاباته السياسية وتوطد علاقته مع المصريين أيام جمال عبد الناصر.
ستأتي سنوات الستينات بكثير من المفاجآت وستبدأ أولى أطوار قضية اختفاء المهدي بن بركة في باريس، ويصبح دمه موضوع اتهامات تتقاذفها جهات كثيرة..
هل لإسرائيل علاقة بموت الجنرال الدليمي؟ لم نطرح نحن هذا السؤال، لكن الذين طرحوه من داخل إسرائيل يعلمون أن جوابه يوجد لدى نفس الجهات التي تابعت بكثير من الاهتمام كل ما جرى في المغرب في ذلك الوقت.. لكن مسألة تهجير اليهود وعلاقة السياسيين المغاربة بهذه العملية، تبقى بقعة تستحق أن يُسلط عليها هذا الضوء، الذي رغبت الصحافة الإسرائيلية أن تبقيه بعيدا..

الرجل الأول في الموساد يحسم في علاقة الجهاز بموت بن بركة والدليمي وأوفقير
ميير عاميت، رجل مخابرات بامتياز، ورئيس الموساد الإسرائيلي، سابقا، يعرف حسب بن نون، أسرارا كثيرة في الموضوع، ويعلم أكثر من غيره أن عملية تصفية المهدي بن بركة تمت بشكل مباشر من طرف الدليمي، ولم يكن مخططا لها مسبقا، بدليل أنه أصبح منشغلا بتدبير أمر نقل الجثة أو التخلص منها دون ترك أي أثر، ولم يخطط للأمر مسبقا. ليس للأمر علاقة بالارتجال أو ضعف الجهاز الذي كان ينتمي إليه الجنرال الدليمي، كما حاولت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ترويجه، لكن الأمر كان بسبب العلاقات التي ربطها الجنرال أحمد الدليمي ببعض رجال الموساد. يقول بن نون، مؤكدا مرة أخرى، أن الموساد بعيد تماما عن القصة الغامضة لوفاة الجنرال الدليمي، وأن ما راج عن تدخل الموساد لتصفيته، بسبب ملفات حساسة وبسبب علاقات قديمة تجمع الجنرال ببعض زعماء الجهاز، والعلاقات العسكرية بين المغرب وإسرائيل، ليس صحيحا. الأدلة التي يقدمها بن نون هنا، تبدأ بأسماء بعض قادة الموساد ممن تحدثوا بعد تقاعدهم عن علاقتهم بالمغرب، على رأسهم ميير عاميت نفسه. هذا الأخير نفى أن يكون الموساد قد تدخل لاغتيال المهدي بن بركة، وقال إن الجهاز يرفض بالمطلق التدخل في عمليات مشابهة، مؤكدا نفس الرواية التي روج لها الضابط المتقاعد رافي إيتان، ثم ضباط آخرين من بعده. هذا لا يعني حسبه، أن المغرب طلب تدخل الموساد في الموضوع، فهو يؤكد أن قضية مقتل المهدي بن بركة بقيت بعيدة عن الجهاز الإسرائيلي، مؤكدا أن علاقات وطيدة جمعت هذا الزعيم، أي بن بركة، ببعض رموز إسرائيل والموساد أيضا!
زعيم الموساد ميير عاميت، يؤكد أن المهدي بن بركة لم يشكل يوما خطرا على إسرائيل. أكثر من هذا فإن بن نون، تولى شرح طبيعة العلاقة التي جمعت ميير عامر مع المغرب. بعض المصادر قالت إن زعيم الموساد زار المغرب أكثر من مرة لتدبر أمر التخلص من المهدي بن بركة، لكن ميير عاميت اعتبر الرواية سخيفة.. وحسب مصادر بن نون والوثائق التي اعتمد عليها في جمع معطيات الكتاب، فإن أول زيارة له للمغرب، كانت بعد مقتل المهدي بن بركة، بل ويضيف أن أول تعاون بين المغرب وإسرائيل في المجال السياسي، جاء بهد انتهاء قضية تهجير اليهود المغاربة إلى هناك، لأن هذه القضية كانت تتصدر اهتمامات الإسرائليين منذ فبراير سنة 1963 بالضبط.
يحاول، بن نون، دائما أن يبعد إسرائيل عن مقتل المهدي بن بركة، وفي ما سيلي من الكتاب، يتفصل في ذكر أسماء سياسيين وعملاء سريين، كانوا على اتصال بالمهدي بن بركة ساعة اختياره للمنفى خارج المغرب بسبب الأوضاع السياسية المتقلبة التي كان يعيشها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.. وهو ما يؤكد حسبه دائما، وجود اتصال بين بن بركة وإسرائيل، وأن الأخيرة لم يكن من مصلحتها أن تتم تصفيته في تلك الفترة.
بن نون يركز أيضا على مسألة غاية في الأهمية، وتتعلق بموقف المغرب رسميا من قضية الاغتيال، إذ يؤكد حسب ما كشفه الموساد، أن الملك الحسن الثاني كان قد أرسل إلى بن بركة، يدعوه إلى العودة إلى المغرب، محاولا إنهاء مشكلة المنفى الاختياري الذي دخل فيه الزعيم السياسي، ووعد بفتح باب الحوار معه، كمعارض، للوصول إلى تسوية سياسية، وكان مقتله مفاجئا للجميع، حتى أن الجنرال الدليمي، الذي كان خلف الحادث مباشرة، وجد نفسه مرتبكا في باريس، يبحث عن طريقة لتدبر الورطة التي أقحم نفسها فيها.

رئيسة الوزراء الإسرائلية منحت المهدي بن بركة أجرة شهرية ومبعوثا!

كولدا مايير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية، يقول بن نون، كانت على معرفة وطيدة بالمهدي بن بركة كزعيم سياسي مغربي ومعارض شرس. حتى أنها خصصت له أجرة شهرية كمساعدة له على تدبر أموره في المنفى، ونصحته أكثر من مرة بالابتعاد عن فرنسا، بحكم علاقتها الوطيدة ومصالحها مع المغرب، لكن المهدي أصر على البقاء، وخصصت له مبعوثا خاصا، رافقه هناك، واسمه يعقوب كاروز Yaacov Caroz.
يعقوب هذا، كان بمثابة الذراع اليمنى لرئيس الموساد إسير هارييل. يقول نفس المصدر إن المهدي بن بركة، عندما التقى بهذا المبعوث في فرنسا، وجلس معه إلى طاولة واحدة حتى يبلغه برسائل رئيسة الوزراء الإسرائيلية ونصائح الموساد له، طلب منه معونة مالية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
تفاصيل هذه المعلومة، تقول إن طلب المهدي بن بركة، قُبل من طرف الإسرائيليين، وهكذا خصص له خلال فترة منفاه الثاني بأوروبا، أجر شهري منتظم، يتوصل به بشكل مباشر عن طريق رجل يدعى ألكسندر إيسترمان، وهو ممثل عن الكونغريس العالمي لليهود. إلى هنا بدت العلاقات بين بن بركة وإسرائيل متينة، لكنها ستخبو عندما سيطلب بن بركة من المبعوث كاروز أن يتدبر له أمر الحصول على كمية من الأسلحة، وبدا واضحا للإسرائيليين أن بن بركة كان يعد لنوع آخر من المعارضة، وهنا تدخلت كولدا مايير لتبلغ المبعوث، عبر سفارتها في باريس، أن يبتعد عن بن بركة وأن ينصحه بالابتعاد عن فرنسا، لأن العلاقات بينهما قد تسبب لإسرائيل مشاكل مع المغرب.
موقف بن بركة، المعادي لإسرائيل، سيظهر بعد فترة، في القاهرة، بعد قرار إسرائيل قطع العلاقات معه، وأيضا قطع المعونة المالية الشهرية التي كان يتوصل بها هناك بوساطة من الكونغرس العالمي لليهود.

بن بركة ينصح إسرائيل بلقاء عبد الرحيم بوعبيد دون إخبار الوزير الأول!

هناك رواية مثيرة تتحدث عن أولى العلاقات بين بعض الإسرائليين والوجوه السياسية بالمغرب، حيث طلبوا مساعدتهم، في تأمين نقل اليهود المغاربة إلى إسرائيل، بطريقة غير رسمية، حتى لا يبدو الأمر إخلاء وتهجيرا قسريا لليهود نحو إسرائيل.
بداية الستينات، حل الرجل الذي سيمنح بن بركة أجرا شهريا في باريس، بالمغرب لأجل تدارس مسألة تسهيل تهجير اليهود، وطلب خدمات المهدي بن بركة، والتقى بعبد الرحيم بوعبيد أيضا.. وحسب هذه الرواية فإن الخدمات التي أسداها المهدي بن بركة لرجل الكونغريس العالمي لليهود، كانت سببا مباشرا في تسهيل الموافقة على تخصيص أجر شهري لبن بركة عندما كان في منفاه بفرنسا.
لم يكن لدى إسرائيل من رجل مناسب للأمر أكثر من أندريه ناثان شورَقي، وهو رجل فرنسي من أصول جزائرية، ويجمع بين الثقافة العربية والفرنسية ويعلن ولاءه لإسرائيل أيضا، وهي التي اختارته مبعوثا غير عادٍ إلى المغرب حتى يلتقي بعض الوجوه السياسية المعروفة.
تعود علاقات هذا الرجل مع الزعماء السياسيين العرب في الجزائر والمغرب وتونس، إلى نهاية الأربعينات، وقد كان يتمتع بحس عال من الحفاظ على العلاقات، وقد استعملها لاحقا لصالح إسرائيل، أثناء مفاوضات تهجير اليهود، مع الحرص على أن يكون التهجير بشكل غير رسمي.
بطلب من كولدا مايير، حل ناثان في المغرب، الذي زاره للمرة الأولى في حياته سنة 1949، حاملا معه جواز سفر دبلوماسيا كممثل لهيأة عالمية معروفة، وهو ما يخول له الحديث مع السلطات داخل أي بلد يحل فيه.
لنفس المهمة، أي نقاش مسألة تهجير اليهود وطلب دعم سياسيين مغاربة في هذا الباب، حل أيضا مستشار الكونغريس العالمي لليهود، أليكسندر إيسترمان، بالمغرب، حيث تعرف على المهدي بن بركة للمرة الأولى لتتوطد علاقتهما بالخارج.
أول مهمة في هذا الباب، لتباحث تسهيل تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل، كانت بالضبط في 16 فبراير 1959، ومكث المبعوث ناثان سبعة أيام قضاها في مقابلات هامشية غير رسمية، لأن طبيعة المهمة لم تكن إسرائيل تريد لها أن تكون رسمية..
هنا، كان الهدف من زيارة ناثان مقابلة وزير المالية وقتها، عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بن بركة. وطلب ناثان أن يتم تحديد شخص لكي يزور إسرائيل لتباحث هذا الأمر بشكل غير مباشر، بحيث توجه له دعوة حكومية لزيارة إسرائيل، دون الإعلان عن الغرض منها، حتى يتم تدارس مسألة التهجير غير الرسمي لليهود المغاربة نحو إسرائيل. وخلال اللقاء، حسب بن نون، حرص ناثان على أن تكون طلباته مجرد اقتراحات على عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بن بركة.
في 17 فبراير، أي يوما بعد دخوله إلى المغرب، التقى ناثان كلا من المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد بشكل منفصل وتباحث معهما باب فتح علاقات مع إسرائيل، والاستفادة من امتياز الصداقة مع الحكومة الإسرائيلية، والتعاون.
المهدي بن بركة بدا متحمسا، خلال سنة 1959، لبدء علاقة مع إسرائيل، وأخبر ناثان، أنه معجب بالتجربة ومستعد للتعاون مع إسرائيل، حتى أنه اقترح شخصية من طرفه توجه لها دعوة حكومية لزيارة إسرائيل، يتعلق الأمر بمارك صبّاح، وهو شخصية مناسبة حسب بن بركة للقيام بهذا الدور، لأنه يجمع علاقات وطيدة مع اليهود المغاربة وبعض السياسيين أيضا.
لكن ناثان، وهنا يُطرح السؤال، أصر على أن يكون هناك سياسيون مغاربة مسلمون في عملية الوساطة، ووعده المهدي بن بركة أن يدرس الأمر جيدا. على أن تتم الزيارة في يونيو أو يوليوز، أي أشهرا بعد ذلك اللقاء.
لكن سنة 1959، شهدت توترات سياسية كبيرة وأزمة داخل حزب الاستقلال، وبوادر الانشقاقات تلاها تأزم الأوضاع السياسية من جديد وخروج المهدي بن بركة من المغرب للمرة الأولى، قبل أن يهرب إلى فرنسا للمرة الثانية.
أمام انشغالات المهدي بن بركة سنة 1959، وجد الأخير نفسه مضطرا إلى اقتراح صديقه عبد الرحيم بوعبيد حتى يتولى تدارس الأمر مع ناثان..
يقول ناثان إنه توقع أن يكون عبد الرحيم بوعبيد أقل حماسا من المهدي بن بركة في مسألة تدارس إمكانية تسهيل تهجير اليهود المغاربة عبر بدء الأمر بزيارة إلى إسرائيل. المهدي بن بركة نصح ناثان بالحديث في التفاصيل مع عبد الرحيم بوعبيد ولقائه بعيدا عن عبد الله ابراهيم، الذي كان وزيرا أول.
عبد الرحيم بوعبيد لم يتحمس كثيرا لمسألة تدبر بعثة مغربية إلى إسرائيل، لكنه أخبر ناثان أن هناك سياسيين وطلبة مغاربة، متحمسين لزيارة اسرائيل، ولديهم رغبة كبيرة في الانفتاح على هذه «الدولة الشابة للاستفادة من تجربتها الاقتصادية»

طبيب محمد الخامس.. هذه قصة تعيين أول يهودي مغربي وزيرا للبريد

طبيب مغربي يهودي، كان الأجدر أن يكون وزيرا للصحة نظرا لكفاءته الطبية، لكنه لن يصبح كذلك إلا في التعديل الحكومي الذي مس أول حكومة مغربية سنة 1956. ليون بنزاكين، كان واحدا من أشهر الأطباء المغاربة، ولد في طنجة في آخر يوم من سنة 1928. من طنجة سينطلق إلى داخل دواليب العمل السياسي المغربي، بطريقة رتبتها له الظروف وحدها، حتى يحصل على وضع اعتباري في مغرب الأربعينات وبداية الخمسينات.
عندما حصل المغرب على الاستقلال، تم تعيينه وزيرا للبريد والمواصلات، ثم أصبح وزيرا للصحة، وهو المجال الذي يناسبه، واستمر فيه إلى حدود سنة 1958.
شغل بنزاكين منصب طبيب الملك الراحل محمد الخامس، وقد كان من بين الأطباء المقربين منه ومن عدد من الوزراء والشخصيات العمومية في مغرب الخمسينات.
تقول الروايات إن بنزاكين، كان واحدا من الوجوه اليهودية المغربية، المطلوبة لتعزيز حضور اليهود في المرحلة الجديدة من بناء المجال السياسي للبلاد بعد الاستقلال. خصوصا أنه كان يهوديا غير عادي، قادما من طنجة وليس من المدن المغربية التي اشتهرت بانتشار أحياء «الملاح» حيث كان يعيش اليهود نفس الظروف الاجتماعية التي عاشها مغاربة الأربعينات وما قبلها.
لكن حظ بنزاكين لم يكن مساعدا على بقاءه في التعيينات الحكومية بداية الستينات، خصوصا وأن علاقاته الوطيدة مع بعض المنظمات اليهودية خارج المغرب وخارج إسرائيل أيضا، جعلته يختار مغادرة المغرب.. لأن الظروف السياسية التي مرت منها منطقة الشرق الأوسط، انعكست على الوجود اليهودي بالمغرب، ولم تعد ظاهرة استوزار يهود في الوزارات والدواوين إلا سنوات الثمانينات، وكان بنزاكين قد رحل عن الدنيا قبلها سنة 1977.

إسرائيل أرادت معرفة رأي الاتحاد المغربي للشغل في مسألة تهجير اليهود المغاربة

حسب التقارير التي حررها ناثان عقب زيارته إلى المغرب في فبراير 1959، والتي يعود تاريخها إلى مارس من نفس السنة، فإنه حظي يوم 24 فبراير بلقاء مع المحجوب بن الصديق، زعيم الاتحاد المغربي للشغل. يقول ناثان إنه وبعد لقاءاته السابقة مع الزعماء السياسيين المغاربة خلال ذلك الأسبوع، فإنه يرى أن المحجوب بن الصديق هو أقلهم قربا مما يقع من قضايا في الشرق الأوسط. يقول إن بن الصديق خلال لقاءه به استحضر العوائق التي قد تؤثر على العلاقات بين المغرب وإسرائيل، والتي قد تعرقل عملية تهجير اليهود المغاربة وأثار أيضا مشاكل اللاجئين الفلسطنيين وضغوطات الدول العربية، وأبدى إعجابا كبيرا بالنموذج النقابي الإسرائيلي.

البكاي عبر للمبعوث الإسرائيلي عن رغبته في استعادة منصبه وزيرا أول وباحنيني عبّر عن احترامه لليهود

أحمد باحنيني، وزير العدل في تلك الفترة، عبّر عن مشاعر الاحترام التي يكنها لليهود المغاربة، وبدا أن الرجل كان بعيدا عن أي تأثير سياسي في مسألة تهجير اليهود المغاربة نحو إسرائيل. تقارير ناثان لم تذكر أي شيء عن استعداد باحنيني لزيارة إسرائيل ولا نصائحه من أجل لقاءات مفترضة، كما هو شأن المهدي بن بركة.
انتقل ناثان إلى الحديث عن لقائه برجل آخر، هو الوزير الأول السابق، امبارك البكاي. ناثان زار البكاي في مقر سكناه في الرباط، بالضبط يوم 23 فبراير. لم يكن ذلك هو اللقاء الأول بينهما، إذ سبق لهما أن التقيا سنة 1957، أي سنتين قبل اللقاء في زيارة البحث عن علاقات مع سياسيين مغاربة لصالح إسرائيل. يقول بن نون، في حديثه عن لقاء ناثان بالبكاي، إنه كان لقاء طويلا، عبر خلاله امبارك البكاي عن رغبته في استرداد وظيفته كوزير أول، وصرّح أيضا أن لديه نية تحسين العلاقات مع فرنسا بمجرد عودته إلى منصب رئيس الوزراء. الأكثر من هذا أن البكاي قال إنه أصيب بخيبة كبيرة عندما رأى أداء الحكومات التي تلت حكومته، وهي الحكومات التي لم تتضمن وزراء يهود..
البكاي هنا، أراد أن يشير إلى وزير يهودي في أول حكومة مغربية، يتعلق الأمر بالوزير ليون بنزاكين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى